ــ
الفصل
التاسع ...
من
مسرحية الانتخابات في سورية !
د.نصر
حسن
في نهاية شهر نيسان
الحالي سوف تشهد سورية الفصل
التاسع من مسرحية "
الإنتخابات "
الملونة , مسرحية مضحكة
مبكية بأبطالها المعروفين
للشعب السوري , وشخصياتها التي
تلاعبت وتتلاعب بإرادة الشعب
عبر سياسة مستمرة من الإلغاء
والتهميش والحرمان من حق الحرية
في الإنتخاب ولانقول الترشيح
لأنه يتم بإرادة وسلطة أجهزة
الأمن التي أصبحت هي الحاكم
الوحيد للبلاد منذ عقود صفتها
الوحيدة هي تغييب الحريات
وتغييب النشطاء السياسيين
والمثقفين واحتكار العمل
السياسي العام والخاص بل
واحتكار حتى شكل حياة الناس
والتحكم بأرزاقهم وحتى أعمارهم
في كثير من الحالات , مرحلة شاذة
في حياة الشعب السوري ألغت كل
مفاهيم الحياة الطبيعية وكل
أشكال الحرية والتعبير عن الرأي
وغيبت المشاركة الشعبية في
الحياة العامة بل وفي أحيان
كثيرة غيبت الناشطين والراغبين
بالمشاركة في الشأن العام وزيفت
بالقمع والرعب رأي المجتمع
وأجبرته على المشاركة الشكلية
في مسرحية التمثيل والإدلاء
بصوته مكرها ً بنعم للحزب
الواحد والقائد الخالد
وملحقاتهما من الشعارات التي
تجسد سياسة إلغاء الآخر معنويا
ً وماديا ً سياسيا
ً وحقوقيا ً واجتماعيا ً وأفرزت
حالة فريدة من التشويه والفساد
التي أصبحت سرطانا ً يفتك في
بنية الشعب السوري الثقافية
والسياسية والإجتماعية
والأخلاقية , سرطانا ً أنتجته
سياسة الحكم الفردي
الديكتاتوري الذي احتكر كل
أشكال العمل السياسي والنقابي
والمهني الحر في سورية , سرطانا
ً عشعش لعشرات السنين في نسيج
المجتمع , سرطانا ً غريبا ً نشره
القمع والتسلط
من قبل فئة
فاسدة سياسيا ً وفاشلة وطنيا ً
وفاقدة للشرعية ولأي مشروع
لبناء الدولة الحديثة وتفعيل
روابط الإنتماء الوطني عبر
أحترام إرادة الشعب وخياراته
وحرية مشاركته في صنع حاضره
ومستقبله.
ولعل الرصد البسيط
للنظام الفردي الذي أخرج
ومثل المسرحية المأساة التي
بدأت عسكرية وتحولت سياسية
واختزلت فردية وتستمر أزمة
وطنية وصلت إلى فصلها الحالي
أشبه بكارثة وطنية وإنسانية
وقانونية وأخلاقية ومعاشية
تحاصر الشعب
وتظهرالفشل و الخلل والمأزق
الذي يمر بهما النظام بنيويا ً
وسياسيا ً وفكريا ً
انعكس سلبيا
ً بل تحطيما ً لإرادة الشعب
وأدخله في أنفاق
مخلفات الإقصاء والتهميش
وإلغاء حقوق المواطنة والنفي
والحلم بلقمة العيش الكريم ,
واستمرار الموت البطيء تحت
قوانين حالة الطوارئ والأحكام
العرفية ومفرزاتها على الحياة
الوطنية والسياسية في سورية .
لقد مضى سبع سنوات
عجاف على وراثة بشار أسد
للحكم في سورية تخللها كلام
ولغط كثير عن الإصلاح والتطوير
والإنفتاح السياسي وفتح صفحة
جديدة في حياة الشعب السوري
المثقل بجراحات المرحلة
الماضية , لكن مع مرور الوقت
تبين أنها كانت وعود تخديرية
تطلبتها حاجة الرئيس الجديد إلى
تصليح وترتيب وضعه وإعادة تأهيل
أجهزته القمعية وتوليفها على
قياس الرئيس الجديد , وعليه
أثبتت مجريات الأمور أن الكلام
عن الإصلاح في ظل النظام الراهن
هو ضربا ً من الوهم والسراب الذي
يصب في خدمة بقاء النظام الأمني
واستمرار تسلطه على الشعب
السوري مما يعني مزيدا ً من
القمع والتهميش والسيطرة
الفئوية على كل مفاصل
الحياة العامة لحساب فئة فاسدة
ومفسدة لاتنتج سوى القمع والفقر
والمساومة وزيادة الإحتقان
الوطني ودفع البلاد نحو المجهول
وأيضا ً زيادة ضعف سورية
وعزلتها وتخلفها في ظروف داخلية
وإقليمية ودولية بالغة الخطورة
والتعقيد , أثبت فيها النظام
عجزه المطلق عن القيام بأية
إصلاحات أو عن النية في تبنيها
سوى لفظيا ً لمحاولة تمرير
الوقت والتهرب منها على أرضية
نشر الخوف والتطرف وحصر الشعب
بهما على خلفية الأعاصير التي
تهزالمنطقة , وعليه إن النظام
غير صادق بتبني تجديد القوانين
التي تحكم البلاد بالحديد
والنار ومنها قانون الإنتخابات
الذي لامعنى له في واقع سورية
الراهن ,لأن العملية الإنتخابية
لها أسس ومعايير وآلية تنفيذ
لازالت من المحرمات على الشعب
السوري .
وليس خافيا ً على
أحد طبيعة الظروف التي تمر بها
سورية وخاصة على المستوى
الداخلي الذي تلعب به دوامة
الإنهيار والفساد والفردية
والتي تترافق مع تكرار مسرحية
" الإنتخابات " التشريعية و"الإستفتاء
" على منصب رئيس الجمهورية
التي انقضت أول سبع سنوات عجاف
مليئة بالفشل والإخفاق
والإحتقان الوطني والفقر
والعجز وزيادة دفع البلاد إلى
المجهول , تراها استمرار
الإستهتار بإرادة الشعب ومصلحة
البلاد العليا , تلك المسرحية
التي تجري كل فصولها
في حاضنة الدستور المفصل
على حكم الفرد وفي ظل المرسوم
رقم (
26
) بتاريخ
14
نيسان
1973
والصادر عن رئيس الجمهورية
وليس عن السلطة التشريعية والذي
يعبر عن آلية سلطوية قمعية تقوم
على التعيين حقيقة ً وواقعا ً
وهي إستمرار العبث بالرأي العام
وعدم الإكتراث بمصالح الشعب , إذ
يدرك القاصي والداني أنها عملية
واهية لامعنى لها في ظل دستور
عام
1973
الفردي التفصيل والقياس
والفعل السياسي , هذا
الدستورالذي خلف كل هذا
الإنهيار والفساد والتخلف , هذا
الدستور الذي يصادر حرية الشعب
في الإختيار والإنتخاب
والترشيح ويستمر في تزييف
وتغييب العملية الإنتخابية
المفقودة في سورية منذ عشرات
السنين .
إن ما يجري تحت مسمى
الإنتخابات هو التزوير لإرادة
الشعب بعينه وهو أبعد مايكون عن
الممارسة الإنتخابية حتى
بحدودها الدنيا والذي يجري بنفس
الميكانيكية الفردية الأسدية
منذ عشرات السنين وفي ظل حالة
الطوارئ والأحكام العرفية
والقانون رقم (
8
) الذي يحتكر الحزب الواحد ساحة
العمل السياسي والقانون رقم (
49
) الذي يحكم بالإعدام على
الرأي وفي انعدام قانون جديد
لحرية الأحزاب والإنتخابات , هو
لامعنى له سوى تجديد ولاية
الفساد للنظام الإستبدادي
ورموزه الفاسدة وتبديل مواقع
الطغاة والفاسدين وتوسيع دائرة
الفساد القديمة والجديد الوحيد
فيها هو
محاولة النظام إخراجها عبر
المزيد من التلاعب بمشاعر الشعب
عن طريق تزيينها
باستيراد صناديق زجاجية
شفافة وحبر سري تضاف إلى بدعة
الصناديق الجوالة وهي مظاهر
شكلية لاتقدم ولاتؤخر في شرعية
العملية الإنتخابية ونزاهتها
سوى فتح باب جديد للفساد
ومحاولة بائسة ومكشوفة لإظهار
" شفافية العملية الإنتخابية
" في نظام يعرفه القاصي
والداني بأنه فردي استبدادي
ظالم وظلامي يلغي الأخر ويقصيه
وإن تطلب الأمر يقتله وتاريخه
في سورية وخارجها
معروف للجميع .
إن شرعية النظام
السياسي يعتمد على توفر دعامات
أساسية أربعة لابد منها وهي
أولا ً شرعية الوصول إلى الحكم ,
وثانيا ً توفر آلية قانونية
لممارسة عمل النظام عبر فصل
السلطات التشريعية والتنفيذية
والقضائية وثالثاً وجود
الدستور الذي يحدد الحاضنة
القانونية للعملية السياسية
ورابعا ً إشراك المعارضة في
العملية السياسية واعتماد حرية
العمل السياسي والصحافة
والإعلام والرأي الأمر الذي
يوفر أجهزة المراقبة والمتابعة
لأداء النظام
السياسي ,
وليس خافيا ً على الشعب السوري
أنها كلها ممنوعة مضافا ً إليها
عمل أجهزة أمنية قمعية لم
تعرفها أسوأ أنظمة الحكم
الديكتاتورية لاقديما ً
ولاحديثا ً ولافي في اليسار
ولافي اليمين ولافي الوراثة
ولافي الرئاسة إلا في سورية .
إن حصيلة نتائج
الدورات السابقة من مسرحية
الإنتخابات والتي أخذ فيها
النظام مساحة كبيرة جدا ً من
الوقت كافية إذا كان النظام
شبه وطنيا ً وربع
حريصا ً وأقل منه مسؤولية
على الشعب ,
أن يصل به إلى أبعد من
المريخ تطورا ً وديموقراطية
واحتراما ً لرأي الشعب وكرامته ,
لكن واقع الشعب السوري يقول وهو
أصدق من النظام وأبواقه
ومنافقيه وفاسدية أنه أرجع
الشعب السوري قرونا ً من التخلف
إلى الوراء وأوصله إلى حالة
الإحتقان الإجتماعي
والسياسي
والثقافي ,
باختصار إلى حالة الضياع
وساهم بتعميق التطرف والهامشية
بل أكثر من ذلك إلى تشويه
الإرادة العامة للمجتمع عبر
استمرار منهجية سياسية فائقة
الرعب والأحادية على الفكر
والنشاط السياسي والثقافي
والحراك الإجتماعي وتشويه حتى
سلوك الفرد ودفعه إلى التأقلم
مع الإستبداد والفساد وطقوسه
والخوف من الحرية
والديموقراطية وسيادة القانون
وقيم العدالة والمساواة ,
باختصار إلى الحضيض الوطني
والسياسي والحقوقي والإجتماعي
والإقتصادي وإلى تزييف الخيار
الديموقراطي والتخويف من
الإنفتاح والحرية والتأسيس
لدولة المواطنة التي ألغى كل
روابطها واستبدلها بروابط
التطرف والمحسوبية والفئوية
والفساد يتمثل هذا باستمرار
إصراره على احتكار الحكم
والساحة السياسية والفعل العام
الذي ألغاه كروابط إجتماعية
مدنية وغيب الشعب وأحضر
التشويه
باستمرار عملية تزييف
منهجية للإنتخابات التي تجري
بنفس الآلية غير القانونية وغير
الشرعية والمضرة وطنيا ً في هذه
المرحلة المنهارة داخليا ً
وعربيا ً.
على هذه الخلفية
غير الشرعية وغير الدستورية
والتي تنعدم فيها أدنى شروط
العملية الإنتخابية والحرية
والشفافية والمراقبة وغياب أي
مشروع سياسي سوى
استمرارالتمثيل والإستهتار
بمصير الشعب ...يتوجب على الشعب
السوري أن يقاطع الإنتخابات
القادمة, لكن هذه المرة واعيا ً
وليس خائفا ً من النظام الأمني
الذي أفقده كل شيء ولم يبق سوى
وجوده أسير ويريده النظام كما ً
مهملا ً , بل المقاطعة التي تشكل
البداية الفعلية لإعادة وعي
تحسس الحقوق المدنية والسياسية
والإنتماء والمطالبة بها ...المقاطعة
وليس الهرب منها , لكن بشكل فاعل
وجديد على أرضية تفعيل وعي
المطالبة بالحقوق التي تنص
عليها كل الديانات السماوية وكل
دساتير الأرض ...المقاطعة التي
تؤسس لتنمية
الفعل المعارض ورفض التهميش
والإقصاء والعبودية ...المقاطعة
على أرضية تفعيل الممارسة
الديموقراطية وعودة الشعب إلى
الشأن العام وأداء دوره السياسي
في تصحيح عام لما شوهه النظام
الفردي ومحاولة إرجاع سورية إلى
توازنها ,إلى الحياة الطبيعية ...المقاطعة
والرفض على طريق البدء العملي
باتجاه التغيير الوطني
الديموقراطي في سورية ...طريق
المقاطعة وتطويرها نحو العصيان
المدني السلمي والضغط المتزايد
للمطالبة بإعادة الحق والكرامة
للشعب , حيث هو الطريق الوحيد
لتصحيح كل هذا التشويه والخلل
الذي طال كل شيء في حياة الشعب
السوري .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|