ــ
أبهذا
ينصر العرب والمسلمون
الشعب
الفلسطيني؟!
أ.د.
محمد اسحق الريفي
يميل
كثير ممن يتناولون الأحداث
المأساوية التي تدور رحاها في
الساحة الفلسطينية إلى تبسيطها
وتسطيحها، واختزالها في مشاكل
عرضية، والنظر إليها من زاوية
عاطفية بحتة دون محاولة جادة
لتشخيص أسبابها الحقيقية
وتحليل مضمونها والكشف عن
أهدافها، بينما يسعى آخرون إلى
طمس حقيقة هذه الأحداث وتوظيفها
فئوياً وسياسياً، وبين التسطيح
والتوظيف تضيع الحقائق،
وتتفاقم مأساة الشعب
الفلسطيني، وتؤتي الخطة
الأمنية الأمريكية ثمارها
الخبيثة.
ومن
البديهي القول أنه لا يمكن نزع
هذه الأحداث من سياق الواقع
السياسي للمنطقة وتداعياته
الخطيرة على قضية الشعب
الفلسطيني، فهي ليست وليدة
اليوم، بل كانت في الأجندة
الصهيوأمريكية منذ سنوات. وهي
ليست مجرد أحداث عرضية عابرة،
بل هي أحداث تراكمية لها جذورها
الضاربة في أعماق التآمر على
الشعب الفلسطيني، وهي نتيجة
حتمية لمجموعة معقدة ومتشابكة
من الظواهر الاجتماعية
والسياسية والاقتصادية التي
نشأت في ظلمة الاحتلال.
إن شعباً يحظى بشرف الرباط في
أرض الإسراء والمعراج، ويقف
وحيداً في وجه المشروع
الصهيوني، ولم تمزق نسيجه
الاجتماعي المذهبية والطائفية
والعرقية، وتجمعه وحدة المصير
والمستقبل والثقافة والتاريخ،
كان أولى له أن ينتظم في جبهة
واحدة ضد الاحتلال والأمريكان،
ولا يكون بينه وبين أعدائنا غير
المفاصلة الشاملة، ولا يحاورهم
إلا بالحراب وحد السيف، ولا
يقبل التساوق مع خططهم الرامية
إلى مصادرة أرضه وحقوقه.
وما
كان لهذه الأحداث المؤسفة أن
تقع لولا وجود فئة فلسطينية
مارقة تقاطعت مصالحا الشخصية
والفئوية مع الأجندة
الصهيوأمريكية الرامية إلى كسر
شوكة المقاومة وإذلال شعبنا،
تمهيداً لتركيعه وإجباره على
الاستسلام. وأصبحت
هذه الفئة شريكاً للمجتمع
الدولي في مشروعه السياسي
المناقض لطموحات شعبنا وأهدافه
وحقوقه، وتحولت إلى أداة
للاحتلال والإدارة الأمريكية
في حربها ضد حركة حماس وثقافة
المقاومة.
لذلك ليس عبثاً أن تحظى هذه
الفئة بدعم الإدارة الأمريكية
وحلفائها العرب، فإن هذا الدعم
لا يأتي إلا في إطار المحاولات
الأمريكية والعربية الرسمية
لإزاحة حركة حماس عن الحكم،
وتقويضها، والقضاء على جهاد
شعبنا، وإنهاء مقاومته
للاحتلال. فالولايات
المتحدة الأمريكية لا تألو
جهداً في ممارسة كافة الضغوط
الوحشية على شعبنا، وتناصبه
عداء صريحاً، وفي المقابل، تقدم
كافة أنواع الدعم لكيان
الاحتلال الصهيوني منذ نشأته.
وما
جاء هذا التأييد الأمريكي
والعربي الرسمي لهذه الفئة حباً
فيها، أو حرصاً على مصالح الشعب
الفلسطيني، وإنما جاء حقداً
صهيونياً وأمريكياً على شعبنا
وتآمراً عليه، وجرياً من تلك
الفئة وراء مصالحها الشخصية أو
الفئوية الضيفة.
إن
الإدارة الأمريكية تسعى إلى
إغراق شعبنا في الضفة الغربية
وقطاع غزة في دوامة من العنف
الدموي والفوضى والفلتان،
ليتسنى لها تشويه صورة حركة
حماس والمقاومة الفلسطينية،
وإقناع الشعوب العربية
والإسلامية بعدم جدوى المقاومة
في وجه المشاريع الأمريكية
والصهيونية، وأن الاستسلام هو
الطريق الوحيد للعيش في أمن
وسلام تحت رحمة الصهاينة
والأمريكان.
ويبدو
أن نسبة من العرب والمسلمين قد
وقعوا فعلاً في الشرك الأمريكي،
وبدأوا يتذرعون بما تشهد فلسطين
من أحداث للتنصل من مسؤوليتهم،
وأخذوا يسلقون الشعب الفلسطيني
بألسنة حداد، وذلك من بعد صمت
طويل لم يبرحوه برهة حتى أثناء
مقارفة الاحتلال أبشع المجازر
ضد الشعب الفلسطيني وتدنيسه
المسجد الأقصى المبارك...!!
إن
عجز العرب والمسلمين تجاوز كل
حد، فلم يتوقف الأمر عند عدم
القيام بواجب النصرة للشعب
الفلسطيني العربي المسلم، بل
تجاوز ذلك كثيراً إلى عدم
الاهتمام بالقضية الفلسطينية
وما يواجهه شعبنا من مكائد
ومؤامرات. فالأحداث
الخيرة كشفت مدى عجز العرب
والمسلمين عن إدراك حقيقة الوضع
الفلسطيني، الأمر الذي يفقدهم
التعاطي معها بموضوعية
وإيجابية وفاعلية.
فإذا
كان الله عز وجل قد أنعم علينا
بعقول "فذة" فلماذا نجعلها
أجهزة لاستقبال الدعاية
السوداء التي تمارسها
الفضائيات وأجهزة الإعلام –
الممولة أمريكياً – وأوعية
لإشاعاتها وافتراءاتها، ولماذا
نعجز عن معرفة حقيقة ما يجري في
فلسطين؟! وإذا كنا أصحاب أقلام
وألسنة فلماذا لا نشهرها في وجه
الاحتلال والأمريكان و نسخرها
لخدمة قضية العرب والمسلمين
الأولى...؟!
ولماذا
لا يملك العرب والمسلمون غير
صناعة طوق نجاة من بكائهم
وعويلهم لإنقاذ الشعب
الفلسطيني من مؤامرة الاحتراب
ومكائد الاحتلال والأمريكان؟!
ولماذا لا يحاول العرب
والمسلمون مواجهة الأسباب
الحقيقية التي تزج بشعبنا في
أتون حرب أهلية؟! بل ماذا فعلت
الشعوب العربية والإسلامية
لكسر الحصار الاقتصادي الظالم
الذي تشارك فيه أنظمة حكم عربية
ويعد من أهم أسباب اندلاع هذه
الأحداث المؤسفة؟!
لقد
استمر الاحتلال، على مدار أكثر
من عام، في إطلاق تهديداته بشن
هجوم واسع على قطاع غزة وتدميره
على غرار ما فعل في جنوب لبنان،
ولم نر بياناً واحداً من العرب
والمسلمين، شعوباً وحكاماً،
يتوعدون فيه الاحتلال بمظاهرة،
أو حتى بيان استنكار ضد هذه
التهديدات التي بدأ
الاحتلال في تنفيذها ضمن
خطة متدحرجة – كما يصفها
الصهاينة – قد تستمر أشهراً
لتحصد أرواح آلاف الفلسطينيين.
فهل
استمرأ العرب والمسلمون الصمت
حيال جرائم الاحتلال المتكررة،
أم أن تعرض الشعب الفلسطيني
لهذه الجرائم قد أصبح أمراً
عادياً ومقبولاً ولا يحرك فينا
ساكناً ولا يثير فينا نخوة...!!
لماذا
نتعامى ونتجاهل الأسباب
الحقيقة التي أوصلتنا لهذا
الوضع المأساوي، ولماذا نرفض
إلقاء المسؤولية على الجهات
التي تعبث بمصير شعبنا ومستقبله
وتلك التي تدعمها وتقف ورائها؟
ولماذا نصور الوضع على أنه صراع
على الكراسي والمناصب ونختزله
في محاصَّة وزارية...؟!
لذلك
لا أجد عذراً لمن يجهل حقيقة هذه
الأحداث المؤلمة أو يتعامى
عنها، ويجعل من قلمه سوطاً
غليظاً يجلد به الشعب الفلسطيني
عن بكرة أبيه دون تمييز، وينثر
كلامه سماً على الجرح الفلسطيني
الغائر، ليزيد شعبنا هماً وغماً.
ولا أجد عذراً لمن عَدِمَ
وسيلة الوقوف في وجه المشروع
الصهيوأمريكي في المنطقة، ومن
عجز عن نصرة الشعب الفلسطيني،
ومن اختلطت عليه الأمور وعجز عن
إدراك الحقيقة، ومن سخر عقله
وقلمه ولسانه لنصرة الباطل.
فذنب
من يتعامى عن حقيقة هذه الأحداث
المؤلمة لا يقل عن ذنب من يسيء
تفسيرها متعمداً ويستغلها
دعائياً، لينال فوزا في جولة
للتعصب الحزبي الأعمى على مصير
شعب يعيش تحت وطأة الاحتلال
ويلقى منه صنوف الذل والمهانة.
إن
آفاق العمل من أجل القضية
الفلسطينية واسعة ولا حدود لها
إلا العجز وقلة الحيلة، ووسائل
نصرة الشعب الفلسطيني عديدة
ومتوفرة، وأول خطوة في هذا
الميدان تبدأ من الدول العربية،
حيث الأنظمة التي تمنع الأموال
عن شعبنا وترسل شحنات السلاح
والعتاد العسكري لتلك الفئة
المارقة، استجابة للإدارة
الأمريكية، لتقمع شعبنا وتخضعه
للاحتلال والأمريكان.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|