ــ
في
الاستفتاء
دكتور
عثمان قدري مكانسي
لو سألنا : لم الاستفتاء في أمر من
الأمور ؟ كان الجواب لمعرفة رأي
المستفتى، والاستفادة مما
يُقال للوصول إلى رأي أكثر
صواباً .
فهل ينطبق هذا على ما يجري في
سورية الآن من دعوة الشعب
السوري إلى الاستفتاء على رئاسة
بشار لسورية سبع سنوات أخرى ؟
وليكن بعض جوابنا إجابات عن
أسئلة أخرى تعضد الموقف وتوضح
المقصود :
أيكون الاستفتاء على أمر قبل
إنفاذه أم بعد إنفاذه ؟
أيقبل المستفتي نتيجة الاستفتاء
لو خالفت ما قرره ؟
وهل يكون الاستفتاء للوصول إلى
الحق والعمل به أو هو حشد للآراء
بما يريد من قرار اتخذه؟
وهل يكون فرض ما يريده الآمر على
مرؤوسيه من رغبات استفتاءً ؟
وهل يستدعي الاستفتاء صرف
الأموال الطائلة ؟!
وأخيراً هل يكون فرض ما يريد
المستفتي استفتاءً ؟
لقد اتخذت القيادة القطرية لحزب
البعث - بناء على تسلطها على
الحكم في سورية قراراً منذ أن
استولت على
مقاليد الأمور في البلد
المنكوب بها – أن رئيسها هو
المرشح الوحيد لرئاسة الدولة .
وعلى هذا فلن يسمح لأحد من
المواطنين حتى لو كان من الحزب
نفسه أن ينافس الرئيس في
الترشيح لهذا المنصب . وهذا يعني
أن القرار قد اتُّخذ وانتهى
الأمر .. وليس لأحد أن يخالف وإلا
كان مصيره الغياب عن الحياة في
إحدى زنزانات المعتقلات
المنبثة في أرجاء الوطن ،
والتعذيب ، أو ينتهي إلى حفرة
طولها متران وعرضها متر يبقى
فيها إلى أن تقوم الساعة .
وحين يُتّخذ الامر فلا حاجة
للاستفتاء فيه لأنه يكون لغواً
لا طائل من ورائه ، واستخفافاً
بالأمة واستهبالاً لها .
وماذا نسمي هذه التظاهرة الضخمة
من الاستعداد للاستفتاء على
رئاسة الجمهورية إلا :
1- استعراضاً
للقوة الحاكمة في تدجين الشعب ،
والرقص على آلامه وجراحاته. فما
المسيرة المليونية إلا نوع من
قهر الأمة والتسلط المخزي لها
حين يؤمر الموظفون والطلاب أن
يقتلوا أوقاتهم في أمر قضي
وانتهى ، وما على الناس إلا أن
يقولوا سمعنا وأطعنا . وما هذه
المظاهر التأييدية الكاذبة إلا
ضحك على الذقون .
2- تأليه
الحاكم الفرد ، وإشعار الشعب
أنه لا يملك من أمره شيئاً .
وإنشاء أمة منافقة يسعى أفرادها
إلى نيل مرضاة الحاكم والتسبيح
بحمده ، مع أنه لم يقدم لها في
مسيرته خلال سبع السنوات
السابقة غير الخسارة على الصعد
الداخلية والخارجية العربية
والعالمية ، كما أنه لم يكن له
برنامج معلن يحققه أثناء توليه
السابق واللاحق ، ولن يستطيع
أحد أن يذكر برنامجاً حدده بشار
أثناء ولايته السابقة ولا
اللاحقة .
3- إن الدول
التي تحترم نفسها والشعوب الحرة
لا ترضى أن يُسلب حقها في حاكم
تختاره من بين المرشحين الذين
يطرحون برامجهم عليها لتختار
حاكمها من بين الأكثر نضوجاً
والأصدق وعوداً ، ثم تحاسبه بعد
ولايته على ما فعل بأن تجدد له
أو تسقطه وتسائله عما فعل وخطّط
، ولا يعرف الفائز في
الانتخابات فوزه إلا بعد فرز
الأصوات ، أما في سورية ، فما من
مؤسسة صغيرة أوكبيرة إلا يتبارى
المسؤولون فيه ومن دونهم إلا
التسبيح بحمد الحاكم الذي أعلن
مجلس الشعب انتخابه قل أن يدخل
قاعة المجلس ! فالأوامر هكذا
صدرت إليه وما على أعضائه "
المعينين " – فآخر
الإحصائيات أعلنت أن نسبة
المنتخبين لم تتجاوز خمسة
بالمئة – إلا أن يبصموا .. وهكذا
كان .
4- والمحزن
حقاً أن الحاكم الفرد في بلادنا
على الرغم من استلابه كرسي
الحكم يلذ له أن يصرف أموال
الأمة على التهليل له والتكبير
، ففي كل يوم يُصرف على مهزلة
الاستفتاء – كما ذكر المطلعون
– خمسون مليون دولار
، واضرب الخمسين يوماً
التي تسبق الاستفتاء بخمسين
مليون دولار لترى الخسارة
الفادحة لشعب منكوب بحكامه
الفاسدين . ولا ننس أن نسبة
الفقر في سورية عالية ،
والبطالة متفشية أرغمت الشباب
على الهجرة إلى البلاد العربية
الخليجية والدول الأوربية
للبحث عن الرزق
، في حين يتبطر الحاكم
وبطانته في الإسراف والتبذير
على استفتاء هزلي يجعل قلوب
الجماهير تقطر
ألماً ودماً ويجعل دخلهم
ينكمش ويقل . فهل يستحق هذا
الإسراف إلا الحجر على أصحابه ،
والشك في عقولهم وتصرفاتهم ؟! .
5- إن كثرة
الاحتفالات دليل على فراغ
الحاكم وسوء إدارته ، وهو بهذا
يغطي على ضعفه هذا بإشغال الناس
فيما لا يفيد
وإلا فما معنى أن تجد
الملصقات التي تمجد بذاته
بادعاءات كاذبة تملأ كل زاوية
وركن ، وكل شارع وزقاق ، ويجند
لها جيوش من العاملين ،
والنتيجة واضحة لا تحتاج ذكاء
ولا فهماً !!
عهدنا بالشعب السوري عاقلاً
حكيماً ،
وحراً نبيلاً . لا يرضى أن تحكمه
فئة ضالة ، ولا لصوص متنفذون
سرقوا البلاد ، وظلموا العباد
.........
إذا الشعب يوماً أراد الحياة ...... فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليـل أن ينجــلي .....ولا بد للقيـد أن ينكسـر
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|