ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 22/05/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

التربية السياسية في السيرة النبوية --2

الدكتور خالد الاحمد*

تعريف التربية السياسية :

التربية السياسية هي إعداد الفرد المسلم ليكون مواطناً صالحاً في المجتمع المسلم ، يعرف واجباته فيؤديها من تلقاء نفسه ، طمعاً في ثواب الله عز وجل ، قبل المطالبة بحقوقه ، كما يعرف حقوقه فيسعى إلى اكتسابها بالطرق المشروعة .

والتربية السياسية جزء أساس من التربية الإسلامية ، لأن التربية الإسلامية تربية شاملة للفرد والمجتمع ، وهذه التربية السياسية واجب اليوم ؛ من أجل إعداد اللبنات المسلمة الصالحة لتكوين المجتمع المسلم ، وهي ركن أساس من أركان التربية الإسلامية لأن التربية الإسلامية تشمل التربية الروحية ، والتربية العقلية ، والتربية الجسدية ، والتربية الوجدانية ، والتربية الاجتماعية ( ومنها التربية السياسية ) ، والتربية العسكرية ، والتربية الاقتصادية ...إلخ ، فالإسلام دين للفرد وللمجتمع ، ولايقوم مجتمع مسلم بدون سياسة مسلمة ، فالتربية السياسية ( تعد المواطنين لممارسة الشئون العامة في ميدان الحياة ، عن طريق الوعي والمشاركة ، وعن طريق إعدادهم لتحمل المسؤولية ، وتمكينهم من القيام بواجباتهم، والتمسك بحقوقهم ، وتبدأ التربية السياسـية في مرحلة مبكرة من العمر ، وتستمر خلال سـنوات العمر كله) ( عثمان عبد المعز ، 13 ) .

وسوف نتتبع التربية السياسية في السيرة النبويـة ، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي التطبيق العملي لكتاب الله عزوجل ، ومن السيرة نستبط الفهم الإسلامي الجماعي الصحيح لديننا ، ونحن نتهيأ لإقامــة المجتمع المســلم الذي طال انتظارنا لـه . ومن معاني التربية السياسية في السيرة النبوية الهجرة ... 

 

تعريف الهجـرة في اللغة :

 جاء في لسان العرب لابن منظور ، وتاج العروس للزبيدي مادة (هجر) الهجرضد الوصل  هجره يهجره هجراً ، وهجراناً صرمه ، وهما يهتجران ، و يتهاجران  والاسم الهجرة  وفي الحديث  ( لا هجرة بعد ثلاث )[1] .

 وأما تعريفها في الشرع ، أو الاصطلاح :

 فباختصار شديد : هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام . كما قال ابن العربي رحمه الله في أحكام القرآن  وقال ابن قدامة في المغني : هي الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام . وقال الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله - في الدرر السنية - هي : الانتقال من مواضع الشرك والمعاصي إلى بلد الإسلام والطاعة .

دروس من  هجـرة الحبشـة :

 1 ـ لم تكن هجرة المسلمين إلى الحبشة تهدف إلى نشر الدعوة فيها ، ولا إقامة حكم إسلامي ، وإنما تهدف إلى المحافظة على المسلمين ، وتوفير الجو المساعد على ممارسة العبادة دون اضطهاد .

يقول الأستاذ محمودشاكر(2/100): يجب أن تتجمع جهود المسلمين (المهاجرين) في منطقة واحدة للانتفاع منها ، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمح للمسلمين أن ينتشروا في أرض الله الواسعة ويتفرقوا كيف يشاءون ، يحاول كل منهم أن يجد المأوى يتخلص فيه من أذى قريش واضطهادها ، وإنما سمح لهم أن يهاجروا إلى أرض واحدة يعيشون فيها حياة واحدة مجتمعين ، فيها من معنى الإسلام مما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم  في مكة ، يساعد كل أخاه على حياة الغربـة والتمسك بمبادئ الإسلام والعمل بـه . وكان عثمان بن مظعون ( وقيل بن عفان ) أميراً عليهم ، فالركب يجب أن لايسير دون أمير . ثم لما وصل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مهاجراً إلى الحبشـة كان هو أمير المهاجرين في الحبشـة .

2 ـ وقال الشيخ سعيد حوى ([1]):

أ ـ هناك ناس يعتبرون مجرد التفكير في أمن الدعوة ورجالها ونسائها علامة ضعف، ويعتبرون البحث عن الأمن والأمان جريمة، وهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجروا إلى الحبشة بحثاً عن الأمن والأمان، والعبرة لإذن القيادة الراشدة وحسن تقديرها .

ب ـ هاجر الصحابة صلى الله عليه وسلم إلى قطر كافر فيه عدالة وحرية ، يستطيعون من خلالها أن يقيموا شعائر الإسلام ، وهذا يفتح أمامنا آفاقـاً واسعة في العمل والحركة . بل قال فقهاء الشافعية : لو أن مسلماً استطاع أن يظهر شعائر الإسلام في دار كفـر فالأولى لـه البقاء لأنه بذلك تصبح داره دار إسلام في أرض كفـر . والمسألة تخضع في النهاية للموازنات بين المصالح والأضرار .

ج ـ يلاحظ أن مهاجري الحبشة لم يكلفوا بأيـة مهام دعويـة على أرض الحبشـة، وهذا يفتح أمامنا باباً واسـعاً في آداب المسلم المهاجر ، فإنـه في هذه الحالة يسـعه أن يلاحظ قوانين البلد (المضيف ) وألا يتدخل في شـؤونه الداخلية ؛ إلا بالقدر الذي يسمح بـه البلد المضيف نفسـه .

3 ـ ومن دروس الهجرة إلى الحبشة ـ كما يقول الشيخ منير الغضبان ([2]) :

البحث عن قاعدة صلبة ومكان آمن آخر للدعوة غير مكة ، حيث لاتستطيع قريش مهما بلغت من عتوها أن تنهي الوجود الإسلامي في الأرض ، وهذا مايحسن أن تنـتبه إليه الحركة الإسلامية في تخطيطها حيث لاتضع كل طاقاتها البشرية والمادية في أرض واحدة ، تكون معرضة فيها للإبادة ، بل تعدد أماكن تجمعها وتواجدها  بحيث تستطيع لو فقدت موقعاً معيناً أن تنتقل إلى موقع ثان تنطلق منه وتواجه الجاهلية من خلاله .

4 ـ كما أشار سيد قطب يرحمه الله ([3]) : إلى أن القول بأن الصحابة هاجروا لمجرد النجاة بأنفسهم لايستند إلى قرائن قوية، فلو كان الأمر كذلك لهاجر أقل الناس جاهاً وقوة ومنعة من المسلمين، غير أن الأمر على الضد من هذا، فالموالي المستضعفون الذين كان ينصب عليهم معظم الاضطهاد والتعذيب والفتنةلم يهاجروا، إنما هاجر رجال ذوو عصبيات؛ لهم من عصبياتهم ـ في بيئة قبلية ـ ما يعصمهم من الأذى، ويحميهم من الفتنة ، وكان عدد القرشيين يؤلف غالبية المهاجرين، منهم جعفر بن أبي طالب، وأبوه وفتيان من بني هاشم معه هم الذين كانوا يحمون النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة المخزومي، وعثمان بن عفان الأموي، ..وهاجرت نساء كذلك من أشرف بيوتات مكة ماكان الأذى لينالهن أبداً، وربما كان وراء هذه الهجرة أسباب أخرى كإثارة هزة في أوساط البيوت الكبيرة في قريـش، وأبناؤها الكرام المكرمون يهاجرون بعقيدتهم ، فراراً من الجاهلية ، تاركين وراءهم كل وشائج القربى ، في بيئة قبلية تهزها هذه الهجرة هزاً عنيفاً ، وخاصة حين يكون من بين المهاجرين مثل أم حبيبة بنت أبي سفيان ، زعيم الجاهلية يومذاك ، وأكبر المتصدين لحرب العقيدة الجديدة وصاحبها ، يقول الغضبان : ( والملاحظ في هذه الطليعة ألأولى من المهاجرين أنها من اكرم البيوتات المكية وأعرقها ، ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يرتاد المكان هناك ، ويعرف غمكانية الإقامة لجنده في الحبشة ، ومن أجل هذا كان بينهم خيرة أصحابه ، فثلاثة من المبشرين بالجنة كانوا بين هؤلاء العشرة ، وهم عثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، وليس فيهم من الموالي أو العبيد أو المغمورين أحد ) ([4]) .  

5 ـ يقول الشيخ الغضبان (ص67) : فلم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في طلب مهاجرة الحبشة حتى مضت هجرة يثرب وبـدر وأحـد والخندق والحديبيـة حيث عقد المسلمون صلحاً مع أهل مكـة . فقد بقيت يثرب معرضة لاجتياح كاسـح من قريش خمس سنوات ، وكان آخر هذا الهجوم والاجتياح في الخندق حيث قدم عشرة آلاف مقاتل لاستئصال شـأفة المسلمين هناك ، وبعد رد الكافرين بغيظهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ الآن نغزوهم ولا يغزونا نحن نسير إليهم ] ـ البخاري ج2ص 590ــ وحين اطمأن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن المدينة أصبحت قاعدة أمينة للمسلمين ، وانتهى خطر اجتياحها من المشركين ، عندئذ بعث في طلب المهاجرين من الحبشة ، ولم يعد ثمة ضرورة لهذه القاعدة الاحتياطية التي كان من الممكن أن يلجأ إليها رسول الله  صلى الله عليه وسلم لو سقطت يثرب في يـد العـدو . وفعلاً وصل المهاجرون من الحبشة إلى المدينة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم  في خيبر فمضوا إليه هناك والتقوا بـه ووصلوا بعد فتح خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ما أدري بأيهما أسـر ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ) .

ويجدر بنا في الحركة الإسلامية التمعن في هذه المعاني ، نستقي منها التربية السياسية ، ونحن مهجرون في أصقاع الأرض ، لنعرف لماذا نحن هنا ؟ ولماذا تركنا بلدنا؟ ومتى نعود إليه ؟ وبالطبع سنعود إليه عندما يلغى المرسوم (49) ، وعندما يلغى قانون الطوارئ ، وعندما يسمح لنا بالعودة من بوابة المواطنين السوريين ، أي من غير البوابة الأمنية ، وسنعود إلى بلدنا عندما يغلب على ظننا أننا سنعبد ربنا فيه ، دون أذى واضطهاد ، ومن عبادتنا لربنا أن ندعو أنفسنا وأولادنا وأقاربنا وجيراننا وأصحابنا وزملاءنا ....ندعوهم إلى دين الله ، ونربيهم عليه، ندعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهذه الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ؛من أساسيات ديننا ، ومن هذه الدعوة إلى الله تربيـة أنفسنا وأولادنا وغيرهم على الإسلام في المساجد ، والمدارس ، والمكتبات ، والمخيمات ، والمهرجانات ، والمعارض ، والإذاعة ، والرائي ، وغيرها من وسائل الدعوة الحديثة ....وبكلمة موجزة ، عندما تقوم في سوريا حكومة ديموقراطية حقيقية لاتقصي أحداً من أبناء سوريا ، ولذلك نطالب بتغيير النظام الاستبدادي الحالي ، وتبديله بنظام ديموقراطي ...

نسأل الله عز وجل أن يكون ذلك قريباً ....والله على كل شيء قدير ..

*كاتب سوري في المنفى 


[1] ـ سـعيد حــوى ،الأسـاس في السـنة (1/255) ، ط1 ، 1409هـ /1989م ، مكتبـة دار الســــــلام بالقاهرة  .

([2]) ـ منير محمد الغضبان ، المنهج الحركي للسيرة النبوية ، (1،2،3)  ط6 ـ مكتبة المنار ، عمان ، عام(  1411، 1990 م ) ص64 .

[3] ـ سيد قطب ، في ظلال القرآن ، دار الشروق ، 29 .

[4] ـ منير الغضبان ، التربية القيادية ( 1/ 326 ) .

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ