ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 29/05/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

البريق الروسي الجديد !

بقلم كاظم محمد

من خلال رصد الاحداث والمتغيرات الدولية خلال السنوات القليلة المنصرمة، وخاصة بعد تداعيات النهج السياسي والعسكري للأدارة الامريكية على الأمن والسلام العالمي، وعلى المصالح الوطنية والقومية لشعوب بلدان كثيرة، أصبح واضحآ، التململ الدولي وعدم القبول بطبيعة الاجواء الاقتصادية والسياسية والعسكرية السائدة، والتي وإن كانت كنتيجة محتومة لمنطق الامبريالية وشراهة وجشع شركاتها العابرة للقارات، وخاصة بعد أن وجدت إدارتها السياسية نفسها في موقع المتفرد  في امتلاكها لمصادر القوة العسكرية والاقتصادية، وبعد ان خرجت منتصرةً من حرب باردة، إلا ان انكفاء بعض البلدان وانضواء اخرى تحت جناح النظام العولمي الامريكي، قد ساعد في ان تبسط ادارة الحرب الامريكية (شرعيتها) وتكرس ترتيبات نظامها، وتوزع  نتائج تداعياته العالمية في حدودٍ معينة، مستغلة ابشع الاستغلال تداعيات الحقبة الوطنية ما بعد الاستقلال لبلدان الحوض النفطي خاصة، وما رافقها من استبداد سياسي ولحد الان، ولعقود طويلة لنظم حكمٍ تسلطية، توافقت شروط بقاءها مع المصالح الامبريالية السياسية والاقتصادية.

 

لقد انعكست ترتيبات النظام العالمي الجديد (نظام العولمة الامبريالي)، وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، انعكست عميقآ بتأثيراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على بلدان العالم المختلفة، وعلى هيكلية النظام الدولي ومؤسساته الدولية، وعلى طبيعة التوازن الذي كان سائداً بثنائية القطبية الى نظام القطب الواحد، الذي يحاول فرض اجندته المختلفة عالمياً.

  

ان بلدان كثيرة قد تضررت من هذه المتغيرات، ومعها مجتمعاتها الوطنية، وفي الوقت الذي ازدادت  تبعية النخب الحاكمة والمقطوعة عن شعوبها لسيدها الامريكي، فأن نُخب جديدة، فكرية وسياسية وثقافية، والتي تلبست لبوس الليبرالية المسخ  وتسلمت توكيلها من الليبراليين الغربيين الجدد في التوطئ لأقدام العولمة الامريكية، كانت هذه النخب ولا زالت مستعدة لبيع نفسها واوطانها للأمبراطور الاوحد، وتحت عناوين العولمة السياسية، كالديمقراطية وحقوق الانسان، والتي اصبحت الان من مهازل القرن الواحد والعشرين.

 

ان هذه النُخب(الليبرالية) وبجذورها الارتدادية، وتوافقاتها السياسية مع راس المال الامبريالي، وباعتمادها محلياً على المافيات بمختلف اختصاصاتها الاجرامية، حولت بلدانها الى مزرعة مشاعة لشركات العولمة الشرهة، وعرضت كل تاريخ وثقافة وثروات اوطانها امام من يدفع، وبذلك فهي حاولت وتحاول  شرعنة وقنونة عملية النهب اللصوصي عبر مؤسسات (سيادية) اقامها لها او ساعدها في اقامتها سيد العالم الجديد بالضغط والابتزاز والاحتلال المباشر.

 

كانت هذه السياسات ولا زالت تشكل وبالاً على المجتمعات التي ابتلت بها، فازداد الفقر بارقام فلكية وخسرت الفئات الشعبية الضمانات التي تمتعت بها في ظل حكومات وطنية مختلفة الاداء السياسي، وفي ظل انظمة تسمى اشتراكية، وتراجعت الرعاية الصحية، وازداد عدد العاطلين عن العمل، وخربت البنى التحتية  وفككت المصانع والورش وبيعت بابخس الاثمان لحاشيات السلطة واتباعها، ليعاد نصبها وتشغيلها تحت عناوين الخصصة والاستثمار، ولتدفع القروض الهائلة لأصحابها الجدد للتحديث والتشغيل من عرق وجيوب الفقراء.

 

كان لسقوط الانظمة الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي اثره المدوي عالمياً، وكذلك داخلياً على الدولة الروسية وشعوبها، وكان لابد لهذا الحدث ان يهز المرتكزات التي بنيت عليها السياسات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وهو بنفس الوقت عملية تقويض لنمط انتاجي، كان يسمى (اشتراكياً) وهو في حقيقته لم يتجاوز رأسمالية الدولة الوطنية، التي افرزت اطرها وقيمها وثقافتها، وكرست عبر احزابها القائدة لسلطة الدولة، دكتاتورية الحزب الواحد، وصورية اجهزة ومنظمات الرقابة الشعبية.

 

ان تداعيات انتهاء الحرب الباردة قد فعلت فعلها، واحدثت تأثيراتها العالمية، وتركت بصماتها على الاحداث التي تلتها، في الوقت الذي شهدت فيه بلدان المنظومة الاشتراكية سابقآ، وخاصة  روسيا مخاضات عسيرة في سياق تفاعلات التغيير ومحاولة الانسجام مع متطلباته السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبأقل الخسائر الممكنة، والتي لم تكن بعيدة عن محاولات الدوائر الغربية في تعميق سلبية هذه المخاضات، لخلق الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي امكن من خلالها تمرير الاتجاهات المطلوبة غربيآ في تكسير اجنحة القوة العظمى سابقاً، ومحاولة تفتيت مكوناتها الاجتماعية والجغرافية، ومما ساعد في ذلك طبيعة النخب السياسية التي سيطرت على السلطة السوفيتية، والكيفية التي تعاملت بها مع الضغوط الامريكية  للاصلاح والانفتاح وتفكيك الاتحاد القائم، وبين الاهتزاز الداخلي وحالة التشظي ومتطلبات الخيارات الوطنية في الحفاظ على منجزات شعبية يمكن البناء عليها لضمان التحول البناء اجتماعيا واقتصاديا، ولم يكن يلتسن بافضل من غورباتشوف في قيادته لروسيا الاتحادية التي شهدت الماساة الحقيقية لسقوط العملاق الروسي. حيث عمل اصحاب النظام الجديد على تسخيف كل ما حققه الشعب الروسي وحقروا تاريخه، وسفهوا رموزه وباعوا حتى مصانعه كخردة للشركات اليابانية والغربية.

 

ان روسيا اليوم، وهي تنهض من جديد،  تسير بإتجاه ترسيخ الوطنية الروسية والتذكير بمكانتها المفقودة، وتؤشر لإستعادة دورها الإقليمي والعالمي، وفق صيغ جديدة متوائمة مع متغيرات ما بعد الحرب الباردة واسسها الأيديولوجية والاقتصادية.                                                          

 

لقد عمل بوتين وفريقه الحكومي المدعوم من حزب روسيا الموحد، والذي حقق نجاحاً كبيرا في فوزه ب306 من المقاعد في انتخابات مجلس الدوما الاخيرة، عمل  على اضعاف وتقييد وضرب اسس النظام الليبرالي العهري الذي حاول يلتسين تكريسه سياسيا واقتصاديا، والذي مهد الطريق  لبيع روسيا للغرب وشركاته الكبرى و(مستثمريه)، وتحويل مفاصل النظام الاقتصادي والسياسي الروسي الى محاور تخدم في حركتها الراسمالية الاوليغارشية، وهوامشها من المنتفعين والمافيات السياسية وصائدي الثروات، الذين لا يتورعون عن فعل اي شيئ في سبيل مصالحهم النفعية والانانية.

 

ومنذ استلام فلاديمير بوتين لمقاليد السلطة في موسكو، ظهرت بوادر بلورة استرتيجية جديدة تختلف في اسسها ومبادئها عن نزعة نظام يلتسن في تقديم روسيا على طبق من فضة للغرب وشركاته، وكان أعلان بوتين عند انتخابه رئيسآ للبلاد، بأن المهمة الاساسية للسلطات الروسية هي مضاعفة الانتاج المحلي، اولى بوادر ملامح هذه الاستراتيجية والتي بدأت خطوطها العريضة تتضح مع توفير الياتها السياسية والاقتصادية والقانونية. حيث اتخذت الأجراءات والقوانين المناسبة للسير بهذه الاستراتيجية الوطنية في طريق انتشال روسيا من اثار السياسة اليلتسنية السابقة، وبدأت اسس بناء المانع الوطني الذي يسمح بصد المحاولات الغربية والامريكية خاصة بزعزعة نظام الحكم الروسي واظهاره كنظام منخور وفاسد، يستدعي الوصايا والنصح وفرض الاجراءات التأديبية عليه، لذلك كانت مهمة ترتيب البيت الداخلي من المهام التي تصدى لها النظام الجديد، فعمل سياسيا على تشجيع وتنشيط المجتمع المدني غير المفتعل والمدعوم خارجيا، مجتمع مدني يستجيب لظروف التحول الاجتماعي والسياسي الروسي، ويساعد ويراقب نظام الحكم في خلق وترسيخ القاعدة الجديدة لطبيعة هذا التحول، في الوقت الذي استطاعت الحكومة الروسية  توجيه ضربة للمافيات السياسية وامتداداتها الاجرامية واللصوصية، وتوفير مستلزمات النهوض والدعم للرأسمال الوطني وتاكيد دوره في الحياة الاقتصادية والسياسية، ودفعه لتطوير ثروته ومساهمته في التنمية الوطنية.

 

لقد كان للدعم المقدم لمتوسطي وصغار رجال الاعمال بخفض الرسوم والضرائب، دوره في خلق واطلاق نشاط اقتصادي واسع في مجال الزراعة  والتجارة، وهذا ما ترك اثره في طمئنة الطبقة الوسطى الناشئة، بان افاق نشاطها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي مكفول قانونآ ومدعوم حكوميآ، ومما عزز الارضية الاجتماعية للتحولات التي تقودها الحكومة، وحسر الى حدٍ ما تاثير فعالية القوى اليمينية وليبرالي الانفتاح الغير محدود، وترافق ذلك مع اجراءات واصلاحاتٍ في هيكلية الادارة الاقتصادية وتوجهاتها الوطنية، والتي كما يبدو قد حققت استفادة كبيرة من التجربة الصينية في الانفتاح الاقتصادي المتدرج والموجه من راس هرم الدولة، في ان يكون لها القدرة في التحكم  بمفاصل الطاقة والصناعات العسكرية، كونها ذات طابع استراتيجي امني وسياسي، في الوقت الذي وفرت الفرص الكبيرة للأستثمارات المحلية والاجنبية، لينعكس تأثير هذا التوجه واضحآ في 2006 بتسجيل الناتج المحلي الروسي نمو بمقدار 6,8% بعد ان زادت عملية اقراض المشاريع الزراعية الصغيرة الى عشرمرات بالمقارنة مع عام 2005، حيث بلغت القروض المقدمة 1,2 مليار دولاروعدد الذين اقترضوا عام 2006 بلغ 140 الف مقترض، وهذا ما انعكس على الانتعاش العام في القطاع الزراعي مما ادى الى ان روسيا ولأول مرة تكتفي ذاتيآ من زراعة الحبوب وتسد النقص في منتجات الالبان واللحوم، اما في المجال الصناعي الذي حقق زيادة بنسبة 4% في مجالاته المختلفة وبالاخص منها انتاج النفط والفحم، فقد ادى الى التحسن المضطرد في الاقتصاد الروسي، خاصة وان اداءه التجاري سجل تطورا واضحآ بزيادة قدرها 27% وبلغ اكثر من 468 مليار دولار، وان فائض الميزان التجاري الخارجي بلغ 18,9% اي بمقدار 140 مليار دولار مقارنة بالعام 2005 (حسب تقرير البنك المركزي الروسي) الذي نشرته مؤخرآ وكالة انباء نوفوستي.

 

أن اتجاهات الأصلاح التي قادها بوتين، تؤشر الى عملية صيانة الدولة الروسية وتعزيز هيبتها الوطنية ودورها في المجتمع، أضافة لخوضه تكتيكآ سياسيآ واقتصاديا خارجيا يصب في صالح استراتيجيته الوطنية  الذي  ساعد هذا التطور الاقتصادي الروسي على تكريسه، ووفر البيئة السوقية المدعومة سياسيا لزيادة تدفق الاستثمارت الاجنبية لروسيا الاتحادية، وحسب الهيئة الفيدرالية الروسية للأحصاء، فأن حجم هذه الاستثمارت قد قفز الى 130 مليار دولار عام 2006 بزيادة 34% صمنها 41 مليار من راسمال القطاع الخاص الذي تدفق، وهذا مما يعزز الثقة في الامكانيات الهائلة لمستقبل الاقتصاد الروسي وحاضنته الدولة، التي تحتل اليوم المرتبة الثالثة عالميا من حيث حجم احتياطي الذهب والعملات الصعبة بعد اليابان والصين، إذ بلغت ما قيمته 303 مليار دولار، ويشكل اليورو نسبة 40% من هذا الاحتياطي.

 

لقد انخفض معدل التضخم عما كان في 2005، وازدادت المداخيل بنسبة 10%، وانخفضت البطالة بنسبة 4,9%،  وساهم انخفاض الديون الروسية بنسبة 31% بزيادة قدرة التراكم وتعزيز صندوق الاستقرار الوطني والذي تدعمه الحكومة، والتي بلغت موجوداته 89 مليار دولار، حيث تأمل الحكومة زيادة حجمه الى 150 مليار دولار، لتامين الاقتصاد الروسي من تقلبات السوق العالمية غير المتوقعة.

 

ان تسارع وتائر التنمية الاقتصادية، قد عزز من الخطوات المتخذة للأستفادة القصوى من الموارد بأتجاه زيادة القدرة التنافسية، عبر تحديث الصناعات التحويلية وتهيئة الظروف لتحولات اعمق بتفعيل الاقتصاد، الذي سيزداد حجمه وتتعدد اختصاصات فروعه وارتباطاتها مع اقتصاديات دول اسيا واوربا بشكل خاص.

 

ان انضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية، والوضع في الشرق الاوسط والقضية العراقية، وكذلك الملف النووي الايراني، وقضية اقتراب حلف الناتو من الحدود الروسية، ومسالة نشر الدرع الصاروخي في اوربا الشرقية، هي خلافات روسية امريكية، يصعب الحديث عن تجاوزها او حلها في ظل ادارة الرئيس بوش، حيث تعاملت روسيا معها  بحذر تارة وبأسلوب الصدمات الخفيفة تارة اخرى، وكان الرد الروسي الاخير بتعليق العمل بمعاهدة الانتشارالعسكري للقوى غير النووية في اوربا، رسالة واضحة وذات مغزى سياسي مهم في مواجهة المتعطشين من ارباب المجمع الصناعي العسكري الامريكي، في اشغال الروس بسباق تسلح جديد ليس لأقتصادهم في طوره الحالي القدرة على تحمله بنشر شبكة الدفاع الصاوخي في بولونيا والتشيك.

 

وبقدر ما فهمت اوربا هذه الرسالة، فأنها تدرك الان فعالية بعض الاوساط المقربة من الصهيونية العالمية في وسط وشرق اوربا، في امركة سياسة هذه البلدان رغم انتمائها الاوربي، وجرها الى التبعية الامريكية وتوريطها في فعل السياسات التي تخدم مصالح المجمع الصناعي العسكري الامريكي واسرائيل.

 

لذلك كانت الدبلوماسية الروسية نشطة  ليس فقط في تقويض الحجج الامريكية، بل في استمالة بعض الدول الغربية لصالح التوجه الروسي في بعض المنتديات الاقتصادية والسياسية، وعمل اللوبي الروسي الحكومي وغير الحكومي الذي دعمه بوتين بقوة على تنشيط العلاقات السياسية والاقتصادية مع العديد من الدول الغربية، وكذلك تنشيط  مجلس التعاون الاقتصادي الروسي الامريكي في تاثيره لصالح  زيادة الاستثمارات البعيدة عن الاشتراطات الحكومية، والتي ترتبط بالاساس مع متطلبات ادارة بوش في تعاملها السياسي والعسكري مع الازمات الاقليمية والقضايا المعلقة دوليآ، اضافة الى اهدافها الاستراتيجية البعيدة في بسط السيطرة الكونية نوويآ ومحاصرة روسيا بقواعد الناتو، وتقليم ظوافرها النووية،

 

لقد ساعد انشغال الولايات المتحدة في مازقها في العراق وافغانستان، وتعثر سياساتها ومشاريعها في الهيمنة والفرض، ساعد روسيا في ترتيب اوضاعها الداخلية، وسمح لروسيا ومع عدد من الدول الاخرى بان تُعلم لرفض دولي وبشكل مبكر لنهج بوش وادارته في الهيمنة والتعامل مع الازمات الدولية، مٌقترن بتراكم كمي ونوعي في حالة البناء الوطني الروسي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، مهد الطريق لأتخاذ مواقف سياسية تصاعدية علنية بالضد من هذا النهج الذي يشيع اجواء معيقة لإنطلاقة وتطور اقتصاديات تعتبرها واشنطن منافسآ استراتيجياً، والتي ربما تسلبها صفة الاقتصاد الاول  في السوق العالمي، والذي يستدعي محاصرة احتياجاتها من الطاقة ومصادرها والتحكم  بها  لإجبارها بالتبعية السياسية لرغبات واهداف طغمة الحرب الامريكية، فكان الرد الروسي واضحاً في ميونخ وقبلها في بترسبورغ، والذي ترافق مع حرص بوتين وحكومته في زيادة وتطويرعلاقاتها الاقتصادية والسياسية مع اوربا، دون السعي للإنضمام تحت مظلتها، ومد جسور التفاهم والشراكة مع الصين واليابان وعززت من تعاونها مع الهند، واتجهت الى بعض البلدان العربية لتضع اسس علاقات جديدة، عنوانها البارز هو المصالح المشتركة.    

 

ان ما فعلته روسيا، كما العديد من دول العالم، بعد انتهاء الحرب الباردة واندفاع المارد الامريكي الذي خرج منتصراً منها  حيث إنكفأت ورواغت لأمتصاص الصدمة، ولتعيد حساباتها وتهيئ مستلزمات النهوض القادم، بعد  انهاك هذا المارد وبعد ان يكون العامل الذاتي الروسي قد استجاب لعملية البناء الداخلي ومتطلباتها الاجتماعية والسياسية، لينهي بها قيلولة الدب الروسي، ولينفض عن فروته عوالق التحول وتداعياته.



ان العجز الاوربي في بلورة آلية للتعاطي مع المتغيرات التي تفرض نفسها رويدا رويدا، ارتبط دومآ وبرغم الخلافات الثانوية، بالتبعية للولايات المتحدة الامريكية ومجاراتها في سياساتها الدولية،  والتي نشأت في ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة، ورغم ان اوساطاً اوربية عديدة تحاول تفكيك هذه التبعية او اضعافها، إلا أن اوساطآ اخرى تغذيها فكرياً وسياسياً واعلامياً، وتحت ذرائع مختلفة، منها الاخطار التي التي تتعرض لها مصادر الطاقة وخطر (الاسلام المتطرف) الذي ظهر بعد زوال الخطر الشيوعي، وهي في حقيقتها تعبر عن تشابك المصالح المالية وامتداد تأثيراتها السياسية، وهي بنفس الوقت ليست ببعيدة عن تأثيرات اللوبي الصهيوني في هذه البلدان، في ان تظل البلدان الاوربية تابعآ سياسيا، يفتقد الى استراتيجيته الواضحة في التعامل مع المشاكل الدولية وازماتها، وخاصة منها قضايا الشرق الاوسط  والعلاقة مع روسيا، التي خضعت وخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي لفلترةٍ امريكية لم تستطع الصمود امام المغريات التي وفرتها السوق الروسي لبعض الأستثمارات الاوربية، والتي فتحت المجال واسعآ لعلاقات اقتصادية ضخمة مع المانية وبريطانيا وفرنسا وهولندا وسويسرا، وهذا ما ساعد ويساعد روسيا في تمييز نفسها وموقفها المشجع بهذا القدر او ذاك لشعاع سياسي اوربي مستقل، تميز ببعض المواقف من الحرب على العراق وتداعياتها وكذلك في الحرب العدوانية على لبنان والموقف من اتفاق مكة بين عباس وهنية.

 

لم تكن روسيا بوتين تسعى للدخول في الاتحاد الاوربي، بقدر ما كان سعيها للتوافق مع الدول الرئيسية التي تمتلك التأثير والنفوذ الاقتصادي فيه، لخلق حالة من الانسجام الدولي التي تسمح بفرملة الاندفاع الامريكي وصده، وما كان خطاب بوتين امام مؤتمر ميونيخ في 10-2-2007، وبما تضمنه من هجوم حاد على الادارة الامريكية ونهجها المرفوض، إلا  دق ناقوس الخطر للدول الاوربية في عقر دارها، لما يمثله هذا النهج من اضرار بمصالح الامن والاستقرار، وهو تحفيز لها باستقلالية الموقف والدور.

 

لقد لخص الرئيس الروسي نهج روسيا الجديدة،  في طي مفاهيم الدول العظمى والحرب الباردة وصراع الايديولجيات، ودعا الى مناخات دولية جديدة، تزدهر فيها التعددية وتحترم فيها خيارات الشعوب ويكرس فيها الحوار وتوازن المصالح، والذي سيعطي ثقة اكبر في العمل من اجل سلام عالمي شامل تلعب فيه المنظمات الدولية دورا يتعزز باحترام الدول والشعوب لها.

 

ان هذا البريق الروسي الجديد الداعي الى التخلي عن المواجهة وسباق التسلح، والمؤكد للمسؤولية الدولية المشتركة، يشير الى جانب الصعود المتزن للصين اقتصادياً وسياسياً، ان السنين القليلة القادمة ستشهد مناخاً سياسياً واقتصادياً دولياً مختلفاً، تترسخ فيه تعدد القطبية الدولية، وتلعب فيه روسيا الى جانب الصين دورآ متميزآ في خلق اسس جديدة لنظامٍ عالمي تنحسر فيه سياسات الهيمنة والقوة العسكرية لنهج الادارة الامريكية، لذلك ليس مستغربآ ان يدعو احد مفكري واقطاب السياسة الامريكية السابقين (هنري كسينجر)، يدعو الادارة الامريكية الى التفاهم مع الصين حول النظام العالمي الجديد، كون الصين اصبحت تمتلك كل مقومات الدولة العظمى، وهو بهذا يدعو الى تفاهمات استباقية منفردة مع دولة واحدة قبل ان تكون امريكا مضطرة للخضوع لنظام عالمي جديد تفرضه دول متعددة وفي مقدمتها روسيا، تخسر فيه الولايات المتحدة او تضطر للتنازل عن الكثيرمن خلاله.

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ