ــ
مئة
يوم على اضراب سامي الحاج عن
الطعام
انها
الصورة قبل المصّور
معن بشور
ليست الايام المئة التي امضاها
مصور "الجزيرة" سامي الحاج
في معتقل غوانتانامو العسكري
الامريكي، رمز "الديمقراطية
الامريكية وحقوق الانسان"،
هي وحدها التي تستحق الوقوف
عندها بل هذا الصمت شبه المطبق
في وطننا العربي، وعالمنا
الاسلامي، والعالم الاوسع
برمته، امام هذه الجريمة
المتمادية وهذا الانتهاك
الصارخ لحقوق الانسان.
وليست السنوات الست التي يشارف
الاعلامي السوداني الشاب على
تمضيتها في ذاك السجن الرهيب،
دون محاكمة ودون الحد الادنى من
الشروط الانسانية، هي التي تطلب
منا التأمل في معانيها
ودلالاتها فحسب، بل انها في
الكمية الهائلة من ذلك
الاحتقار الذي تبديه الادارة
الامريكية تجاه الحياة البشرية
والحرية الانسانية، كما تبديه
تجاه هذه القضية، كغيرها من
قضايا الاف المحتجزين دون وجه
حق في غوانتانامو، وابو غريب،
وابوكا، ومعتقلات العراق
والسجون السرية في بلدان
العالم، ناهيك عن اكثر من عشرة
الاف اسير فلسطيني وعربي، بينهم
قادة ونواب ومناضلون، كما بينهم
نساء واطفال.
انه احتقار ممزوج بعنصرية كريهة
لا تقيم وزناً لبشر اذا كانوا
ينتمون الى هويات معينة، واديان
معينة، والوان معينة، فكيف اذا
اجتمعت كلها في سامي الحاج صاحب
البشرة السوداء، والجنسية
السودانية، والانتماء العربي
والدين الاسلامي.
بل هو بشكل خاص حقد ممزوج بشهوة
جارفة الى التخلص من كل اعلام او
اعلامي يصّر
على مهنيته وموضوعيته
وملاحقته الحقيقة اينما كانت،
ونشرها اياً كان المتضرر منها...
طارق ايوب الشهيد يوم احتلال
بغداد، وتيسير علّوني في
الاقامة الجبرية في مدريد منذ
الصاق اتهامات زائفة له اثناء
الحرب على افغانستان، وسامي
الحاج القابع في زنزانة في
غوانتانامو بعد ان نزعت منه آلة
تصويره ووضع مع المئات في تلك
القاعدة العسكرية خارج الارض
الامريكية لكي يكونوا خارج
القوانين الامريكية، لا تجمعهم
فقط "الجزيرة" بل يجمعهم
بشكل خاص انهم لعبوا كل من موقعه
دور الطفل الذي كشف ببراءته ذاك
الملك العاري من الثياب فيما
الكثيرون من اهل مملكته يهللون
نفاقاً للثوب الانيق الذي
يرتديه...
ليس المصور هو الهدف بل الصورة،
وليس الاعلامي هو الهدف بل
الكلمة، وليست الوسيلة
الاعلامية هي المستهدفة بل
الحقيقة التي تحاول الوصول
اليها.
ولعل من المفارقات اللافتة ان
تكشف قصة مصور شاب، اسمر، عربي،
مسلم، حقيقة عالم اليوم حيث
تتوزع دوله ومنظماته وحركاته
بين محتل غاصب لا يفهم للاعلام
دوراً غير الترويج لسياساته،
والتغطية على جرائمه، وبين صامت
مضطرب مرتبك لا يريد اغضاب
السيد الآمر الناهي في واشنطن
خوفاً على موقع او منصب او
امتيازات، بل ربما خوفاً من
الالتحاق بسامي الحاج ورفاقه.
وتكبر المفارقة حيث نتذكر كيف
يتعامل المجتمع الدولي بكل هذا
الصخب والانحياز مع قضية جندي
صهيوني تم اسره في موقعه
العسكري في ارض محتلة في غزة،
ومع جنديين صهيونيين أسرا في
لبنان للتبادل مع اسرى لبنانيين
ومفقودين امضى احدهما كسمير
القنطار 29 سنة في السجون
الاسرائيلية، ومثله يحيى سكاف
ونسيم نسر والعديد من
المفقودين، وكيف يتعامل
بالمقابل هذا المجتمع بمنظماته
الرسمية، واحياناً كثيرة
بمنظماته الاهلية، مع قضية سامي
الحاج ورفاقه
في غوانتانامو، وفي
غوانتاناموات موزعة بين محيطات
العالم.
يسأل محامو سامي الحاج بسذاجة عن
سبب استمرار احتجازه رغم
الافراج عن مسؤولين في طالبان
وعن مقاتلين كانوا في
غوانتانامو، ولا يدري هؤلاء ان
في "عصر حقوق الانسان"
البوشي (نسبة لجورج بوش) يصبح
المصور اكثر خطورة من المقاتل
لأنه باختصار يكشف الحقيقة التي
يهب المقاومون الشرفاء حياتهم
انتصاراً لها....
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|