ــ
ومضات
محرّضة (21) :
الخيار
الاستراتيجي الوحيد.. وأبشر
بطول سلامة يا مربع !
عبدالله
القحطاني
(
الحديث عن العلاقة بين الحكومات
والشعوب هنا ، هو عن سورية حصراً
)
حين هدّد الشاعر الفرزدق ،
مربعاً راويةَ جرير ، بأنه
سيقتله ، سخِر منه جرير، قائلاً
:
زعَم الفرزدق أنْ سيقتـُل
مربَعاً
أبشرْ بطولِ سلامةٍ يا مربع
!
ترى لو عاش جرير في أيامنا هذه ،
وسمع التصريحات تتوالى ، حول
الخيارات الاستراتيجية الوحيدة
.. فماذا كان سيقول !؟
• الدول
العربية : خيارها الاستراتيجي
والوحيد ، في إنقاذ فلسطين من
براثن الصهاينة، هو السلام ..
ولاشيء غير السلام !
• المعارضات
العربية ، التي تتصدّى لتحرير
بلادها ، من الحكام الطغاة ،
الذين سرقوا الحكم ، وسرقوا
البلاد كلها ، وسرقوا من الشعوب
كل شيء ، حتى كراماتها
الإنسانية، فضلاً عن لقمة العيش
وجرعة الدواء .. هذه المعارضات
على اختلاف دولها ، جَعلت
خيارها الوحيد ، في انتزاع حقوق
شعوبها من حكامها اللصوص ..
جعلته السلامَ
ـ السلامَ حصراً ـ بمفرداته
المتنوّعة : المعارضة السلمية ..
الكفاح السلمي .. الصراع السلمي
..!
• وكما
أن إسرائيل ، تضحك في سرّها ، من
الخيار الاستراتيجي لأعدائها
العرب.. فكذلك الحكّام الطغاة ،
الذين احتلوا دولهم بالحديد
والنار.. يَضحكون في سرّهم
وعلانيتهم ! بل يصرّح بعضهم بهذه
العبثية المقيتة ، دون وَجل أو
خَجل ! كما فعلَ وزير دفاع مزمن ،
ذات يوم ، قبل أن يحال على
التقاعد ، حين قال في مقابلة
صحفية منشورة :
/
السلطة تنبع من فوهة البندقية ،
ونحن نملكها . وقد خضنا حروباً
كثيرة ، للوصول إلى السلطة .. ولن
نسلمها لأحد أبداً ! /.
( ولن
نذكر اسم الوزير، هنا ، بعد أن
خرج من ساحة العمل العامّ ،
خجَلاً من أنفسنا أمام العالم ؛
أن يكون لنا وزير دفاع من هذا
المستوى الرفيع ! وحسبـُنا أن
نَذكر أنه سوريّ .. مع الأسف
الشديد ! كما لن نتحدث عن حروبه ،
وبطولاته المجيدة الرائعة ،
التي خاضها ، ولا عن الأوسمة
والنياشين التي تغطّي صدر بدلته
العسكرية .. والتي نالها تقديراً
له على أنواع معيّنة من
البطولات ، لا صلة لها بالحروب
العسكرية ، والانتصارات
الجادّة المشرّفة فيها ! ومَن
أراد أن يعرف أنواع بطولاته ،
فليقرأ بعضاً مِن كتبه ،
ومذكّراته !).
• وإذا
كان تهديد الفرزدق لمربع
، النابعُ مِن ألم شديد ،
لدى الفرزدق ، ومِن إحساس
بالثقة بقدرته على الفعل ..
أثارَ نزعة السخرية لدى جرير،
خصمِه الشعري العنيد، وأحبّ أن
يهوّن من شأن الفرزدق وتهديده ـ
وهو تهديد محتمل التنفيذ بنسبة
معيّنة ـ فكيف
يكون تهديد المعارضات ، للحكّام
الطغاة المحتلين لبلادها .. كيف
يكون هذا التهديد ، في نظر
الحكّام !؟ وما قيمته الفعلية
لديهم ، وهم يَعرفون جيّداً ،
الوسيلة التي أوصلتهم إلى
السلطة ، وثبـّتتهم في كراسيها
، والوسيلةَ الوحيدة التي يمكن
أن تنتزعها منهم .. كما صرّح بذلك
الوزير المذكور أعلاه !؟
• قد
لا يكون من المناسب ، سياسياً ،
أن تتحدّث المعارضات العربية ،
عن استخدام الصاع نفسه ، الذي
تكيل به السلطات لشعوبها..!
• لكن..
هل من حقّ هذه المعارضات ، بسائر
تلاوينها ، أن تصادر حقوق
الشعوب ، في اختيار الوسائل
المجدية ، في تحرير بلدانها من
حكّامها المحتلين اللصوص !؟
• بل
.. هل من حقّ المعارضات ، أن
تصادر حتى حقوق (الحمقى!) ، من
أبناء الشعوب، في ممارسة
( حماقاتهم !) لمواجهة
(حماقات) حكّامهم المجرمين !؟
• والسؤال
الأهمّ هو : هل تستطيع المعارضات
أصلاً ، أن تصادر حقوق الحماقة
و(التحامـُق) ، من الناس الذين
خسروا في بلادهم كل شيء ، ولم
يبق لديهم سوى شيء واحد ، هو
الحلم بالخلاص ، بأيّة طريقة ،
وبأيّ ثمن !؟
• سؤال
مطروح على المعارضات ، وحدَها ،
لتحريض عقولها على التفكير..! لا
لتحريض نزعات البطولة لديها ..
فهي تعمل في حقل السياسة ، التي
تحتاج إلى العقول الحصيفة
المتّزنة، لا إلى البطولات
الحربية ، التي تحتاجها ساحات
الحروب!
• أمّا
الحكام اللصوص ، فكل نزعة
إجرامية لديهم محرّضة ، لمواجهة
أيّة (حماقة !) تتصدّى (
لحماقاتهم !) . أمّا ما ليس
محرّضاً عندهم ، ولا يُنتظَر له
التحريض ، إلاّ بعد فقدان
السلطة .. فهو العقل السياسي
الحصيف ! أمّا النزعات
الإنسانية والوطنية، فلا سياقَ
لها هنا ، ألبتّة ! لأنها ليست من
النوع الذي يَبحث عنه العقلاء ،
عند هذا الطراز من البشر!
• وإذا
كان من حقّ الحكّام ، في نظر
أنفسهم ، أن يتحدّثوا باسم
الشعوب ، حتى لو لمْ يكونوا
يمثلون أحداً فيها .. فإن مِن حقّ
المعارضات أن تتحدّث باسم
الشعوب ، كذلك، مهما كانت
النسبة التي تمثلها مِن هذه
الشعوب ، داخلَ بلدانها !
• لكن
إذا كانت الحكومات قادرة ـ في
نظر أنفسها ـ ، بما تملكه من
قوّة الدول وسلطاتها ، على
مصادرة حقوق الشعوب في كل شيء ،
حتى في أن يكون لها كرامة أو
عقيدة ، أو حقّ في الكلام ـ أو
التنفس لو استطاعت ـ .. فما نحسب
المعارضات قادرة على مصادرة
حقوق (الحمقى!) من أبناء الشعوب ،
في ممارسة حماقاتهم..! بصرف
النظر عن كونها مشروعة ، أو غير
مشروعة ! فالحماقات لا تحتاج إلى
طلب شرعية من أحد ، حتى من
أصحابها أنفسهم !
• لكنّ
خالقَ البشر، عزّ وجلّ ،
يحذّرهم ، قائلاً : ( واتّقوا
فتنةً لا تُصيبنّ الذين ظَلموا
منكم خاصّة ..)
• أمّا
الموازنة بين فِتن الاستبداد
المزمن والفساد المدمّر ،
وأضرارها وأخطارها .. وفِتن
(الهبّات) العاطفية العنيفة ،
وأضرارها وأخطارها .. أمّا
الموازنة بين أنواع الفتن هذه ،
فلها سياقات أخرى ، وأحاديث
أخرى !
ولله
الأمر مِن قبلُ ومِن بَعد .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|