ــ
شيخ
المفكرين وشيخ الصابرين
غسّان
النجّار*
كان ذلك يوم الاثنين السابع من
أيار الجاري الساعة العاشرة
والنصف صباحا ، موعدنا مع جلسة
المحاكمة للأخوين المناضلين
ميشيل كيلو و محمود عيسى ، وذلك
أمام محكمة الجنايات الثانية في
قصر العدل بدمشق 0
وإذا كنّا نسجّل بداية ارتقاء
التعامل مع بعض سجناء الرأي
والضمير وإحالتهم إلى القضاء
العادي المدني ، بدلا من
المحاكم الاستثنائية ( أمن
الدولة – العسكرية – الميدانية
) ، لكنّ الاتهام الموجه من قبل
الادّعاء العام للأخوين ميشيل و
محمود هو كبير الحجم بشكل
لايتصوره العقل 0
هل يعقل أن يرتكب ميشيل كيلو (
جناية إضعاف الشعور القومي ) وقد
قضى معظم حياته في التصدّي
للهجمات العدوانية على سورية
خاصّة والعرب عامّة ، وهل يعقل
أن ينغمس في نعرات طائفية وهو
ابن مدينة اللاذقية ، عروس
الساحل السوري – والّتي يقطنها
مختلف الطوائف والأديان
وتتعايش مع بعضها بكل الحب
والسلام 0
هل يعقل أن يكون النظام هو
الممثّل الشرعي الوحيد للشعور
القومي على الدوام وأن تكون
وجهة نظري – لو خالفت السياسة
الرسمية – تمثّل إضعافا للشعور
القومي ، وتكون المادّة 285 من
القانون الجزائي سيفا مسلطا على
كل أصحاب الرأي والضمير ، إنني
وان كنت لست حقوقيا ، لا أعتقد
أن المشرّع قد قصد من هذه
المادّة ( 285 ) استخدامها ضد كل من
يخالف الرأي لسياسة الدولة
الرسمية ، نعم قد تستخدم في
أثناء الحرب مع العدو في حال
تخذيل الأمة عن المجابهة مع
إسرائيل مثلا ، ولكن واقعة
الأخوين ميشيل و محمود لا تمثّل
هذه الحالة إطلاقا ، ونحن ننتظر
القضاء النزيه المستعلي على
الضغوط أن يصدر كلمته الأحد
القادم في الثالث عشر من هذا
الشهر 0
كان الحشد كبيرا في قاعة المحكمة
والحضور فاعلا من كل بقعة من
الأرض السورية بدءا من الحسكة
والى السويداء مرورا بمدن : دير
الزور ، حلب ، حماة ، حمص و دمشق 0
وقف
المتّهمان المفكر ميشيل كيلو و
المناضل محمود عيسى
شامخين في قفص الاتهام
والأنظار ترنو إليهما وهما
يحييان الجموع بابتسامة المؤمن
الواثق من عدالة قضيته المطمئن
إلى وعد الله ونصره 0
ميشيل كيلو – شيخ المفكرين –
كثيرا ما طرق أسماعي اسمه في عام
1980 وهو ينتصر لانتفاضة الشعب ضد
التجاوز والطغيان ، سمعته في
شريط مسجل آنذاك يقول( إن السلطة
تكذب حتى في نشرة الأحوال
الجوية)
كنّا في اتّحاد النقابات العلمية
من عام 1980 ، تنشرح صدورنا عندما
نسمع ؛ أننا لسنا الوحيدين من
الشعب الّذي نادى بإطلاق
الحرّيات العامة وإلغاء حالة
الطوارئ والمحاكم الاستثنائية
، كانت الأحزاب على اختلاف
مبادئها وأفكارها والأحرار
والمفكرون من جميع مشاربهم و
ألوانهم وكان ميشيل كيلو أبرزهم
وهو المناضل المفكر المسالم
يدافع عن وطنه من أن يغتاله
الأعداء من الخارج والظلم و
الطغيان من الداخل 0
وإذا كان ميشيل كيلو شيخ
المفكّرين ، فانّ عبد الستّار
قطّان هو شيخ الصابرين
المسالمين ، المحكوم من قبل
محكمة أمن الدولة بالإعدام سندا
للقانون 49 / 1980 0
هل يعقل أن يقضي الإنسان نصف
حياته في السجون وهو لم يرتكب
جرما شائنا ، التقيت صدفة على
هامش جلسة محاكمة الأستاذين
ميشيل و محمود مع الأستاذ
المحامي محمود مرعي فأعلمني
أنّه كان وكيلا عن المهندس
قطّان أمام محكمة أمن الدولة
بناء على تكليف من زوجته ، وأكّد
لي بكل صدق وأمانة أنّ الشيخ
المهندس عبد الستار قطّان لم
يكن بتاتا على صلة بتنظيم
الإخوان المسلمين ، وإنما كانت
كل جريمته أنّه اعترف أثناء
عبوره من نقطة الحدود في درعا
لدى عودته من زيارة بناته
المتزوجات في الأردن ، اعترف
بنقل إعانات مادّيّة لبعض
العائلات الفقيرة من ذويها في
الخارج ، وأنّ هذه لاتشكّل
جنحة في أي قانون على وجه
الأرض ، ومع ذلك صدر عليه الحكم
ظلما بعد التخفيض إلى الحبس
لمدة اثني عشر عاما 0
إننا والشعب السوري من ورائنا –
ننظر بتفاؤل كبير إلى تصحيح هذه
الأحكام الجائرة والصادرة عن
محكمة أمن الدولة وغيرها ،
فيصدر الرئيس قريبا جدا عفوا
عاما عن كل هذه الحالات ، إن من
غير المعقول أن يصدر عفوا عن
سجناء قضائيين مرّات عديدة ولا
يصدر عفو عن سجناء الرأي
والضمير ولو أنّ النظام لايعترف
بهم واقعا 0
إن المهندس الألمعي والخبير عبد
الستّار قطّان هو شيخ المعتقلين
الصابرين ، قد قضى ثلث عمره في
السجون ، ويقول عنه العارفون
أنّه إنسان مسالم هادئ ذو أخلاق
رفيعة ، لايشكّل خطرا على أي
نظام 0
تحيّة لجميع معتقلي الرأي
والضمير ، تحيّة للشيخ المفكّر
ميشيل كيلو وزملائه ، تحيّة
للشيخ الصابر المحتسب المهندس
عبد الستار قطان وزملائه ،
الحريّة لجميع معتقلي الرأي
والضمير0
*نقابي – إسلامي
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|