ــ
النظام
السوري من صناعة الفوضى
إلى
إنتاج المحكمة تحت البند السابع
...!.
د.نصر
حسن
بات واضحاً
أن النظام السوري يتحرك طائشاً
في حقل ألغام زرعه بنفسه فاقداً
بوصلته وصوابه , ومتخبطاً بكل
الإتجاهات الخاطئة داخلياً
وإقليماً ودولياً وبشكل خاص
لبنانياً , ولبنان الذي شكل
للنظام السوري ساحةً لتنفيذ
دوره المشبوه على مستوى المنطقة
وإرتكاب كل المحرمات عسكرياً
وسياسياً وإنسانياً ضد
اللبنانيين والفلسطينيين ومعهم
السوريين , وعاش أسوأ صفحاته تحت
وصايته المطلقة لعشرات السنين,
وصمت الجميع ضمن حساب التوازنات
الإقليمة والدولية في حينها , ,
ليفيق النظام السوري فجأةً على
أحداث كارثية في المنطقة لاقدرة
له على فهمها والتعامل السياسي
الصحيح معها , وككل النظم
الفردية لجأ إلى القمع
والإرتجال ومعالجة الخطأ
بخطأ أخطر منه , أدت بمحصلتها
العامة إلى إنتاج وضع جديد
وخطير على سورية ولبنان
والمنطقة , وضع عبارة عن
سلسلة من الإنحرافات والمطبات
والإخفاقات والفشل الذريع في
شتى المجالات .
والمطب الأول
الذي وقع فيه النظام السوري ولم
يستطع الخروج منه إلى الآن
كان لبنانياً , مثله فرض إميل
لحود رئيساً على لبنان
وبالضد من إرادة اللبنانيين ,
مستنداً على سياستة السابقة
ووصايته على لبنان , ومسترجعاً
مسلسل طويل من التصفيات ضد
اللبنانيين والسوريين
والفلسطينيين ,ومصراً على فرض
نفسه مجدداً وصياً على لبنان
والمنطقة , تلك الخلفية كانت
هي الملهم الأساسي للنظام
السوري الجديد القديم في صنع
قراره , متبعاً استراتيجية
ثابتة في علاقاته الداخلية
والخارجية وفي ظروف إقليمية
ودولية متحركة بشكل خطير ,
متحجراً في ماضيه وفاشلاً في
قراءة المرحلة الجديدة , إذ
نظر إليها بمنظاره
الستاليني الذي لم يسعفه على
رؤية شيئ منها سوى ذاته
ودوره , فعاود تكراره في مرحلة
اختلفت مفرداتها وتوازناتها,
وغاص في مستنقع من الفوضى ,
منتجاً الإخفاقات المتسلسلة ,وأولها
هروب من لبنان بتلك الصورة
المهينة التي ظهر فيها , تبعه
اغتيال رفيق الحريري ورفاقه
واستمرار التخريب وآخره في نهر
البارد, وتفاعلت محصلة نتائج
سياسته الطائشة على المستوى
اللبناني وأدت إلى تعطيل
الشرعية الدستورية واستعصاء
لبنان في دائرة يكثر ضحاياها
ويعلو دخانها في لبنان .
ورغم أن النظام
السوري أضاع الفرصة تلو الأخرى
لتطبيع علاقتة مع لبنان وفتح
صفحة جديدة , لكنه لم يقبل ولم
يدرك أن لبنان القوي خير وأفضل
لسورية من لبنان الضعيف , بل
علىالعكس أصر على إضعافه, ولم
يبد أية بادرة إيجابية ,ولم يقدم
أي تصور لحل سياسي في لبنان , ولم
يلتزم يأي تعهد لعدم التدخل في
شؤونه, واتبع سياسة التهديد
والوعيد واستمر على التحريض
ودفع بعض الأطراف إلى ارتكاب
الأخطاء القاتلة أوضحها حرب
تموز 2006 وإفرازاتها السلبية على
الحياة اللبنانية , وتعامل
بمنتهى القصور السياسي مع
تطورات الأحداث في لبنان وخاصة
ً بعد جريمة اغتيال رفيق
الحريري ورفاقه , و ساق نفسه
إلى الوقوف طوعاً في خانة
المتهم , واستمر في دفع
الأمور كلها باتجاه التفجير وجر
لبنان إلى ساحة التجاذبات
الإقليمية.
ورغم كل
ماحدث حاولت الشرعية اللبنانية
وعلى مدى أكثر من سنتين من
ارتكاب جريمة اغتيال رفيق
الحريري, التمسك بالشرعية
واحترام المؤسسات الدستورية
والرغبة في حل كل الخلافات
ومنها مناقشة مسودة المحكمة
الدولية ضمن الأطر الدستورية
اللبنانية للوصول إلى إجماع
لبناني عليها , لكن النظام
السوري وعبر تدخله المباشر
وبمشاركة أعوانه قام بتعطيل
المؤسسات الدستورية وشل لبنان
بالكامل وأسره دستورياً وحصره
بين رئاسة مشلولة , وفصائل
أفقدها السلاح توازنها وجرت
لبنان إلى حرب دمرته وانسحب
من الجنوب وخيم بالقرب من
السراي وسط بيروت يهدد ليل نهار
بحرق لبنان , وبين من قفل
مجلس النواب وهرب واعتصم خوفاً
من الإستحقاق الدستوري والنظام
السوري على حد سواء , ومنهم من
هرب وسرب شتات الإرهابيين
إلى المخيمات الفلسطينية
لتفجير الوضع اللبناني من
الداخل , وأوشك لبنان أن يدخل
نفق الحرب الأهلية من جديد .
ورغم أن النظام
السوري كان المنتج الرئيسي
للفوضى والتخريب على مستوى
لبنان وسورية والمنطقة , لكن
فاته أن إستمراره على هذا
المنوال أصبح مستحيلاً , وفاته
أيضاً أن استمرار تدخله في
لبنان سوف ينتج نقيضه تماماً
, وفاته أكثر أن سياسته في لبنان
منذ التمديد الخطير أثبتت فشلها,
وأوضح دليل هو القرار( 1559)
والقرار (1701) وأخيراً القرار
(1757) وتشكيل المحكمة الدولية تحت
البند السابع , محصلة فيها
هزيمة سياسية له على الساحة
اللبنانية والعربية والدولية ,
ومثل القرار (1757) تأسيس
لمرحلة جديدة في حياة
اللبنانيين وتثبيت المصداقية
لديهم بتحقيق العدالة ومحاسبة
كل المتورطين بالجرائم ,
والقرار هو مرحلة جديدة في
تاريخ لبنان , رغم أنه لازال
مثقلاً بألغامه وأحلامه , مرحلة
جديدة أهم ملامحها هي تحرره
من عقدة العقد , تشكيل المحكمة
الدولية وتناقضاتها على الساحة
السياسية اللبنانية الداخلية ,وهذا
يعني أن لبنان تحرر سياسياً
من وصاية النظام السوري, وأعطى
فرصة ذهبية لقوى المعارضة
لإعادة ترتيب أولوياتها
وتوطين ولاءاتها ولبننة
برامجها ووقف محاولاتها المضرة
بلبنان , والإبتعاد عن خلط
سيادة لبنان والعدالة بجرائم
النظام السوري, فعليها أن تدرك
أن المحكمة تشكلت وعملها
مستقلاً عن موقف كل الأطراف
السياسية في لبنان وهو في يد
مجلس الأمن الدولي , وأن الندم
على تفويت الفرصة لإقراره (1757)
لبنانياً لن يفيد ,لأنه هو الآخر
من جملة الفرص الضائعة التي لم
يستطع النظام السوري وأعوانه
التقاطها والتعامل الصحيح معها.
بقي أن نقول :
النظام السوري لازال يفكر
بنفس سياق سياسته السابقة
الطائشة , و يتعامل مع
تطورالأحداث بشكل مسطح بعيد
عن المسؤولية الوطنية والقومية
, يعبر عنه ردود فعله على
القرار (1757) الذي جاء متناقضاً
ومرتجلاً وسريعاً وبعيداً عن كل
مقاييس الحفاظ على أسس العلاقات
العربية وعدم التدخل في الشؤون
الداخلية , إذ رأى الموقف
الرسمي للنظام السوري
بالقرار (1757) " انتهاكاً
لسيادة لبنان ويزيد الوضع
اللبناني تدهوراً وانقساماً
ولن يتعاون في إطار المحكمة
لأنها لاتعنيه " , وهذا كلام
خطير وغير مسؤول ويستبطن أمرين
خطيرين ,الأول هو إصراره على
الإستمرار بالتدخل في الوضع
اللبناني , والثاني هو العمل على
عرقلة العدالة الدولية , وعليه
يتوجب على اللبنانيين
معارضة وموالاة قطع الطريق
عليه بالتحرر من دائرة أسره
والتعامل الإيجابي مع المرحلة
الجديدة و بمستوى المسؤولية
الوطنية لتخليص لبنان من مجهول
النظام السوري , على قاعدة
أساسية واضحة وهي أن ما اختلفوا
عليه قد حسم وأن القرار (1757) أصبح
حيز التنفيذ وتحت البند السابع ,
والباقي يحله الحوار
والعودة إلى الشرعية واحترام
المؤسسات الدستورية والحفاظ
على الديموقراطية اللبنانية
القادرة على إيجاد الحلول, وترك
النظام السوري يلعب لوحده خارج
لبنان , في مساحة ملعبه الأمني
والسياسي التي ضاقت إلى أدنى حد
لها ,وأن النظام الذي امتهن
صناعة الفوضى أصبح في الماضي و
لاعودة إلى الوراء ...الزمن تغير
والأولويات تغيرت ودخل على الخط
لاعب جديد قوي هو البند
السابع ...
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|