ــ
مهما
أعجبك الأسد .. احترس من براثنه
بلال
داود*
أحيانا
يجد الإنسان نفسه مضطرا لتصديق
المقولة ( لكل شخص من اسمه نصيب )
، فعندما تسمع باسم الأسد أو
تراه من بعيد أو يصل إليك زئيره
، فإنك
تشعر بالرهبة والإعجاب
والاحترام ، ولكن ما أن تقترب
منه حتى تجد نفسك فريسة سهلة بين
فكيه .
الأسد
السوري الهصور، يثير الإعجاب
عندما يتحدث إلى وسائل
الإعلام ، عن العزة والكرامة
والسيادة والعدل والحرية .. إلى
ما هنالك من تعبيرات تبعث على
الشعور بالنشوة ... فإذا حاولت
الاقتراب من عرينه ، لتسأل عن
سرقات الثعالب المحيطة ، أو
لدغات الأفاعي المميتة ، وجدت
نفسك فريسة سهلة بين براثنه ، في
الدور التاسع تحت الأرض .. وآخر
زئير له كان بالأمس عبر قناة
فرنسية ،
مكررا رفض سوريا
القاطع ، محاكمة أي فرد من
رعاياها أمام محكمة ذات طابع
دولي ، بتهمة الضلوع في جريمة
اغتيال الرئيس الحريري ، لأنها
لن تتنازل عن سيادتها لمحكمة لا
تعرف أصلها ولا فصلها ، ولا تعرف
عدلها من ظلمها ، فهذه المحكمة
ظالمة متعسفة
،ستحكم بقطع الرؤوس بدون
أدلة ، ولن تكون إلا هزلا سياسيا
يراد به إركاع العزة السورية
الشامخة ، ولا يفوت سيادته
طبعا ، الشروح الأكاديمية
المطولة ، أو المقتضبة أحيانا ،
عن فلسفة العدل والظلم
والخيانة والأمانة ، فإن
تبين أن مواطنا سوريا ضالع في
جريمة اغتيال الحريري ،
فهو خائن لسوريا أكثر من
خيانته للبنان ، و سوريا أحق
بإنزال أشد العقوبات بالخونة ،..
ومن جهة ثانية فإن
الحق يفرض أن تقدم الأدلة
والإثباتات قبل توجيه
الاتهامات .
ولما
وصل حديثه إلى
نقد السياسة الفرنسية ،
وتوجيه الانتقادات إلى الرئيس
شيراك ، شعرت
بالخشية على سيادته من الاعتقال
التعسفي الفرنسي ، بتهمة إضعاف
الشعور الوطني لدى الفرنسيين ،
وقد أخذتني
النشوة في داخلي ، كمواطن سوري ،
فهيأت نفسي للتصفيق الحاد ،
لولا بعض المفارقات التي
أوقفتني ،
أذكر منها على سبيل المثال :
أولا
ـ إن كان ما يجزم به سيادته
صحيحا ، من أنه لا علاقة لأي
سوري بجريمة اغتيال الحريري أو
غيره في لبنان أو غير لبنان ،
فأين الضرر من هذه المحكمة ،
ولماذا الخوف منها ؟؟؟ ، وإن
كانت لا تعنينا ، فما دخلنا
لنرفضها؟
ثانيا
ـ إذا كان الحق يفرض أن تعرض
الإثباتات والأدلة
قبل توجيه التهم ، فبأي حق
يجوز لسيادته
الجزم بالبراءة قبل انتهاء
التحقيق ، وقبل توجيه الاتهامات
، و قبل تقديم الأدلة ؟؟
ثالثا
ـ أنا لا أريد نبش الماضي ، ولكن
لو كانت هناك محكمة دولية
للاغتيالات ، التي تحصل بين حين
و آخر في العالم
، و غالبا ما تطال معارضين
لأنظمتهم القمعية ، لعرفنا من
اغتال السيدة بنان علي الطنطاوي
في ألمانيا
، والشيخ نزار الصباغ في
إسبانيا ، والسيد صلاح الدين
البيطار في فرنسا ، وغيرهم كثير
في أماكن متفرقة ، إضافة إلى
القافلة اللبنانية
,,, وإن
ثبت للمحكمة براءة
النظام السوري
منها ، لكنا
أسكتنا الألسنة
التي تلوك سمعة المخابرات
السورية ، ولكنا قطعنا الأصابع
التي تشير بالاتهام إلى النظام
السوري في كل هذه الاغتيالات .
رابعا
ـ جميل أن نسمع سيادته يتحدث عن
الحق الذي يفرض أن لا يُعتقل
إنسان ولا يُتهم إلا بأدلة
قطعية ، و يحق لنا أن نسأل ( من
بعيد طبعا) ،: بأي حق
اعتُقل مئات الآلاف من
المواطنين السوريين
وما زالوا يعتقلون حتى
الساعة ، تحت
مظلة قانون
الطوارئ المفروض على الشعب
المسكين، من قبل ولادة السيد
الرئيس ،
من غير أدلة و من غير تهم أصلا ،
ولماذا يسحب المواطن السوري
بلباس نومه
من داخل فراشه على وجهه قبل
الفجر ، وتبدأ المفرزة الأمنية
التي اعتقلته
، بتطبيق العقوبة التي
قررها القاضي العسكري ،
قبل وصول المواطن المسكين
إلى أقبية التحقيق في مراكز
المخابرات ؟؟؟
وقبل أن يعترف بما لم يفعل ،
لمجرد أن واشيا خصه بتقرير ، ...
أم أن هذا الحق الذي يتكلم عنه
سيادته ،
يستثنى منه المواطن السوري ؟ و
لا يطبق إلا إذا كان مظنة
الاتهام من
أجهزة النظام ؟؟؟
خامسا
ـ إن
كانت السيادة ، تمنع اعتقال
الناس ومحاكمتهم في غير بلدانهم
، فكيف تسمحون باعتقال آلاف
اللبنانيين والفلسطينيين
وغيرهم من الجنسيات من قلب
لبنان ، بدون تهم ولا أدلة ،
حتى بدون طلب استدعاء قضائي ، و
يساقون إلى
أقبية المخابرات السورية ، كما
تساق النعاج ،
بل أسوأ ،
فالنعاج لا تضرب أثناء
سوقها ،
أم أن السيادة حق لسيادته ،
حرام على غيره؟؟؟
سادسا
ـ سعدنا برؤية
سيادته على التلفزيون
الفرنسي ، يكيل النقد إلى
الحكومة الفرنسية وإلى الرئيس
الفرنسي مباشرة ، كما سعدنا من
قبل ، بقراءة
المقابلات الصحفية مع
سيادته ، المنشورة في الصحف
الأمريكية ، تقوم
السياسة الأمريكية
وتنتقدها ، وتنتقد رؤساءها
وتصرفاتهم وأفكارهم ،... فمتى
يسعدنا سيادته ،
برؤية معارض أو منتقد سوري
واحد لسياسته ، يتفوه بجملة
بسيطة من داخل سوريا ، ولو كان
في بيته ؟؟؟
فضلا عن السماح له بالظهور
العلني في مظاهرة سلمية ، تحتج
على استمرار العمل بقانون
الطوارئ فقط ، ولا تحتج على وجود
سيادته في سدة الحكم ؟؟
سيادة
الرئيس، كنت صفقت لكم كثيرا ، لو
أني صدقت مقولتكم ، ولكني كغيري
من البشر، لا أستطيع أن
أصدق أقوالكم ، قبل أن أراها
مطابقة لأفعالكم ،.. فعندما
ترفعون حالة الطوارئ ، وتغلقون
المعتقلات السياسية ، وتطلقون
سراح المغيبين في الأقبية ،
وتسمحون بالتعددية الحزبية
والفكرية والسياسة ، وعندما
تنظمون انتخابات حرة نزيهة ،
تعبر عن رغبات الشعب و طموحاته
وأماله ...، حينئذ ..... سأكون أول
المصدقين و في طليعة
الناخبين لسيادتكم ، وساكون
أكثر المصفقين حماسة ، ولو
التهب جلد كفيّ من شدة التصفيق .
*كاتب
سوري
Arcan48@yahoo.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|