ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 02/06/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

الفقه عبر فوهات البنادق

الطاهر إبراهيم*

يروى أن "أبا يوسف" تلميذ أبي حنيفة شعر أنه بلغ من الفقه مبلغا يؤهله أن يكون صاحب حلقة يجلس إليه فيها طلاب ومريدون، وأن يستقل عن أستاذه أبي حنيفة. فوجئ أبو حنيفة يوما أن في المسجد حلقة أخرى غير التي يلتف فيها حوله تلامذته، وأن شيخ الحلقة هو"أبو يوسف". فأرسل له رقعة كتب فيها السؤال التالي: إذا دفع رجل قطعة قماش لخياط ليخيطها له فخاطها وغصبها من صاحبها ثم أعادها إليه بعد مدة. فهل يستحق أجر خياطتها؟ ثم قال للرسول: إن قال لك يستحق الأجر، قل له أخطأت. وإن قال لك لا يستحق فقل له أخطأت. عندها أسرع "أبو يوسف" –وهو أحد إمامين قام عليهما المذهب بعد أبي حنيفة- معتذرا من أستاذه الذي قال له: إن كان غصبها ثم خاطها لنفسه فلا يستحق الأجر. وإن كان خاطها ثم أعجبته فغصبها ثم أعادها فإنه يستحق أجر الخياطة.

تذكرت هذه القصة وأنا أرى وأسمع كل يوم تسجيلا وصل إلى "الجزيرة" –من دون أن تتأكد من صدق التسجيل من جهة محايدة- يقول أحدهم فيه رأيه، ليس بما تفعله أمريكا في شعب العراق، بل ليلقن فيه الفصائل الإسلامية ممن لا تدين له بالولاء، دروسا في الجهاد وقتال الصليبيين والمرتدين. ولايعلم السامع كم هو مبلغ هذا الخطيب المفوه من الفقه، أو من القوة –على أقل تقدير- بحيث يجعلنا نغامر بأن نكون من أتباعه ومريديه.

لا ينبغي أن يُفْهَمَ من كلامي هذا أنني أقلل من شأن زيد أو عمرو. فقد يكونان ممن آتاهما الله صدقا في التوجه وإيمانا بقضايا الشعوب الإسلامية المضطهدة من أنظمتها ومن أمريكا سواء بسواء. ولكن يبقى أن هذا الصدق بالتوجه وذاك الإيمان بالقضية هما شرطان لازمان ولكنهما غير كافيين حتى نلقي لمن اتصف بهما بالقياد والتسليم.

فعدا عن أن "الطاعة بالمعروف"، فينبغي أن تكون لرجل معروف. كما أن التسليم والانقياد نوع من البيعة التي يعرف الجميع –وهؤلاء هم أعرف الناس بذلك- أنها لاتعطى إلا لرجل معروفٍ من أهل العزم ثم الفضل والتقى، ثم لا يكفي ذلك إلا أن يكون على ملأ من الناس ومن ملأ غفير، وأن يستطيع الناس أن يتواصلوا معه من دون واسطة. بل لقد نص الفقهاء على أن من كان أسيرا أو معتقلا، فإنه ينبغي أن يُبايَع لمن ينوب عنه.

أما أن يقال لنا إن عليكم السمع والطاعة لأبي زيد العراقي أو أبي عبيد الأفغاني، ولا ندري من هو أبو زيد هذا ولا أبو عبيد ذاك؟ ثم أن يكون له من الحق في أن يُكفّرَ الرجلَ المسلمَ لأنه لا يصدر عن رأيه، بل وربما أهدر دمه، فتلك -لعمر الله- هي الطاعة العمياء.

هؤلاء الذين يريدون أن يأخذوا الإسلام إلى حيث لا مصلحة ثَمّة للمسلمين، ويصادروا كل الآراء التي لا توافق آراءهم، وهم يحسبون أنهم إنما يقطعون بذلك الطريق على أمريكا، هل يعرفون إلى أين هم ذاهبون؟ ومصلحة من يخدم تحركهم هذا؟

نحن نرفض أن يُهْدَرَ دمُ البريء حتى وإن لم يكن مسلما طالما أنه لم يكن محاربا للمسلمين ، قال الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) ( الآية 8 من سورة الممتحنة). أما المسلم، فدمه معصوم ولا يهدر إلا بإحدى ثلاث، وعدّ منها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم التاركَ لدينه المفارقَ للجماعة. أما التاركُ لدينه فقد عرفناه. وأما المفارق للجماعة فهو الذي يخرج على المسلمين وأمرهم جميع على إمام واحد. ولم يقل أحد أن هؤلاء وحدهم جماعة المسلمين، بل إنهم في أحسن أحوالهم جماعة من المسلمين.

بل إننا نؤكد أن هؤلاء الذين جعلوا جزءاً من مهمتهم أن يقاتلوا من لايقول برأيهم، فهم إنما يخدمون -من حيث لا يريدون ولا يشعرون- سياسة الرئيس الأمريكي "جورج بوش". فهو -حتى يسيء إلى المقاومين الذين لا يستهدفون إلا الأمريكيين وعملاءهم- لم يترك فرصة إلا وساوى فيها بين هؤلاء وبين الإسلام. ونحن وإن كنا لا نخرجهم من نطاق الإسلام، إلا أننا نؤيد قتالهم للمحتل الأمريكي وأعوانه، وفي نفس الوقت ندين استهدافهم -على الهوية- وفق أجندة المذهب والعرق.

ومع أن حركة "حماس" تقاتل الإسرائيليين في فلسطين، ولم يسجل عليها أنها استهدفت أحدا خارج فلسطين. ومع ذلك اعتبرها "بوش" منظمة إرهابية، وقطع مصادر تمويلها، مع أنها لم تترك له ذريعة عندما حصرت نشاطها داخل فلسطين ولم تستهدف إسرائيليين خارجها، مما يخرجها عن دائرة الإرهاب، حسب أجندة بوش.           

ونحن وقد ذكرنا الذين خلطوا عملا صالحا –بقتالهم المحتل الأمريكي وأعوانه- وآخر سيئا -باستهدافهم عراقيين لا ناقة لهم ولا جمل- لا ننسى قضية الذين أججوا نار الفتنة في مخيم "نهر البارد" في شمال لبنان. وإذا كنا قد رفضنا أن يصوب من يقاتل المحتل الأمريكي في العراق بندقيتَه إلى العراقي، تبعا لمذهبه أو قوميته ما لم يكن عونا للمحتل، وإلا فيكون قد انحاز إلى أعداء الوطن والدين، فإننا نجرّم وندين ما يجري في مخيم "نهر البارد" من إثارة لفتنة قد نعرف متى تبدأ، لكننا أبدا لا نعرف متى تنتهي ولا أين تقف. كما نرفض أن يقوم أدعياء لا نعرف لهم سابقة في قتال المحتل، يزعمون أنهم يريدون تحرير فلسطين، ليس

ليس من الجنوب اللبناني، بل من شماله.

وإذا كنا لا نعيب على الصنف الأول إلا أنهم –في قتالهم المحتل الأمريكي- احتكروا الدين وقولبوه وفق قوالب تناسب فكرهم وفهمهم القاصر له، فإننا نشير بإصبع الاتهام إلى الذين اختطفوا اللاجئين في نهر البارد. فهم لم ينحرفوا عن جادة الفهم الصحيح فحسب، بل إنهم بدأوا المعركة من داخل مخيم ليس فيه عدو، بل كل ما فيه من الضعفة والأطفال والنساء والشيوخ، ثم هم يزعمون أنهم سيحررون فلسطين.

هؤلاء جمعوا إلى انحراف أهدافهم سذاجةَ تفكيرهم -هم يعزفون على اسطوانة مشروخة لم يعد هناك من يستمع لها-عندما رفعوا راية قتال الصليبيين، مع أنه لا يوجد صليبيون في لبنان بعد أن استطاع "جورج بوش" أن يوحد المسيحيين والمسلمين في الوطن العربي ضده ،بانحيازه الأعمى لإسرائيل.

مع أدركنا أن من أدخل هؤلاء إلى مخيم نهر البارد، وزودهم بالمال والسلاح، إنمافعل ذلك ليظهرهم، ولحسابات طائفية مكشوفة في لبنان، على أنهم فصيل يدافع عن السنة. إذا أدركنا ذلك، عندها يمكن أن تشير باصبع الاتهام إلى المستفيد من هذه الفتنة.

*كاتب سوري

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ