ــ
ومضات
محرضة :
السلطات
الأربع موزّعة..
فمَن
يجمعها في العمل السياسي ؟ وكيف
؟
عبدالله
القحطاني
(السلطة
على الأبدان ، والسلطة على
الأموال ، والسلطة على العقول ،
والسلطة على القلوب).
الحديث
هنا ، ينصبّ ، على فرض السلطة
على الناس ، من الناحية
السياسية . أمّا النواحي الأخرى
، الاجتماعية ، والإنسانية ،
وغيرها .. فلها سياقات أخرى
مختلفة ، لا مجال للحديث عنها
هنا ، كسلطات الأب على أبنائه ،
حين يكونون قاصرين ، وحين
يكبرون ، وسلطات الوصيّ على مال
اليتيم القاصر وبدنه ..!
• الحاكم
المستبدّ : سلطته مطلقة على
الأبدان والأموال ، يفعل بها ما
يشاء : ينهب من المال ما يشاء ،
ويحبس ، أو يقتل ، أو ينفي ، من
البشر، ما يشاء .. دون أن يحدّ من
سلطته قانون ، أو يعترض على
سلوكه أحد ، فهو ـ في نظر نفسه
وسدَنة حكمه ـ إله ، لا رادّ
لسلطانه ( فعّال لِما يريد) و (لا
يُسأل عمّا يَفعل) ! وقد كان
الطغاة المستبدّون كذلك ، عَبر
التاريخ ..!
أمّا
سلطة الحاكم المستبدّ ، على
العقول والقلوب ، فلا تأتي عن
طريق القوّة المادية ، التي
يملكها ، والتي يهيمن بها على
الأبدان والأموال ، بل بوسائل
أخرى ، يغلب عليها الخداع
والتضليل ، وتزييف الحقائق ..!
فرعون مصر، مثلاً ، أراد إقناع
الشعب المصري بألوهيته ، عن
طريق إظهار قوّته وملكه وغناه : (
أليسَ ليْ ملك مصرَ وهذه
الأنهارُ تجري مِن تَحتي..)
وأصدر
حكماً جازماً ، بأن ما يراه ، هو
حصراً ، هو المناسب لهم ، وهو
الخير، وهو الحقّ والصواب : ( ما
أريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم
إلاّ سبيلَ الرشاد ) ! وحين قدّم
موسى حجَجَه وبيّناته ( عبر
الآيتين : العصا التي تنقلب إلى
حيّة ، واليد التي تخرج بيضاء من
غير سوء ، إذا ضمّها إلى جناحه.. )
، وأوشك على سحب سلطة فرعون عن
عقول الناس .. استعان فرعون
بالسحرة ، ليعيدوا إليه هذه
السلطة ، فما زاده الله إلاّ
خبالاً، حين رأى السحرةُ ما
يعجزهم ..! فانسحبت سلطة موسى على
عقول السحرة أنفسهم ، أداةِِ
فرعون في الهيمنة على عقول
الناس ! فطار صواب فرعون ، وطفق
يهدّد السحرة ، ويدعوهم إلى
إخضاع عقولهم لهيمنته من جديد ،
أيْ: العودة إلى الإيمان
بألوهيته ! إلاّ أن حجّة موسى ،
كانت قد هيمنت على عقولهم بشكل
تامّ ، فنقلتهم بقوّة عجيبة ، من
عبادة فرعون ، إلى عبادة الإله ،
الذي رأوا آياته الباهرة ،
المسخّرة لنبيّه موسى ! لذا ؛ لم
يكترثوا لتهديدات فرعون ،
وآثروا الموت الشنيع الذي
هدّدهم به ، على العودة إلى
عبادته ، بعد أن تبيّن لهم الحقّ
الذي لا ِمريَة فيه !
أمّا كسب القلوب ، فالأمر فيه
يختلف ! لأن كسبها لا يتمّ عن
طريق الإقناع ، سواء أكان
حقيقياً ، أم زائفاً ! بل عن طريق
المعاملة الطيّبة ، التي تترك
آثارها الإيجابية القوية على
النفس الإنسانية ! ومن أنواع
المعاملة الطيّبة : البِرّ
بالناس ، والإحسان إليهم ،
والاهتمام بشؤونهم ، وتفقّد
حاجاتهم ومشكلاتهم ، ومساعدتهم
على حلّها ، واللطف في معاملتهم
ومخاطبتهم ..!
وقد قال الله عزّ وجلّ ، لنبيّه
الكريم : ( فبِما رحمةٍ مِن الله
لِنتَ لهمْ ولوْ كنتَ فَظاً
غليظَ القلبِ لانفضّوا مِن
حَولكَ فاعفُ عنهمْ واستغفرْ
لهمْ وشاوِرهمْ في الأمرِ ..).
وقال
الشاعر : أحسِنْ إلى الناسِ
تَستعبدْ قلوبَهمُ
فطالما استَعبدَ الإنسانَ
إحسانُ
وقال الشاعر، أيضاً : وقيّدتُ
نفسيْ في ذُراكَ مَحبّةً
ومَن وجَدَ الإحسانَ قَيداً
تَقيّدا
وقد
أثبتت تجارب البشر، أن الحكّام
الطغاة المستبدّين ، يعجزون عن
كسب القلوب ، لأن طبيعة حكمهم
للناس ، منفّرة في الأصل ، بسبب
غياب العدل والشورى ، وبسبب
استئثار الحكاّم بأموال البلاد
، وانفرادهم بإصدار القرارات ،
المتعلقة بحياة البشر ومصير
أوطانهم .. وهذا التسلّط كله ،
إذا استطاعوا أن يخدعوا عنه
العقول بتزييف الحقائق ، فـلن
يستطيعوا به كسب القلوب !
• الحاكم
العادل : واضح أن الحاكم العادل
، هو النقيض الأبرز للحاكم
المستبدّ .. وهو وحده ، القادر
على كسب العقول والقلوب ..!
فالعدالة ، بمعناها العامّ ،
تشمل الأخلاق
الكريمة ، والصفات الحميدة
، بما فيها العفّة ، والنزاهة ،
والجرأة في الحقّ .. كما تشمل
العدل في التعامل مع الناس ،
وإعطاء كل ذي حقّ حقّه .. لذا فهي
مدعاة لكسب العقول ، بما يقتضيه
ذلك من ثقة واحترام ، كما هي
مدعاة لكسب القلوب ، باللين،
والمعاملة الطيّبة ، والحرص على
مصالح الناس ومشاعرهم !
• الحكم
الديموقراطي : سلطاته نسبية ،
ومجزأة ، وموزعة بين أفراد
الفريق الحاكم ..
فالحكم
الديموقراطي جماعي ، بطبيعته ،
لا يملك السلطات فيه شخص واحد ،
بل مجموعة أشخاص ، أعلاهم رئيس
الدولة ، وسلطة كل منهم مقيّدة
بالقانون ، بما في ذلك السلطة
على الأموال والأبدان ! فلا يجرؤ
ذو سلطة منهم ، على إيذاء شخص ،
ببدنه أو ماله ، إلاّ في حدود ما
تسمح به قوانين البلاد ! وإلاّ
تعرّض للمساءلة القانونية ،
والمحاسبة ، وربّما العقوبة ،
التي قد تؤدّي إلى فقدان منصبه !
• القوى
والرموز غير الرسمية : العلماء ،
المفكرون ، القادة السياسيون ،
القادة النقابيون، الزعماء
القبليون ..هؤلاء لا تكون لهم ،
في العادة ، سلطة رسمية على
الأبدان والأموال ، إلاّ بقدر
ما يمنحهم الناس من هذه السلطة ،
على أنفسهم وأموالهم! وهذا لا
يأتي إلاّ بالتبعية ، بعد إيجاد
سلطة على العقول والقلوب ..!
فإذا
تحقّقت لشخص ما ، من الفئات
المذكورة ، سلطة على عقول فريق
من الناس وقلوبهم ، وصارت لديهم
ثقة به ، تدفعهم إلى ائتمانه على
مصائرهم ، وقراراتهم ، وأبدانهم
، وأموالهم .. صار خطراً على
الحكم المستبدّ ، وسعى إلى
التخلص منه ، بكل وسيلة ممكنة !
فإذا عجز عن تصفيته ، أو إزاحته
من الساحة ، سعى إلى تشويه
سمعته، لإسقاط هيبته بين الناس
، ونزع ثقتهم منه ، ليخلو للحاكم
وزبانيته ، وجه الشعب ، ويظلّوا
من بَعده قوماً فاسدين مفسدين ،
لا يخافون منافسة ، ولا يخشون
مَن ينازعهم على قلوب الناس ،
وعقولهم ، وأبدانهم ، وأموالهم !
وهنا
تأتي مهمّة المعارضة السياسية ،
في كسب عقول الناس وقلوبهم ، عبر
إثبات الكفاءة والعدالة
والنزاهة ، والأهلية لحكم
البلاد والعباد ، بمستوى أفضل
بكثير ، ممّا يمارسه الحكم
الفاسد القائم .. جدير بأن يضحّي
الناس في سبيل الوصول إليه
بأموالهم، وحتى بأنفسهم ، إذا
اقتضى الأمر ذلك !
ونرجو
أن تصل المعارضة السورية ، أو
فصائل كثيرة وكبيرة منها ، إلى
هذه الدرجة من ثقة الشعب السوري
، أو إلى درجة قريبة منها نسبياً
، في أقرب وقت ! لأن النظام
الحاكم أوصل الأمور في البلاد ،
إلى حدّ تجاوز القدرة على الصبر
والاحتمال ! ويُخشى من تفجّرات
غير محسوبة ، تدخِل البلاد في
دوّامة من التداعيات ، المؤدّية
إلى فوضى تصعب السيطرة عليها ،
أو الحدّ من تفاعلاتها المدمّرة
! في حين أن هذا النظام الفاسد
المنبوذ ، يحسب نفسه ملك زمام
البلاد والعباد ، بقبضة حديدية
، تضمن له البقاء على صدور الشعب
، إلى أن يرث الله الأرض ومن
عليها ، يعبث بنفوس الناس قتلاً
وسجناً ونفياً ، وبأموالهم سرقة
ونهباً ، وبعقائدهم إفساداً
وتبديلاً ! غافلاً عن البراكين
التي تمور في صدور الناس ، والتي
لا تزداد النيران فيها ، إلاّ
ضراماً وتسعراً ، كلما أمعن في
جَوره وفساده ، وقمعه واستبداده
!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|