ــ
بشار
الأسد : من عنتر بن شداد .. إلى
عبلة!!
د/
عزام عبد الحميد*
لعل من تابع
فعاليات ولقاءات مؤتمر القمة
العربي في دورته التا سعة عشرة
في الرياض ، قـــد لاحظ بشكل جلي
واضح الوداعة والتهذيب الشديد ،
والخفر والحياء الذي ظهر به
الرئيس بشار الأسد؛ سواء في
تصريحاته الصحفية المقتضبة
الخجولة ، من شخص عامر بالحياء !!
أو في مجاملا ته الباهتة
والمبالغة بالإعجاب المتكلف
بالإنجازات العظيمة للقمة ،
التي يجمع المراقبون على أنها
لاتختلف في شيء عن سابقاتها، أو
في ابتساماته ( البريئة )
البلهاء... لدى استقبال العاهل
السعودي له ، وقد كان يظن أن لا
لقاء، وجلوسه بجانبه لارتشاف
القهوة العربية المرة ، التي
تنبه المرء ، وتوقظ أحاسيسه
ومشاعره ، وتشعره برجولته الحقة
إن كانت لديه رجولة كاملة
... أو لدى تقطيب حاجبيه
وعبوسه، تعبيرا
عن الحزم والشدة والبأس تجاه
لبنان ، لدى إلقاء الرئيس
اللبناني (لحود) كلمة النظام
السوري في المؤتمر...لعل
المتابعين لاحظوا ذلك، ولاحظوا
غير ذلك، كل حسب خبرته وتجربته
ومعارفه، ولعلهم تذكروا صورة
الفارس العربي الشهم
الهمام...المفتقدة منذ زمن في
مجتمعنا العربي ، والتي تجسدها
صورة شخصيات تاريخية شعبية من
أمثال الفارس العربي عنترة بن
شداد ، للرئيس بشار الأسد في قمة
عمان بخاصة وقمة بيروت و سائر
القمم الأخرى ، التي جعلت
الرؤساء من أهل النهى والأحلام
يطرقون ، و يتبرمون ، ويحتارون
في أمرهم ،ويرددون في سرهم :
لاحول ولا قوة إلا بالله ،اللهم
صبرنا وأعنا على ضبط أعصابنا
،وتجاوز هذه المحنة !!
يتذكر المرء حديث
الرئيس العنتري أو المتعنتر ،
إذا جاز التعبير ،عن حق
المقاومة ، وعن تشريع العمليات
الاستشهادية ضد الإسرائيليين
والأمريكيين ، وفلسفة ذلك بحشد
كل الصور العقـلية والمنطقية ،
وعن الوقوف ضد أمريكا ، والتصدي
للشيطان الأكبر والأصغر وسائر
الأبالسة والشياطين ، وعن
الاعتداد بالعروبة ، وادعاء
الرجولة ، وتسخيف مواقف أولئك
الذين يستجدون السلام
ويعدونه خيارا استراتيجيا
، ويلهثون وراء المؤسسات
الدولية وينتظرون منها أن تحل
لهم المشكلات المستعصية ، بدل
أن يعتمدوا على الحليف الإيراني
صاحب النوايا البريئة الطاهرة!!
وعلى سواعدهم المفتولة ، و
يأخذوا حقهم بأيديهم ، وظن بعض
السذج والبسطاء أن المعركة
الفاصلة الكبرى باتت على
الأبواب ، وأن صلاح الدين قد بعث
من جديد ، وما هي إلا أيام حتى
تعود للأمة كرامتها المسلوبة
وحقها المضاع ...ولم يعد للناس
حديث إلا خطاب (بشار) ورجولة
بشار، ومواقف بشار، وأن هذه
الأمة ليس فيها إلا بشار...وراح
الذين انتقدوا توريث الأب الحكم
لابنه وقرة عـينه، يشكون في
فهمهم وعقولهم، ويتمنون على كل
رئيس أن يورث ابنا له ؛ مادام
التوريث يأتي بمثل هذا الشبل من
ذاك الأسد !!ولا أنــكـر أننا،
نحن المشردين
في الغربة ، شعرنا ببعض
النشوة والحـبور لأننا سوريون؛
فكنا نرفع رأسنا ، ونبرز صدرنا
إلى الأمام ،عندما نعرّف
بأنفسنا بأننا سوريون من بلد
القائد العربي الهمام بشار
الأسد ، لما كنا نسمع من إطراء
ومديح لرئيس بلدنا ، وهو ما
ينسحب علينا بلا شك ، وصرنا نخفي
أننا معارضون لهذا النظام ، وإن
كان ولا بد ، فإننا نحصر
معارضتنا بالعهد السابق ؛ لأن
الابن يختلف عن أبيه ، فهو قد
درس في الغرب وشرب حليب
الديمقراطية واحترام حقوق
المواطن الإنسان من أبقاره
السمان ، وهو ليس عسكريا فظا
غليظا ، ولم ينشأ ويترعرع في
الثكنات العسكرية ،ولم ينهل من
خشونتها وقسوتها، وإن حمل رتبة
عسكرية ، فذلك تقليد العائلة
وضرورة الإمساك بكافة السلطات ،
وإنما هو حـنون رقيق القلب
والمشاعر كسائر أهل المهنة
الإنسانية الرحيمة !! وأحيانا
كان الواحد منا لايحتمل هذا
الزيف ، فينفجر صارخا : كيف أصدق
شخصا لايرف له جفن لعشرات آلاف
المشردين من أهل بلده منذ ربع
قرن من الزمن، وعشرات الآلاف من
المغيبين ، وآلاف من المعتقلين
؟! كيف أصدق شخصا يتجاهل قانونا
يحكم على مجرد الانتماء إلى
جماعة لها وجود في سائر بلاد
الدنيا بالإعدام ؟ كيف أصدق
شخصا يعلم تماما أنه جيء به إلى
الحكم زورا وبهتانا ، وهو لما
يزل غلاما ، لايحسن حتى
الابتسامة أمام الكاميرا فضلا
عن الغضب والانفعال ، لكي يضمن
أصحاب المصالح والمكاسب
والمنافع مصالحهم تحت قيادته
الراشدة الملهمة كسائر الطغاة
العتاة المتكبرون المتجبرون
على شعوبهم المغلوبة على أمرها،
وليمعنوا أكثر وأكثر في مص دماء
الشعب ، وتحويل هذا الدم والعرق
إلى شركات ضخمة وأرصدة في
البنوك الغربية الأمينة ؟! كيف ،
وكيف ، وكيف ؟؟!
وتدور الأيام
دورتها ، وينطق الدهر و الزمان
بمنطقهما ، ولهما منطق لايخطىء
ولا يحيد ، فإذا بـ (عنترة زمانه)
تحوم حوله تهمة ارتكاب جريمة ،
بل جرائم ، من أشنع جرائم العصر،
بحق مواطنين في بلدهم الذي
تحتله مخابرات الزعيم الملهم
والبطل الأسطوري من أجل حفظ
أمنه ، والمحافظة على أرواح
أبنائه ، وإذا بالمجتمع الدولي
يضع يده على الجريمة ويتعهد
بالتحقيق بها وكشف مرتكبيها ،
وهو ما لم يكن يخطر على با ل ؛
فكم من رؤساء قتلوا ، وكم من
رؤساء وزعماء انفجرت بهم
الطائرات أو السيارات ، وغرقت
بهم المراكب
وسجلت هذه الحوادث ضد مجهول
؟! أو عهد بها للقضاء والقدر ،
على اعتبار أن هؤلاء كسائر
البشر، ويسري عليهم مايسري على
غيرهم من أقـدار ومقدرات ، سيما
إذا كان الأمر بيد من كادوا لهم
وتآمروا عليهم ...
وبين ليلة وضحاها
يتحول عنترة ابن شداد العبسي
إلى ...عـبلة العبسية !! بكل ما
لعبلة من رقة وبراءة وأحلام
رومانسية وكره للقتال والحروب ،
ورغبة في الحياة الآمنة الوادعة
، وحاشا لعبلة العربية الأصيلة
مهما بلغت رقتها
ومهما بلغ كرهها للحروب
والقتا ل وحرصها على هيبة
العشيرة ومكانتها .. أن ترضى بما
يرضي به عناترة هذا الزمان من
استقبال عملاء الاحتلال الذين
يخربون أوطانهم ، حصن الأمة ،
بأيديهم وأيدي أعدائهم ،
والاعتراف بشرعيتهم حرصا على
رضا الغزاة وتجنبا لشرورهم
وثورة غضبهم التي لها مابعدها ،
واعتراف للغزاة المحتلين بالحق
في الاحتلال ، والنوم براحة
ودعة في بيوت أصحاب الحق
المشردين وعلى فرشهم ،
تجنبا للنقمة ، والقناعة
بانتهاء صلاحية هذا النظام
...وإثارة الفتنة في لبنان
وفلسطين ، بين أبناء الوطن
الواحد ، والقضية الواحدة ،
مالم يقبض الثمن ، تبرئة للنظام
من الجرائم المنسوبة إليه ،
وإلغاء لمقصلة المحكمة الدولية
المصلتة على رقبته...
وتـلـتفـت الجماهير
المخدوعة تبحث عن بطلها وحلمها
الموعود فلا تجد له أثرا، لقد
ذهب يبحث عن مكانه في صفوف
المتواطئين والعملاء والدخلاء،
لكي يضمن البقاء
والاستمرار...فلا مكان له بين
الرجال الوطنيين الأحرار؛ ذابت
الكرة الضخمة من الثلج الأبيض
الناصع عند أول إشراقة شمس ،
وتبدد الزبد الطافي المتعالي
المتباهي عند ملامسة الشاطئ ،
شاطئ الحقيقة الموعود مادام
هناك بحر وبر، وشمس الحقيقة
الموعودة ، مادام هناك ليل
ونهار، وأيقنت تلك الجماهير
أنها كانت أمام فصل من فصول
الخداع والتضليل ، الذي يمارسه
أولئك المخادعون؛ المستخفون
بعقول الجماهير، المتلاعبون
بعواطفهم ، المستغلون براءتهم ،
ذاب الثلج وبان المرج ، وظهرت
الحقيقة ؛ حقيقة دعاوى الوطنية
والعروبة والمبادئ السامية ،
وظهر الأدعياء على حقيقتهم ؛
عتاة طغاة على الشعوب المغلوبة
على أمرها ، مجرمون سفاحون ؛
انتهكوا حرمة الوطن والمواطن ،
لصوص سارقون سرقوا السلطة
واللقمة من صاحبهما الحقيقي
الشعب ،جبناء خوار ون ،وعملاء
مأ جورون أمام الغزاة الغاصبين
المحتلين ، وهل هناك وقاحة
وصفاقة أكثر من أن يكون التواطؤ
مع أعداء الأمة ، وقهر الشعب
وتزوير إرادته ، وسلب حريته ،
والسطو على أرزاقه ومقدراته ،
وقتله وسجنه وتشريده... هو
السلاح الذي يذود به أرباب
النظام عن نظامهم ، فيعلنون
جهارا نهارا بأنهم مطمئنون
لاستمرار نظامهم لأن أمريكا
وربيبتها (إسرائيل) لاتريدان
تغيير هذا النظام القاهر لشعبه
الحر الأبي ، الأمين على
مصالحهما ، ولاتقبلان بإقامة
حكم وطني ديمقراطي مكانه ، لأن
في ذلك خطرا على مصالحهما
المصانة التي أثبت النظام الآبق
السارق أنه
الأمين عليها، وأن الخلاف في
الرأي ووجهات النظر مع العدو
لايفسد للود قضية !!فهل هناك
أجلى وأوضح ، وأكثر إفصاحا عن
حقيقة هذا النظام الهالك
المتآمرعلى الشعب والوطن ، وهذا
العنترابن شداد ،
من هذه الحقيقة؟!!
*
كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|