ــ
انتخابات
الأنظمة الديكتاتورية ليست
مسرحيات
بلال
داود*
تصر
الأنظمة الشمولية ، وما كان في
حكمها من دول ديكتاتورية متنكرة
ببرقع الديموقراطية ، على إجراء
الانتخابات
النيابية في موعدها المقرر
، وتحشد له إعلاما حكوميا ضخما ،
وتروج لحملات مرشحيها الدعائية
على كل الأصعدة المحلية ، فإذا
مررت بحي بسيط من أحياء أي مدينة
أو بلدة أو قرية ، وجدت آلاف
الصور والإعلانات والدعايات
للمرشحين المقرر نجاحهم مسبقا ،
ورأيت أفراد الحزب الحاكم
منهمكين بالمرور إلى البيوت
والمحلات والمصانع والمزارع
والغابات والكهوف والشطآن
ورؤوس الجبال ، يذكرون الناس
بيوم الانتخاب ، و كأنهم يذكرون
بيوم الحساب ، ويذكرونهم بمرشح
الحزب الحاكم في منطقتهم ، و
يسوقون له ، ويزينون أخلاقه
وسلوكه وتصرفاته ( حيث لا برنامج
له)، حتى يخال المراقب ، أن
الحزب الحاكم يخشى من الهزيمة
في هذه الانتخابات ، مع العلم
أنها محسومة سلفا بحكم الدستور
في بعض البلدان
، و بحكم البلطجة في بلدان
أخرى ، وبحكم البوليس في غيرها ،
وأحيانا تجتمع كل هذه ( الحكميات
) في بلد واحد ، والجميع يعلم
مسبقا من هو الفائز ، وكذلك
الاستفتاءات التي تجري على
الولاية التالية للرئيس، الذي
ينافس نفسه للمرة (؟؟؟؟) التي لا
يوقف عدّادَها
إلا الموت ، على غرار ما حصل في
سوريا الأسد ومصر الناصرية
، أو ما هو متوقع في ليبيا و
مصر الحديثة وتونس وغيرها ، أو
انقلاب عسكري على غرار
موريتانيا ، أو بالطريقة
الحديثة جدا
، وهي الاجتياح العسكري
الخارجي ، على غرار ما حدث في
العراق ، وما يمكن أن يحدث في
بلدان أخرى مثل السودان ...
وقد
لفت انتباهي المقابلات
التلفزيونية التي أجرتها معظم
المحطات الفضائية ، مع شخصيات
سياسية معارضة ، أو مواطنين
عاديين في الشارع ، قبيل
الاستفتاء الأخير على تعديل بعض
فقرات الدستور في مصر ، ففي معظم
هذه المقابلات ، تجد أن المواطن
يحمل كمّاً لا حدود له من
الانتقادات والمعارضة
لما هو مطروح على الاستفتاء
، وللحزب الحاكم و منهجه
وبرامجه وديكتاتوريته ،
وعندما يسأله الصحفي في
نهاية المقابلة ، عن توقعاته
حول النتيجة ، يجيب ببساطة
...، أنه يتوقع فوز هذا
التعديل المقترح في
الاستفتاء!!!..
نظرة
متأنية في هذه المقابلات
التلفزيونية التي جرت ، وفي
نتيجة الاستفتاء الذي حصل ،
تقود إلى الإجابة ،
عن مغزى
إجراء انتخابات نيابية مسبقة
النتيجة ، وعن حكمة تكرار
الاستفتاء على شخص الرئيس
الأوحد ، أو القائد إلى الأبد ،
فالمطلوب هو وصول المواطن ،
إلى اليأس الكامل من أي تغيير أو
تعديل أو تصحيح ، على غرار ما
حصل لأشقائنا المصريين .
الانتخابات
النيابية ، والاستفتاءات
المتكررة على ولاية الرئيس
التالية ، ليست مجرد مسرحيات
هزلية كما يصورها كثير من
النقاد ، سواء كانوا
من قيادات الجماعات و
الأحزاب المعارضة ، أو كتابهم
أو ناشطي منظمات المجتمع المدني
، أو المواطنين العاديين ،
بل هي عمل ممنهج جاد ، يراد منه
غرس اليأس في نفس المواطن ،
لينمو شيئا فشيئا ، حتى يصبح
ثمرة كاملة النضج لاستعباده من
الأعماق ، فيسهل قياده بالاتجاه
الذي تريده تلك الأنظمة ، دون
حاجة إلى
التدخل بجبروتها
وعساكرها .
وما
هذه الانتخابات والاستفتاءات
مسبقة النتائج ، إلا حلقة في
سلسلة طويلة من منهج الاستعباد
والإذلال ، بداية بأزمة الخبز
المفتعلة ، التي جعلتنا نقف
أمام المخابز ساعات طوالا
كل صباح ، لنحصل في النهاية
على بضعة أرغفة ، ومرورا
بالجمعيات الاستهلاكية وتحديد
كمية الرز والسكر والزيت
والصابون ، المسموح
للمواطن استهلاكها في الشهر
الواحد ، في حين تتوفر
المشروبات الكحولية بالبراميل
بدون بطاقة تموينية ، حتى تجد أن
حرص المواطن على بطاقته
التموينية، أكثر من حرصه على
هويته ، وصولا إلى إلزام
العساكر وموظفي الدولة ،
بالمشاركة في الانتخابات تحت
إشراف رؤسائهم
... وتكميم أفواه الناقدين ،
وإلباس المعارضين طاقية
الإخفاء ... و إخفاء الصناديق
الأصلية ،
ثم إظهارها على طريقة الساحر
الذي يدخل الأرنب في القبعة ،
ليخرجه حمامة ترفرف بجناحيها ،
كل هذا وأمثاله ، برامج جادة
مدروسة ، لتصل بالمواطن في
نهاية نفق القهر الذي
يساق فيه مطأطأ الرأس ، إلى أن
يعمل بالتحريك الذاتي ، فينفذ
ما تريده هذه الأنظمة
الديكتاتورية ، طوعا قبل أن
يطلب منه ذلك دون نقاش أو تفكير .
أحزاب
المعارضة و شخصياتها المستقلة
والكتاب والمفكرون والمواطنون
الأحرار ، مطالبون بالكف عن
النظر إلى انتخابات الأنظمة
الشمولية الديكتاتورية ، على
أنها مجرد مسرحيات هزلية ، وأن
يفكروا في
مشروع وطني
فكري جاد يعيد الثقة للمواطن
بنفسه ، و بقدرته على التغيير ،
و أن تتحول عن سلبيتها
في مقاطعة الانتخابات و
الاستفتاءات ، فالمقاطعة لا
تجدي فتيلا ، حيث لا تنص
الدساتير المعروفة على بطلان
الانتخابات أو الاستفتاءات ،
مهما تدنت نسبة
المنتخبين أو المقترعين
.
العمل
الإيجابي من وجهة نظري ، يكمن في
المشاركة بزخم شديد ، و أن يتم
دعم واختيار الأفضل بين
المرشحين المستقلين أو مرشحي
المعارضة ( إن سمح لهم) ، و إقناع
المواطن بأهمية صوته الرافض
للخطأ ، الرافض للديكتاتورية ،
الرافض للعبودية ، وأن عليه أن
يشارك في الانتخابات ، ليختار
الأفضل بين المرشحين ، فإن لم
يجد الأفضل فمن المناسب أن
يختار الأقل سوءا ، وأن يُقبل
بجرأة على الاستفتاء ، فيقول
كلمته في إعادة تنصيب الرئيس ،
ليبرأ إلى الله ، ثم الأجيال
القادمة ، أنه بذل الجهد
المستطاع في التغيير السلمي
نحو الأفضل.
*كاتب
سوري مستقل
Arcan48@yahoo.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|