ــ
سياسة
التنكيل
علي العبد الله*
في إحدى إبداعات السلطة
السورية،وهي كثيرة،تحريك دعوى
جديدة على الأستاذين ميشيل كيلو
ومحمود عيسى بتهمة التبشير بين
السجناء بفكرة إعلان بيروت –
دمشق / دمشق - بيروت وإحالتهما
إلى القضاء العسكري ومحاكمتهما
بموجب الفقرة ب من المادة 150 من
القانون الجنائي العسكري والتي
تنص على : يعاقب بالسجن المؤقت
لمدة لا تزيد عن خمس سنوات كل من
ينشر مقالاً سياسياً او خطبة
سياسية بقصد الدعاية او الترويج
لحزب او جمعية او هيئة سياسية
محظورة.
والطرافة القاتلة في الموضوع هي
أن وقائع الدعوى ملفقة من الألف
إلى الياء.
والقصة كما سمعتها من الأستاذين
ميشيل ومحمود ، وقد كنت حينها
معتقلا في الجناح الثامن الذي
يعلو الجناح السابع حيث كان
الأستاذان ميشيل ومحمود
معتقلين وقد كان اللقاء على
نوافذ الباحات والتحدث متاحا
خلال فترات النهار،إنهما قد
ضبطا (أواخر شهر تموز2006 ) وهما
يتكلمان مع أسرتيهما بواسطة
هاتف خليوي يملكه سجين جنائي
،وكانت إدارة السجن قد بدأت
للتو حملة ملاحقة مالكي
ومستخدمي الهواتف الخليوية،بعد
أن كانت قد سمحت بتهريب الهواتف
الخليوية إلى السجن واستخدامها
وتأجيرها لفترة
طويلة،ومعاقبتهم بمصادرة
الهاتف وزج صاحبه في زنزانة
منفردة لمدة عشرة أيام وحرمانه
من سريره الخاص به ليعود وينام
على الأرض أو الميدان كما تواضع
السجناء على تسمية المسافة
الفاصلة بين صفي الأسرة في غرف
السجن.
وقد اقتيد السجين صاحب الهاتف
الخليوي إلى قسم التحقيق في
السجن وبعد عدة ساعات عاد إلى
غرفته وسريره ولم تنفذ بحقه
العقوبات التي نفذت بحق سجناء
آخرين ضبطت عندهم هواتف خليوية :
الحجز في زنزانة منفردة لمدة
عشرة أيام والحرمان من النوم
على السرير....الخ.
وفي اليوم التالي استدعي
الأستاذان ميشيل ومحمود إلى قسم
التحقيق في السجن للتحقيق معهما
في ضوء إفادة السجين صاحب
الهاتف الخليوي ضدهما في
التحقيق الذي أجري معه ومفاده
أن الأستاذين ميشيل كيلو ومحمود
عيسى وهما معتقلان في سجن عدرا
المركزي على خلفية التوقيع على
إعلان بيروت - دمشق / دمشق -
بيروت،قد قاما بدعوته
للانضمام إلى إعلان بيروت –
دمشق مع تفاصيل طريفة مثل
تكليفه عند خروجه من السجن -
علما انه ما زال أمامه للخروج من
السجن سنوات - بالسفر إلى لبنان
لمقابلة السيد وليد جنبلاط وجلب
مبالغ مالية منه للموقعين على
الإعلان.
تثير
مجريات الواقعة أسئلة كثيرة حول
حقيقة ما جرى للسجين في قسم
التحقيق حتى لفق رواية ضعيفة
ومكشوفة فهل تمت مساومته ،وهو
سجين جنائي محكوم لسنوات ويحتاج
لرضا إدارة السجن كي يحتفظ
بجهاز الهاتف ويؤجره بما يمكنه
من توفير حاجاته المادية من
عائدات تأجير الهاتف الخليوي (
الدقيقة بـ 15 ل.س) كما حاجته
للاحتفاظ بالسرير لان النوم في
الميدان فيه الكثير من الإذلال
والمهانة خاصة لمن مر بالتجربة
فإنه لا يتمنى تكرارها ،بأن
يوقع على اعتراف أعد له في قسم
التحقيق في السجن مقابل لفلفت
قضية امتلاكه جهاز هاتف خليوي
وتأجيره.
وبعد التحقيق مع الأستاذين ميشيل
ومحمود،وعلى فترات،لعدة أيام
أبلغا أن نص التحقيق مع السجين
صاحب الهاتف ومعهما سيرسل إلى
جهات عليا وهي تحدد الإجراء
الذي سيتخذ بحقهم.
وها هي الجهات العليا لم تكذب
خبرا،كما يقولون،قد حولّتهما
إلى القضاء العسكري يوم 6/3/2007
،بعد مضي أكثر من سبعة أشهر على
الواقعة،ليحاكما عن فعلتهما
الشائنة : دعوة سجين
جنائي،محكوم بجرم شائن اغتصاب
محرم وقاصر،وطني ومخلص إلى
التخلي عن" إيمانه" بوطنه
وقضية شعبه والانضمام إلى جماعة
إعلان بيروت – دمشق
"الخائنة" ؟؟؟!!!.
أما إشراقة السلطة الثانية فهي
محاكمة الأستاذين ميشيل كيلو
ومحمود عيسى،وهما مدنيان وليس
في الدعوى جهة عسكرية لا مدعي
شخصي عسكري ولا مؤسسة
عسكرية،بموجب القانون العسكري.
يبدو أن الهدف من تلفيق التهمة
وتحريك الدعوى والمحاكمة وفق
القانون العسكري هو التنكيل
بالمثقفين والنشطاء المدنيين
والحقوقيين والمعارضين
السياسيين لردعهم عن القيام بأي
نشاط معارض أو أي نقد لسياسات
السلطة.
*كاتب
وناشط في لجان إحياء المجتمع
المدني
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|