ــ
ومضات
محرّضة :
ماذا
تعني سرقة حكم دولة !؟
عبدالله
القحطاني
ها هو ذا المشهد السوري .. ماثلاً
للعيان ، لمن أراد أن يعرف
الآثار القريبة والبعيدة ،
والنتائج الكارثية المدمّرة ،
لسرقة الحكم في دولة ما ،
والهيمنة على أرضها ، وشعبها،
وثرواتها ، وخيراتها ،
وقراراتها ، ومصير أجيالها ،
وحاضرها ، ومستقبلها ..!
ليتابع
أيّ عاقل ، غير مبتلى بنوع من
أنواع العمى : القلبي ، أو
الفكري ، أو الروحي .. ليتابع ما
يجري في سورية ، اليوم ،
امتداداً لما كان يجري منذ سنين
طويلة ، في عهد الأسرة الأسدية ..
ليعرف ، ولو على سبيل التثقيف
الذاتي ، إذا كان لا يهمّه أمر
سورية ، شعباً ووطناً ، وعقيدة ،
وحضارة ..! ليعرف ماذا يحصل في
سورية ،
وماذا يفعل اللصوص بشعب سورية !
• ملايين
البشر، من شتّى الأعمار ،
والمراتب ، والأقدار .. تساق
كالأنعام ، في شوارع المدن
السورية ، تهتف ، وتصفّق ،
وتَفدي ، وتمجّد ، وتصرخ ملءَ
حناجرها : بالروح بالدم نفديك يا
بشّار! ومَن بشّار هذا !؟ إنه
غلام ، سرق أبوه حكم دولة عريقة
متحضّرة، وشعب أبيّ أصيل .. ثم
أورَثه الحكم ، حين هلك ، وهلك
قبله ، وريثه الأكبر باسل ، الذي
أعدّه للوراثة ! فهو ـ أيْ بشّار
الذي يفدَى بالروح والدم ـ لصّ
بالوراثة !
• لن
نتحّدث ، هنا ،عن الثروات
المنهوبة .. فمن يسرق البيت
بسائر ما فيه ، يتحكّم بكل صغيرة
وكبيرة فيه !
• ما
يهمّنا الحديث عنه ، هنا ، هو
الشعب تحديداً : عقولاً ،
وقلوباً ، وإرادات ، وكرامات،
وحريات ، ومروءات ..! فسرقة
الجمادات سهلة ، حتى لو كانت هذه
الجمادات أراضي شاسعة ، على
مستوى أوطان كاملة ! لكن
الجمادات لا تسرَق ، إذا كان لها
مَن يحميها من البشر ! فالمصيبة
هنا ، هي في سرقة البشر ، سرقة
العقول التي تفكّر ، والقلوب
التي تحبّ وتكره ، والألسنة
التي تقول : لا ، والمروءات التي
تأبى ، وتأنف ، وترفض، وتتحدّى ،
وتثور..! هذه هي التي عمل لصوص
الحكم على سرقتها ، جميعاً ،
حسبما هو ظاهر، وحسبما يظنّه
مراقبو المشهد ، حقيقة واقعة ،
لا لبس فيها ، ولا غبار عليها ،
ولا تحتاج إلى تأويل ، أو تفسير..!
• مجلس
الشعب ، الذي انتخبه الناس
ليسنّ لهم القوانين ، ويحاسب
حكّامهم ، إذا قصّروا ، أو
فرّطوا .. مجلس الشعب هذا ، بشيبه
وشبابه ، وجهلَته ومثـقّـفيه..
يتحلّق حول الغلام ، الذي ورث
الحكم المسروق عن أبيه الهالك ،
ليصرخ ـ بقَماءة تشمئزّ منها
نفوس القِردَة ـ : بالروح بالدم
نفديك يا بشّار! رجال أكبر من
أبيه سناً ، وبعضهم يحمل مؤهلات
علمية من أرقى التخصّصات
والمستويات ، يصرخون بأصوات
مقلوبة تكاد تمزّق حناجرهم :
بالروح بالدم نفديك يا بشّار!
يصفّقون ، ويرقصون ، ويتمايلون..
ابتهاجاً برؤية بشّار ، أو
طرباً لنكتة سمجة يتظرّف بها
بشّار ، أو إعجاباً بإشارة من
بشّار ، باليد ، أو بالرأس ، أو
بالرقبة ، أو بالكتف ، أو بالرجل
!
• كل
مَن يرقص ، أو يغنّي ، أو يهتف ،
أو يصفّق.. يعلم أنه منافق ـ
مكرَه على النفاق، أو مُغرًى به
، مُسيغ له ، مستفيد منه ـ ! وكل
مَن يراه يعلم أنه منافق !
وأجهزة المخابرات التي تَسوق
الهتّافين إلى مصارعهم (مصارع
كراماتهم ومروءاتهم) تعلم أنهم
منافقون ! وبشّار الذي يفدَى
بالروح والدم ، يعلم ألاّ أحد
يفديه بقلامة ظفره ، في حقيقة
الأمر ، ويعلم أن الذين يصفّقون
له ، ويفدونه بالروح والدم ،
إنّما ينافقون له ! لكنه قد لا
يعلم أن هذه الجريمة ، التي
ارتكبها بحقّ مواطني سورية ؛
بأن جعلهم منافقين له ، هي أخطر
جريمة متولّدة عن الجريمة
الأولى .. جريمةِ سرقة الحكم !
ولكن.. لمَ هذا السيرك كله ،
بجملته ، و بسائر تفصيلاته !؟
إنه النتيجة الطبيعية لسرقة حكم
دولة :
ـ
فالسارق لصّ بالضرورة !
ـ وهو مجرم جزّار بالضرورة !
ـ وهو خائف من أصحاب الوطن
المسروق بالضرورة ! حريص على كسر
شوكتهم ، كيلا يفكّروا باسترداد
ما سرق منهم ، من سلطات ،
وصلاحيات ، وحريّات ، وكرامات ..!
ـ وهو تافه قزم بالضرورة ! يحرص
على تلميع صورته ، وصناعة حجم
مزيّف له ، يبهر به عيون الضحايا
المسروقين ! ويخلع قلوبهم ،
ويغسل أدمغتهم .. ليوجّههم كما
يشاء ، وأنى شاء !
* هل يقتضي السياق ، الترحّم على
رئيس سورية الأسبق الحرّ ، ناظم
القدسي ، الذي انتخبه مجلس
نيابي حرّ، منتخَب مِن شعب حرّ
..!؟ هل نترحّم عليه ، حين كان
يغضب من فريق حكمه ، فيغادر قصر
الرئاسة ، وكرسي الرئاسة ،
ويغادر دمشق العاصمة كلها ،
متجهاً إلى مدينته حلب ، عازفاً
عن الرئاسة ، ومسؤولياتها ،
وأعبائها .. ثم يَتبعه رجال
دولته إلى حمص ، في وسط البلاد ،
ليعيدوه إلى عمله في رئاسة
الدولة ، وهو يتأفّـف ويتمنّع ..
حتى يستثيروا فيه مروءاته ،
وحسّه الوطني ، ونبل سجاياه ..
فيقبل بالعودة إلى الرئاسة ،
على مضض !؟ هل نترحّم عليه هنا ،
لهذا كله ، أم نعتب عليه ، لأن
هذا النوع من السلوك النبيل
المتحضّر ، دون حيطة كافية ،
يجعل مصير البلاد والعباد ،
عرضة لنزوات المغامرين ولصوص
الحكم ، من كل صنف ولون ـ وهو ما
حصل فعلاً ، في تلك المرحلة
الزاهية القصيرة ، من تاريخ
الديموقراطية في سورية ، وامتدّ
إلى يوم الناس هذا ـ !؟ أم نقول
للرئيس النبيل المتحضّر ،
الراحل : لقد كنت يا دكتور ناظم ،
مشعلاً حقيقياً ، مضيئاً في
تاريخ بلادك ، لا تطفئه الزوابع
مهما عتت ، ولا قوى الظلام مهما
تكاثفت وادلهمّت ! وسيعرف كتّاب
تاريخ بلادك ، أين يضعونك من
صفحاته ، وأين يضعون الآخرين ،
ممّن تراهم اليوم ، وترى
أفعالهم ، وتعرفهم ، وتعرف
معادنهم ! وحسبنا أن نتمثّـل ،
اليوم ، بقول القائل ـ ونرجو أن
نتمثّـل غداً ، بما هو خير منه ـ
:
لقد
هُزِلَتْ ، حتّى بَدا مِن
هُزالِها كُلاها..
وحتّى سامَها كلّ مفلسِ!
ولله في
خلقه شؤون !
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|