ــ
نماذج
من الانتخابات الأسدية في سوريا
الدكتور خالد
الاحمد*
قريباً جداً تنفذ مسرحية قديمة
في سوريا ، وهي الانتخابات ، حيث
يقرر الناجحون سلفاً – كما
تعودنا- ثم زاد على ذلك شـراء
الموافقة على الترشيح
بالملايين ، وكل من يرشحه الحزب
أو اللوبي الأسدي سـوف ينجح
لامحالة ، ذكرني هذا الموسم
بعدة نماذج عاشها الشعب السوري
من الانتخابات منها :
1-
موافق سيدي المساعد :
كنا في الخدمة العسكرية في عام
(1971) حيث انتخب حافظ الأسد لأول
مرة رئيساً للجمهورية ، ويومذاك
صفت الكتيبة في ساحة الاجتماع
الصباحي ، وراح قسم الأفراد في
الكتيبة ، ويضم أسماء ضباط الصف
والأفراد فيها ، راح المساعد (
سلمان ....) ينادي فيقول : الرقيب
فلان الفلاني ، فيقف ذلك الرقيب
بالاستعداد ويقدم التحية
العسكرية للمساعد ويصرخ بأعلى
صوته : موافق سيدي المساعد.
وبنفس الوقت يقوم ضابط صف آخر
بملء بطاقة ويضعها في الصندوق ...
الأخذ بالرخصة ولا الشرشحة :
أما الضباط فقد احترموهم أكثر من
ذلك ، حيث أدخل ضباط الكتيبة إلى
مقر قائد الكتيبة واحداً بعد
الآخر ليجد أمامه العقيد يونس
يونس قائد اللواء ، وحوله ضابط
أمن اللواء وقائد الكتبية وضابط
أمن الكتيبة ، فيقف الضابط
بالاستعداد ويؤدي التحية
العسكرية لسيادة العقيد ،
وعندها تكرم العقيد فقدم قلم
(باركر ) بعد أن فتحه ؛ وقال :
تفضل ياملازم خالد ... وقام قائد
الكتيبة بفتح بطاقة الانتخاب
فوق الطاولة ، أمام الجميع ،
وأزاء ذلك ماكان من الملازم
خالد إلا أن أخذ بالرخصة وتناول
القلم البـــاركر من قائد
اللــواء وملأ دائرة ( موافق ) .
ثم أعاد القلم لصاحبه ، وأدى
التحية العسكرية وخرج ...
وشــاء الله :
وشــاء الله عزوجل أن أضعف مجند
في الكتيبة ، كان يصنع الفرش
والكنب والستائرفي حياته
المدنية ، وكان يقضي وقته في
بيوت الضباط يصنع لهم الفرش
والســتائر والكنب
، ألهمه الله وصرخ بأعلى
صوته ( غير مـوافـــق ســــيدي
المساعد ) فوقف شعر رؤوس الجميع
، وانتظروا ماذا يحصل !!؟ تقدم
ضابط أمن الكتيبة وصفعه كفين أو
ثلاثة ، وأسرع بضعة ضباط صف نحوه
جـروه إلى مكتب ضابط أمن
الكتيبة ، واستمر التحقيق معه
بضعة أيام ليعرفوا من الذي حرضه
على ذلك ، واستطاع بعض العقلاء
أن يصلوا له ويقولوا له : قل أريد
أن يبقى الفريق قائداً للجيش
ووزيراً للدفاع وهذا برأيي أهم
من الرئيس ، الذي يستطيع أي واحد
مدني أن يكون في مكانه .... وقبل
ضابط الأمن ذلك وطويت القضية
دون أن تصل المخابرات العسكرية
....
2-لماذا نقسـم اليمين !!؟
في عام ( .....) وفي انتخابات رئاسة
الجمهورية الثانية أو الثالثة ،
جُمع الموظفون المشرفون على
صناديق الاقتراع ، عند القاضي
ليقسموا اليمين أن لايغشوا ....
وكان ( الرفيق .....) مشـــرفاً على
صندوق الانتخاب
في قرية ( .....) ، وكان
الانتخاب في موسم الحصاد ،
والفلاحون في موسم الحصاد
لايتركون حقولهم ، خوفاً عليها
من التلف ، لذلك حضر حتى الساعة
الثانية ظهراً (90) مواطناً أدلوا
باصواتهم ، (90) من أصل ( 1600) ،
ووصلت سيارة الحزب فيها ضابط
أمن وعضو فرع الحزب وغيره ،
وسلموا على الرفيق المشرف على
الصندوق ، وذهلوا لما عرفوا أن
(90) فقط حضروا ، وحاول الرفيق
المشرف على الصندوق أن يؤكد لهم
أن الفلاحين يأتون مساء ً من
الحقل ، ويحضر من يريد منهم
الانتخاب ...ولكن الرفاق كانوا
في عجلة من أمرهم ، أخذ أحدهم
الرفيق المشرف على الصندوق
والذي بدرت منه جملة : لماذا
نقسم اليمين عند القاضي أن
لانغـش !!!؟ أخذه أحدهم في جولة
داخل حديقة المدرسة ، بينما قام
بقية الرفاق بملء ( 1510) بطاقة (
موافق) ووضعوها في الصندوق ، ثم
ختموا الصندوق ، ولما عاد
الرفيق المشرف من جولته داخل
حديقة المدرسة قالوا له : سلمنا
الصندوق يارفيق وقد انتهى
الانتخاب عندكم ، وتستطيع أن
تذهب إلى أولادك الآن وشكراً لك
...
3-(104 % ) قالوا نعم :
في منطقة الــغاب الواقعة في
الغرب من محافظة حماة ، والغاب
منطقة ريفية مكتظة بالسكان ،
وينتشر فيه الوعي السياسي أكثر
من غيره ، وفي أحد الصناديق في
موقع انتخابي عدد الناخبين فيه (
2500) مواطناً ، عندما فتحوا
الصندوق وعدوا الأوراق وكان ذلك
بحضور قاضي ولجنة على مستوى
عالٍ ، ولما عدت الأوراق وجدوا
أن الذين قالوا ( نعم )( 2600) مواطن
، أي أكثر من عدد الناخبين ، ضحك
الجميع ، وأعادوا العد وتأكدوا
من صحة الأرقام ، ثم تقدم أحد
الحاضرين وأفتى في القضية ، وهي
أنهم سمحوا يومها للمواطن أن
ينتخب أينما كان ، على أن يضاف
اسمه إلى قائمة الناخبين في ذلك
المركز، ولكن هؤلاء ال (100)
انتخبوا ولم تضف أسماؤهم إلى
قائمة الناخبين كسلاً من المشرف
على الصندوق ، وســر جميع
الرفاق بهذا التخريج ...وانتهت
الحكايـــة ، وخلاصتها أن الذين
قالوا ( نعم ) يشـــــكلون ( 104 % )
من عدد الناخبين ....
4- حتى الأموات قالوا نعم للرئيس :
وفي
مركز آخر كانت قائمة الناخبين
تضم عشرات الأموات الذين ماتوا
قبل سنة أو سنتين ولم تشطب
أسماؤهم من قوائم الناخبين ،
كسلاً من دائرة الأحوال المدنية
، وقدمت القائمة للمشرف على
الصندوق ، فقام بملء بطاقات (
نعم ) بعدد الأســماء في القائمة
، ووضعها في الصندوق ، ولدى
الفرز كانت النتيجة أن ( 5300) ناخب
قالوا نعم للرئيس ، ورئيس
البلدية يعلم تمام العلم أن عدد
الناخبين في هذا المركز (5220)
ناخباً ، فتعجب من أين جاءت هذه
الأصوات ال ( 80) عندئذ قال أحد
الحاضرين الذي أدرك السـر ، قال
: المواطنون الذين ماتوا خلال
سنة أو سنتين ، يعني لوكانوا
أحياء قالوا نعم للسيد
للرئيس بكل تأكيد ...
وذات مرة كنت مدرساً لعلم
الاجتماع السياسي في ثانوية من
ثانويات سوريا ، ووقع فيها
انتخاب (
إدارة محلية ) ، ويوم الانتخاب
تعطل الدراسة ، وتشغل المدرسة
بصناديق الاقتراع والناخبين ،
وقبيل المســاء خرجت مع مجموعة
من المدرسين يتمشون في ذلك
اليوم العطلة ، فقال لي أحدهم
مازحاً : لم أرك ذهبت إلى صندوق
الاقتراع !؟ نظرت نحوه ولم أجب ،
بل تبرع مدرس آخر وهوقـائد
الفـرقــة الحزبية ( البعثية )
وأجاب : هل تريد أن يشارك في هذا
الانتخاب ( المهزلة ) مدرس علم
الاجتماع السياسي !!!؟ صدقني لو
شاهده الطلاب ينتخب ، لما سمعوا
لـه كلاماً في دروســه ، ولسقطت
هيبتـه في نفوســهم ...
هذه بعض نماذج من الانتخابات
الأسـدية ، ليعلم العرب ،
والأوربيون ، والأمريكيون
ومؤسسات حقوق الإنسان ، ومنظمات
العفو الدولية وغيرها ، أن
الانتخابات في سـوريا الأســد ؛
لاتمـت إلى الديموقراطية بصلة ؛
إلا بالإســم فقط ... ونتمنى أن
تكون الانتخابات القادمة
ديموقراطية حقاً ....ولكنها لن
تكون ...لأنهم يعرفون أن
الانتخابات الديموقراطية
الحقيقية ســوف تخلعهم من
الســلطة ....
*كاتب
سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|