ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 10/04/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

التربية السياسية في السيرة النبوية - 1

الدكتور خالد الاحمد*

تعريف التربية السياسية :

التربية السياسية هي إعداد الفرد المسلم ليكون مواطناً صالحاً في المجتمع المسلم ، يعرف واجباته فيؤديها من تلقاء نفسه ، طمعاً في ثواب الله عز وجل ، قبل المطالبة بحقوقه ، كما يعرف حقوقه فيسعى إلى اكتسابها بالطرق المشروعة ([1]).

والتربية السياسية جزء أساس من التربية الإسلامية ، لأن التربية الإسلامية تربية شاملة للفرد والمجتمع ، وهذه التربية السياسية واجب اليوم ؛ من أجل إعداد اللبنات المسلمة الصالحة لتكوين المجتمع المسلم ، وهي ركن أساس من أركان التربية الإسلامية لأن التربية الإسلامية تشمل التربية الروحية ، والتربية العقلية ، والتربية الجسدية ، والتربية الوجدانية ، والتربية الاجتماعية ( ومنها التربية السياسية ) ، والتربية العسكرية ، والتربية الاقتصادية ...إلخ ، فالإسلام دين للفرد وللمجتمع ، ولايقوم مجتمع مسلم بدون سياسة مسلمة ، فالتربية السياسية ( تعد المواطنين لممارسة الشئون العامة في ميدان الحياة ، عن طريق الوعي والمشاركة ، وعن طريق إعدادهم لتحمل المسؤولية ، وتمكينهم من القيام بواجباتهم، والتمسك بحقوقهم ، وتبدأ التربية السياسـية في مرحلة مبكرة من العمر ، وتستمر خلال سـنوات العمر كله)([2]) .

ولا بد أن تسهم جميع المؤسسات التربوية في المجتمع كالبيت والمدرسة والأندية ووسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزة ، والجامعات والمكتبات العامة ؛ في إعداد المواطنين المسلمين إعداداً سياسياً ، كي يقوم المجتمع المسلم .

ومما ابتلي به المسلمون  خوفهم من السياسة ، وابتعاد العلماء والدعاة المسلمين عنها ، بعد أن شـوّه مكيافللي مفهومها ، وبعد أن سبق إليها العلمانيون  والملحدون  وأعداء المسلمين ،  وصاروا ينظرون إلى البلدان التي خربها تصارع الأحزاب السياسية فيها ؛ كما حصل في لبنان خلال العقدين السابع والثامن  من القرن العشرين ، ويظنون أن كل بلد سوف يشجع  العمل السياسي سوف يحصل لـه ما حصل في لبنان ، وهذا مجانب للصواب ، لقد حصل في لبنان ماحصل ؛ لأن الشعب يجهل السياسة ، ولم يرب َ ذلك الشعب  ولاغيره  التربية السياسية التي تعد المواطن المسلم كي يقدم واجباته نحو المجتمع طاعة لله عزوجل وطمعاً في ثوابه ، كما أنه  يطالب بحقوقه بالطرق المشروعة .

إن تصارع الأحزاب بالبندقية دليل مؤكد على جهل أهل ذلك البلد بالعمل السياسي، فالعمل السياسي ليس عملاً عسكرياً ، بل يبدأ العمل العسكري عندما يفشل العمل السياسي ، وعندما نجد صراعاً مسلحاً في بلد ما ، هذا  دليل واضح ومؤكد على تخلف أهل هذا البلد في العمل السياسي، وحاجتهم الماسـة إلى التربية السياسية([3]).

ومما لاريب فيه أن بلدان أوربا الغربية ، وأميركا الشمالية متقدمة في العمل السياسي ، لذلك لم نسمع عن صراع مسلح ذي بال في أوربا الغربية أو أميركا الشمالية ، فالانتخابات والتعددية السياسية وتداول السلطة وحرية الرأي والعقيدة ، من البدهيات الراسخة فيها .

وسوف نتتبع التربية السياسية في السيرة النبويـة ، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي التطبيق العملي لكتاب الله عزوجل ، ومن السيرة نستبط الفهم الإسلامي الجماعي الصحيح لديننا ، ونحن نتهيأ لإقامــة المجتمع المســلم الذي طال انتظارنا لـه . ومن معاني التربية السياسية في السيرة النبوية الهجرة ... 

تعريف الهجـرة  :

 جاء في لسان العرب لابن منظور ، وتاج العروس للزبيدي مادة (هجر) الهجرضد الوصل  هجره يهجره هجراً ، وهجراناً صرمه ، وهما يهتجران ، و يتهاجران  والاسم الهجرة  وفي الحديث  ( لا هجرة بعد ثلاث ).

 وأما تعريفها في الشرع ، أو الاصطلاح :

 فباختصار شديد : هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام . كما قال ابن العربي رحمه الله في أحكام القرآن  وقال ابن قدامة في المغني : هي الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام . وقال الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله - في الدرر السنية - هي : الانتقال من مواضع الشرك والمعاصي إلى بلد الإسلام والطاعة .

ولما اشـتد أذى المشركين على من أسلم وفتن منهم من فتن حتى يقولوا لأحدهم اللات والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول نعم وحتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون وهذا إلهك من دون الله فيقول نعم ومر عدو الله أبو جهل بسمية أم عمار بن ياسر وهي تعذب وزوجها وابنها فطعنها بحربة في فرجها حتى قتلها .

 

ويتضح من سـيرة المصطفـى صلى الله عليه وسلم أنه يجب على المسـلم أن يهاجر من بلـده إذا لم يتمكن من طـاعـة ربـه عزوجل ، والهجـرة هي الانتقال من بلد الشـرك إلى بلـد الإسلام ، والهجرة باقية حتى قيام الساعة ، وقد هاجر إبراهيم عليه السلام من بلاد النمرود ( بلاد الرافدين ) إلى فلسطين ثم مصر ثم الحجاز وفيها ترك طفله الوحيد الذي رزقـه في شيخوخته ، تركه وأمه (هاجر ) في واد غير ذي زرع ، وكان ذلك بداية نشوء مكة المكرمة ، وبناء البيت الحرام من قبل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فيما بعد ، ثم عادإبراهيم عليه السلام إلى فلسطين ، كما هاجر لوط عليه السلام من القرية التي كانت تعمل السـوء ، كما هاجر يونـس عليه السلام ، كما هاجر موسـى عليه السلام ، فقد خرج من مصر عندما خشي على روحـه من فرعون ، وعاش عشـر سنوات أو أكثر في مديـن ، ثم رجع إلى مصر حيث  أمره الله بذلك ليدعو فرعون إلى عبادة الله ، ثم هاجر ببني إسرائيل من مصر إلى فلسطين ، وهاجر غيرهم من الرسل وأتباعهم عندما ضيق عليهم من قبل أعدائهم ، حفاظاً على أرواحهم ، ومن أجل الدعوة إلى الله عزوجل .  وهكذا يتضح أن الهجرة من سنن الأنبياء والصالحين ، وكل من لايتمكن من عبادة ربـه ، والدعوة إلى دين الله عزوجل ، عليه أن يهاجر إلى البلد الذي يمكنه من ذلك ...

 وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشـة مرتين ، ثم أمرهم بالهجرة إلى المدينة المنورة كما سنرى :

يقول المباركفوري في الرحيق المختوم : كانت بداية الاضطهادت في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من البعثة ، بدأت ضعيفة ، ثم اشتدت وتفاقمت في أواسط السنة الخامسة ، حتى نبـا بهم المقام في مكـة ، وفي أثناء ذلك نزلت سورة الكهف وفيها إشارة إلى الهجرة ، ] وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله ، فأووا إلى الكهف ينشـر لكم ربكم من رحمتـه ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً [ ـ الكهف 16ـ  .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أن أصحمـة النجاشي ملك عادل ، لايظلم عنده أحـد، فأمـر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة ، فراراً بدينهم من الفتـن . وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة ، مكوناً من اثني عشر رجلاً وأربع نسـوة ، وكان رحيلهم تسللاً في ظلمة الليل ، خرجوا إلى البحر . وركبوا سفينتين تجارتين أبحرتا إلى الحبشة . وفي رمضان من نفس العام رجعوا لما بلغهم خبر غير صحيح مفاده أن قريش أسلمت ، ثم عادوا مع الهجرة الثانية . وفي الهجرة الثانية هاجر ثلاثة وثمانون رجلاً وثمان عشرة امرأة .

  ( لما جاءت رسالة الإسلام وقف المشركون في وجهها وحاربوها، وكانت المواجهة في بداية أمرها محدودة، إلا أنها سرعان ما بدأت تشتد وتتفاقم يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر، حتى ضيَّقت قريش الخناق على المسلمين واضطهدتهم وأرهقتهم، فضاقت عليهم مكة بما رحبت، وصارت الحياة في ظل هذه المواجهة جحيماً لايطاق.فأخذ المسلمون يبحثون عن مكان آمن يلجؤون إليه، ويتخلصون به من عذاب المشركين واضطهادهم.

وفي ظل تلك الظروف التي يعاني منها المسلمون، نزلت سورة الكهف، تلك السورة التي أخبرت بقصة الفتية الذين فروا بدينهم من ظلم ملِكِهِم، وأووا إلى كهف يحتمون به مما يراد بهم. كان في هذه القصة تسلية للمؤمنين، وإرشاداً لهم إلى الطريق الذي ينبغي عليهم أن يسلكوه للخروج مما هم فيه. لقد عرضت قصة أصحاب الكهف نموذجاً للإيمان في النفوس المخلصة، كيف تطمئن به، وتؤثره على زينة الحياة الدنيا ومتاعها، وتلجأ إلى الكهف حين يعز عليها أن تقيم شعائر دينها وعقيدتها، وكيف أن الله تعالى يرعى هذه النفوس المؤمنة ويقيها الفتنة، ويشملها برحمته ورعايته  ]وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهـْفِ يَنْشُـرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقـاً[ (الكهف:16).

لقد وضَّحت هذه القصة للمؤمنين طريق الحق والباطل، وبيَّنت أنه لا سبيل إلى للالتقاء بينهما بحال من الأحوال، وإنما هي المفاصلة والفرار بالدين والعقيدة، وانطلاقاً من هذه الرؤية القرآنية أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين المستضعفين بالهجرة إلى الحبشة، وقد وصفت أم المؤمنين أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحدث فقالت : (لما ضاقت علينا مكة، و أوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتنوا ، ورأوا ما يصيبهم من البلاء، والفتنة في دينهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في منعة من قومه وعمه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله عليه وسلم إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم عنده أحد، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه، فخرجنا إليها أرسالاً - أي جماعات - حتى اجتمعنا بها ، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمِنَّا على ديننا ولم نخش منه ظلماً ) رواه البيهقي بسند حسن .

وهكذا هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة، وكان هذا الفوج مكوناً من اثني عشر رجلاً و أربع نسوة، كان في مقدمتهم عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رحيلهم تسللاً تحت جنح الظلام حتى لا تشعر بهم قريش، فخرجوا إلى البحر عن طريق جدة، فوجدوا سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة، ولما علمت قريش بخبرهم خرجت في إثرهم وما وصلت إلى الشاطئ إلا وكانوا قد غادروه في طريقهم إلى الحبشة، حيث وجدوا الأمن والأمان، ولقوا الحفاوة والإكرام من ملكها النجاشي الذي كان لا يظلم عنده أحد، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .

وبدأوا الخروج الجماعي أمام سطوة قريش بتوجيه نبوي ، بحيث لاتقع سلطة قريش عليهم ، ويكاد يكون جميع المسلمين مضوا إلى الحبشة ، فقد هاجر من الخمسين الأوائل أربعة وعشرون ، وهاجرت الخمسون الثانية تقريباً ، ولم يبق في مكة إلا ستة وعشرون صحابياً ، وكأنما نقل مركز الدعوة إلى الحبشة ، وبقي حول الرسول صلى الله عليه وسلم كتيبة الفدائيين الذين يحمونه([4]) .

وهكذا هيأ الله لعباده المؤمنين المستضعفين المأوى والحماية من أذى قريش وأمَّنهم على دينهم وأنفسهم ، وكان في هذه الهجرة خير للمسلمين، إذ استطاعوا -فضلاً عن حفظ دينهم وأنفسهم - أن ينشروا دعوتهم، ويكسبوا أرضاً جديدة تكون منطلقاً لتلك الدعوة، ومن كان مع الله كان الله معه نسأل الله تعالى أن ينصر دينه وعباده المؤمنين في كل مكان .

ويجدر بنا في الحركة الإسلامية التمعن في هذه المعاني ، نستقي منها التربية السياسية ، ونحن مهجرون في أصقاع الأرض ، لنعرف لماذا نحن هنا ؟ ولماذا تركنا بلدنا؟ ومتى نعود إليه ؟ وبالطبع سنعود إليه عندما يلغى المرسوم (49) ، وعندما يلغى قانون الطوارئ ، وعندما يسمح لنا بالعودة من بوابة المواطنين السوريين ، أي من غير البوابة الأمنية ، وسنعود إلى بلدنا عندما يغلب على ظننا أننا سنعبد ربنا فيه ، دون أذى واضطهاد ، ومن عبادتنا لربنا أن ندعو أنفسنا وأولادنا وأقاربنا وجيراننا وأصحابنا وزملاءنا ....ندعوهم إلى دين الله ، ونربيهم عليه  ، ندعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهذه الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ؛من أساسيات ديننا ، ومن هذه الدعوة إلى الله تربيـة أنفسنا وأولادنا وغيرهم على الإسلام في المساجد ، والمدارس ، والمكتبات ، والمخيمات ، والمهرجانات ، والمعارض ، والإذاعة ، والرائي ، وغيرها من وسائل الدعوة الحديثة ....وبكلمة موجزة ، عندما تقوم في سوريا حكومة ديموقراطية حقيقية لاتقصي أحداً من أبناء سوريا ، ولذلك نطالب بتغيير النظام الاستبدادي الحالي ، وتبديله بنظام ديموقراطي ...

نسأل الله عزوجل أن يكون ذلك قريباً ....والله على كل شيء قدير ..

*كاتب سوري في المنفى 


[1] ـ خالد شنتوت ، منهج التربية السياسية في المجتمع المسلم ، أطروحة الدكتوراة في التربية .

2-  عثمان عبد المعز ، التربية السياسية عند جماعة الاخوان المسلمين ، رسالة دكتوراة مطبوعة ، ص 13 ) .

 

[3] - خالد شنتوت ، المرجع السابق .

[4] ـ د. منير الغضبان ، التربية القيادية ، (1/ 365) .

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ