ــ
هل
يمكن الاستمرار في تجميد
الإصلاح السياسي في سورية؟
معقل
زهور عدي
ثمة سؤال موضوع على
الطاولة، وهو سؤال معني فيه
الحكم بالدرجة الأولى هو: هل
يمكن وضع الاصلاح السياسي في
سورية في الثلاجة الى أمد غير
محدود بالفعل ؟، واذا كان ذلك
ممكنا فما هو الثمن الذي يمكن ان
يترتب عليه ؟
دعونا نحاول مناقشة
ذلك السؤال بأكبر قدر من
الموضوعية وأقل قدر من الحماس
والتسرع.
في كثير من الأحيان
تتيح لك الحياة فعل ما تريده،
لكنها تعود فتحاسبك على ما
فعلت، وكذلك الحال في السياسة،
هكذا تكون الحكمة ليس في فعل
ماهو متاح اليوم لكن في رؤية
المطالب التي يختزنها الواقع
وملاقاة تلك المطالب قبل أن
يصبح تجاهلها وقوفا ضد التيار.
هل هناك شك في أننا
أصبحنا في مؤخرة دول العالم في
مسألة الديمقراطية وحقوق
الانسان؟ حسنا لنراجع تقرير
الأمم المتحدة للتنمية البشرية
الصادر عام 2004 والذي تركز حول
الحريات والاصلاح السياسي
والحكم الصالح، يقول ملخص
التقرير: حذر تقرير "التنمية
الانسانية" في العالم العربي
للعام 2004 برعاية الامم المتحدة
من "الخراب الآتي" وتداول
"قادم للسلطة" عن طريق "العنف
المسلح" في حال استمرار "العجز
التنموي والقهر في الداخل
والاستباحة من الخارج".
واكد التقرير الصادر في عمان ان
"استمرار العجز التنموي
والقهر في الداخل والاستباحة من
الخارج يمكن ان يفضي الى تعميق
الصراع (...) وقد يلجأ بعضهم الى
اشكال من الاحتجاج العنيف
تتزايد معه فرص الاقتتال ما قد
يؤدي الى تداول قادم للسلطة
يتاتى عن العنف المسلح".
واشار معدو التقرير الى ان "السبيل
لتلافي الخراب الاتي هو التداول
السلمي الحقيقي للسلطة من خلال
عملية تاريخية يتبناها الجميع
(...) في السلطة وخارجها".
ووجهوا انتقادات حادة الى "دولة
الثقب الاسود" مشيرين الى ان
السلطة التنفيذية في الدولة
العربية الحديثة "تجسد"
هذه الظاهرة التي تحول المجال
"الاجتماعي المحيط بها الى
ساحة لا يتحرك فيها شيء ولا يفلت
من اسارها شيء".
والتقرير صادر عن المكتب
الاقليمي للدول العربية في عمان
لبرنامج الامم المتحدة
الانمائي بمشاركة الصندوق
العربي للانماء الاقتصادي
والاجتماعي وبرنامج الخليج
العربي لدعم منظمات الامم
المتحدة الانمائية (اجفند).
دعونا نفترض أن ما
يقوله التقرير مبالغ فيه، ويمثل
نظرة متشائمة بعض الشيء، لكن
أريد جوابا على سؤال : هل يمكن
لنا البقاء في نموذج للحكم
انقرض فعلا في كل المعمورة عدا
كوريا الشمالية ؟ وأعني دولة
الحزب الواحد.
الصين حالة فريدة
بدون شك، لكن ما ساعد الحكم على
احتواء المطالبة بالديمقراطية
أمران:
الأول : نمو اقتصادي
مذهل زاد عن 10% سنويا رفع الصين
الى مرتبة الدول الصناعية
المتقدمة وفتح أمامها الطريق
لتصبح قوة عالمية عملاقة.
والثاني : الوضع
الجيوسياسي للصين والذي وضعها
بمنأى نسبي عن الصراعات
الدولية المحتدمة خلال السنوات
الثلاثين الماضية، مع ذلك يبدو
ان الصين مقبلة قريبا على موجة
جديدة من المطالبة
بالديمقراطية.
فاذا استطاعت سورية
تحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع
نسبيا (يزيد عن 7%) ناتج عن زيادة
حقيقية في الانتاج الصناعي
والزراعي والتصدير(وهو أمر
مشكوك فيه ولكنه ليس مستحيلا)،
فسيكون ذلك بدون شك عاملا يصب في
مصلحة امكانية تأجيل استحقاق
الاصلاح السياسي، لكن يتبقى مع
ذلك عوامل أخرى نابعة من موقع
سورية الجيوسياسي وتأثرها
البالغ بالصراعات الدائرة في
المنطقة العربية وما حولها،
وكذلك تحرير الجولان المحتل.
ليس من السهل تقرير
الى أين تتجه مؤثرات العوامل
السابقة ، هل تتجه نحو دعم عملية
الاصلاح السياسي أم نحو دعم
تأجيلها، لكن من المؤكد أن تلك
العناصر تتناوب التأثير، بحيث
اذا أظهر الوضع الداخلي تأزما
في مرحلة معينة فقد يفعل بعضها
في زيادة تأزمه، في حين يكون
التاثير حياديا أو سلبيا في
أحيان أخرى.
ما يمكن قوله بثقة
أن وضع سورية لا يشبه وضع الصين،
وسيكون أمرا مضللا التفكير في
تكرار النموذج الصيني الفريد من
نوعه.
خلال السنوات
السابقة لم تستطع سورية احراز
تقدم في مسألة معالجة الفساد
المتفشي في الدولة بصورة واسعة،
والذي يشكل مصدرا لنهب موارد
الدولة وتفكك أجهزتها وعقبة في
طريق الاصلاح الاقتصادي، وقد
أصبح واضحا أن الاصلاح
الاقتصادي ومحاربة الفساد ليسا
ممكنين بدون التقدم في مسألة
الحريات العامة.
وكذلك فان اصلاح
القضاء غير ممكن بدون فصله عن
الحزب وأجهزة الدولة
التنفيذية، وتلك مجرد نماذج عن
مدى التقاطع الموضوعي بين
الاصلاح الاقتصادي والاداري
والسياسي.
دعونا الآن نقول ان
الحكم في سورية قد تمكن خلال
السنوات السابقة من تأجيل
استحقاق الاصلاح السياسي، لكن
السؤال يبقى قائما وماذا بعد ؟
هل من المعقول تجميد ملف
الاصلاح السياسي الى أجل غير
معلوم ؟ أم ان في ذلك مخاطرة
بسوق الماء الى طاحونة التيارات
الأكثر تطرفا في المجتمع وفقا
لتقديرات تقرير الأمم المتحدة
السابق، واذا كانت موريتانيا
اليوم قد تقدمت في مسألة
الديمقراطية فمن هي الدولة التي
سنقف وراءها غدا هل هي مالي أم
النيجر أم بوركينا فاسو؟
هل يمكن اليوم في
عصر المعلومة فائقة الانتقال
عبر الانترنت والفضائيات، وبعد
كل التقدم في التعليم الذي
أحرزته سورية وانتشار الثقافة
في المدن والأرياف والتواصل
الذي حققه ما يقرب من ثلاثة
ملايين مغترب سوري مع ما يجري
خارج سورية، هل يمكن بقاء نظام
حكم نشأ في ظروف الحرب الباردة
والأنظمة الشمولية، وأفكار
الستار الحديدي، واحتكار
الاعلام، بدون اصلاح أو تغيير،
بينما يسعى ذات النظام جاهدا
لتوقيع اتفاقية الدخول في منظمة
التجارة العالمية والشراكة
الأوربية ويطرح شعار اقتصاد
السوق الاجتماعي، ويسعى لتقليص
دور الدولة الاقتصادي
والاجتماعي؟ أقول هل يمكن الجمع
بين تلك المتناقضات لفترة طويلة
بدون أن تتدخل الحياة لتطلب ثمن
الاغراق بانعدام المنطق وتجاهل
سنن الكون؟
قد تعوض الحلول
الأمنية الافتقار للرؤية
السياسية لفترة محددة لكنها
بذلك تقوم بدور المخدر الذي
يمنع الجسم من الشعور بالألم
وبالتالي يبعد المرء عن السعي
للتفتيش عن عوامل المرض
ومعالجته قبل تفاقمه.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|