ــ
ومضات
محرّضة (20) :
النصر
بالرعب ، وأسباب النصر الأخرى..
بين
الحكّام والشعوب !
عبدالله
القحطاني
لا بدّ ، بدايةً ، مِن تنحية
مضمون الحديث النبوي ( نُصرتُ
بالرعب ..) عن السياق الذي نحن
فيه ! لأن سياقه مختلف ، فالنبيّ
نُصرَ على أعدائه بالرعب ، لا
على أبناء وطنه وشعبه، وأتباعه
من المؤمنين . وسياقُ حديثنا ،
هنا ، هو عن الصراع بين الشعوب
وحكّامها !
أمّا
أسباب النصر، التي تؤدّي إلى
تحقيقه ، فيمكن ذِكر أهمّها ،
ممّا هو معروف بين الناس ، ومنها
:
النصر بالذكاء .. النصر بالقوّة ..
النصر بالصبر.. النصر بالرعب ..
ونقف
عند كل من الثلاثة الأولى منها
وقفة قصيرة ، ثم نتحدّث ببعض
التفصيل ، عن النصر بالرعب ،
الذي تحقّقه أنظمة الحكم ، ضدّ
شعوبها ، في عالمنا العربي خاصة
. (مع التذكير بأن أسباب النصر ،
كثيراً ما تختلط وتتداخل ،
وتسبّب ، باجتماعها ، نصراً مِن
نوع ما..! إلاّ أن السبب الأبرز ،
في تحقيق النصر ، ينظَر إليه على
أنه هو السبب الأكثر فاعلية ، في
تحقيق هذا النصر.. ويأخذ عنوانه
!) .
1) النصر
بالذكاء : لا نحسب هذا النوع من
النصر، يحتاج إلى كثير من
الذكاء ، ليدركه العقلاء ! إذ
قلّما انتصر غبيّ على ذكيّ ، في
حرب ، من أيّ نوع ! والحالات
الشاذّة إن حصلت لا تصلح
مقياساً . فإذا دخلت عناصر أخرى
، من عناصر النصر، لمصلحة
الغبيّ ، وحقّقت له نصراً ، فهذا
لا يخلّ بالقاعدة ، لأن النصر
يكون عندئذ، بتلك العناصر، لا
بالغباء !
2) النصر
بالقوّة : وهذا معروف أيضاً .
فتفاوت القوى لمصلحة أحد
المتحاربين ، يؤدّي في الحالات
الطبيعية إلى انتصار الأقوى .
وأنواع القوّة كثيرة متنوّعة ،
منها المادي، ومنها المعنوي .
وهي تشكل معادلة تغطّي فيها
الزيادة في عنصر ما ، النقصَ في
عنصر آخر ، بعملية تكاملية
منسقة..!
3) النصر
بالصبر: وهو أحد أهمّ عناصر
القوّة ! والأصل أن يُحسب معها ،
إلاّ أننا أفردنا له بنداً
خاصاً ، لما له من أهمية مميّزة
، بشكل عامّ ، وفي الحروب بشكل
خاصّ . فالصبر في معارك المسلمين
ضدّ أعدائهم ، كان يترجَم إلى
قوّة رجل ، في الحدّ الأدنى ،
فيكون المقاتل المسلم بقوّة
رجلين من رجال أعدائه ! لذا لا
يجوز للجيش الفرار من الحرب ،
إذا قابل ضِعف عدده من جنود
أعدائه . وقد كان الصبر في بداية
حرب المسلمين ضدّ أعدائهم ،
يترجَم إلى قوّة عشرة رجال ! فلا
يَحلّ للجيش المسلم ، الهرب من
مقاتلة عشرة أمثاله من جنود
أعدائه ! ثم خفّف الله عن
المسلمين ، بعد أن ظهر أن ما
فيهم من قوّة ، لا يؤهّلهم
لمقاتلة عشرة أمثالهم ، على
سبيل الإلزام ( الآن خفّفَ الله
عنكم وعَـلِم أنّ فيكم ضَعفاً ..)
، وألزَم الجيش المسلم بعدم
الفرار، من جيش يساوي ضِعفَ
عدده .. وإنْ هربَ يكون فارّاً من
الزحف ، وهذا من كبائر الذنوب ..!
4) النصر
بالرعب : وهذه خصيصة خصّ الله
بها نبيّه الكريم ؛ إذ ورد عنه (ص)
قول يدلّ على أنه
نصِر بالرعب ..!
أمّا إعداد العدّة المستطاعة ،
لردع العدوّ عن عدوانه ، أي :
لإرهابه ( تخويفه) كيلا تحدّثه
نفسه بالعدوان على المسلمين ..
أمّا هذا الإعداد ، فهو واجب في
كل الأحوال
، درءاً لخطر الحرب ، التي يمكن
أن يشنّها عدوّ ما ، ضدّ
المسلمين ، حين يتوهّم أنهم
ضعاف ، فيغريه هذا التوهّم
بالإغارة عليهم !
وواضح
هنا ، بالطبع ، أن الحديث كله ،
يدور حول الصراع بين المسلمين
وأعدائهم..!
أمّا الحديث عن الصراع بين حكّام
المسلمين وشعوبهم ، فهو حديث
أقرب إلى الشذوذ الفكري ـ ومن
باب أولى السياسي والاجتماعي ـ
منه إلى الحديث الجادّ ، لا عند
المسلمين فحسب ، بل عند أمم
الأرض قاطبة ! والظروف الغريبة
الشاذّة ، التي تعيشها بعض شعوب
أمّتنا ، في ظلّ بعض أنظمة الحكم
الشاذّة ، كنظام الحكم السوري..
هذه الظروف الشاذّة ، هي التي
فَرضت هذا النوع من الحديث عن
الرعب ! وقد فَرضه الحكّام
أنفسهم ، حين قرّروا ـ وعن عمد
وإصرار وتصميم ـ أن يَفرضوا على
شعوبهم، نوعاً من الرعب القاسي
الرهيب ، كيلا يفكّر أحد من
أبناء الشعوب ، بمنازعتهم على
كراسي الحكم !
والغريب
الشاذّ ، أن الحكّام الذين
سرقوا السلطات في بلدانهم ،
وفَرضوا أنفسَهم حكّاما عليها
بالحديد والنار، إنّما يَخشون
شعوبَهم أكثرَ ممّا تخشاهم
الشعوب..! فهم في رعب دائم ، من أن
تنقضّ عليهم الشعوب ، فتستردّ
منهم السلطات التي سرقوها منها !
لذا ، هم يمعنون في فرض المزيد
من الرعب على الشعوب . وكلما
ازداد رعبهم منها، ازداد
إمعانهم في فرض المزيد من الرعب
، حتى يوصلوا الناس في بلادهم
،إلى حالة لا تطاق! فيشعر كل
مواطن في بلده ، أنه في سجن خانق
، لا في وطن حرّ ! ويفكّر بطرائقَ
شتّى، للخلاص
الفردي من هذا الكابوس ،
كالهجرة من البلاد ، إذا عجزت
هجرتُه إلى داخِل نفسه ، عن
تسكين الخوف المتغلغل في كيانه
..!
فالرعب
المتبادل ، إذن ، بين الحكّام
والشعوب ، هو الزاد اليومي ،
الذي يقتات منه كل فريق ، في
الدول المحكومة بالاستبداد !
وإذا
كانت الحكومات المستبدّة ، قد
عرفت أبعاد اللعبة ، لأنها هي
التي صنعتها ، ولذا فهي الأقدر
على استغلال رعب الشعوب ،
وتوظيفه لحسابها .. فإن قيادات
الشعوب مندوبة ، بل واجب عليها ،
أن تعي هذه اللعبة ، وأن تكسر
حدّة الخوف عند شعوبها، وتوضح
لها ، بكل جلاء ، أن الحكّام
اللصوص ، يخافونها أكثر ممّا
تخافهم ! وأن ما عليها فِعلُه ،
هو شيء من التضحية ، بالوقت
والمال والجهد .. وبالنفس
أحياناً ، إذا اقتضى الأمر،
واحتاج الصراع إلى تظاهرات
واعتصامات ، قد تسبب لبعض
المواطنين دخول السجون ، وتحمّل
بعض الأذى فيها ! والشعوب هي
الأقدر على الانتصار، في مبارزة
عضّ الأصابع ، بينها وبين
حكّامها الطغاة المستبدّين !
والأهمّ من هذا ، أن يكون قادة
الشعوب أنفسهم ، على درجة جيّدة
من الوعي ، ومن القدرة على
التحمّل ، ومن مقاومة رعب
الحكام ، كي يستطيعوا أن ينقلوا
هذه الأمور إلى شعوبهم ، التي هي
حقل عملهم الأول والأهمّ ، وهي
ذخيرتهم وعدّتهم ، في مقاومة
الطغيان والاستبداد .. وفاقد
الشيء لا يعطيه !
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|