ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 22/01/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ دراسات  ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


سعد الحريري

خمر أم أمر..؟!

سلمى السهروردي*

على غير عادتي سأعلن أنني متعاطفة مع سعد الحريري، أو مع قضيته العادلة في البحث عن قاتل أبيه. أقول هذا استباقاً على الطريقة الأمريكية في الحروب الاستباقية، لكي لا تفسر قسوتي على (الشاب الشيخ) أو (الشيخ الشاب) على أنها انحياز غير سياسي.

ولا أريد أن أظلم الفتى الشاب بمقارنته بأبيه، بكل ثقله ومكانته، ربما أقارنه بعمته (الشيخة) بهية!! ولفظ الشيخة أيضاً عربي أصيل، وهو لا يعني (الذي يدب دبيباً) فقط كما قال الشاعر

زعمتني شيخاً ولست بشيخ     إنما الشيخ مـن يـدب دبيباً

الشيخة لفظ عربي، إذ يروي أصحاب علوم القرآن في باب ما نسخ لفظه وبقي حكمه من القرآن الكريم (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) ويفسرون الشيخ والشيخة بالثيوبة، ولو كان الزانيان شباباً.

أقول ربما أقارن سعد الحريري بعمته الشيخة بهية، لأقرر أنها تتصرف بتلقائية أكثر، وواقعية أكثر، وتحصد حضوراً سياسياً أكبر!! أردت أن أقول للشيخ سعد أن الزعامة ليست أناقة ولا وسامة، فقد كان الأحنف بن قيس مجمع عيوب في خلقه، ولكنه كان عظيم النفس، واضح معالم السيادة، حتى قال فيه معاوية: رجل إذا غضب غضب لغضبته أربعون ألف سيف لا يسألونه فيم غضب. الزعامة ليست بدلة ترتديها، ولا هي مراسم تلتزمها، ولا ابتسامة تتحكم بزاوية انفراجها، أو خطوة تقيس فتحتها، الزعامة ليست لون عقدة العنق، أو طريقة تسريح الشعر. أشعر أن كل حركة بل كل نأمة تصدر عن الشيخ سعد تصدر بوصية وصي، وبرأي خبير!! حبذا لو استعار الشيخ سعد شيئاً من تلقائية (وليد بيك)، وليد بيك (إليّ بأشر هيك، وبيمشي هيك).

في المحطة الأولى من حديثي مع الشيخ سعد، اقول: إن الزعامة تقتضيه أن يكون ابن صيدا اللبنانية، أن يكون رجلاً من لحم ودم يتحرك على الأرض، وليس رجلاً مرسوماً على الورق. هل الشيخ سعد كذلك؟! لست أدري؟ ولكنني أراني مضطرة لسوق هذا الكلام.

ثم يحضرني، في المحطة التالية، الشيخ سعد ودائماً في صورة امرئ القيس. امرؤ القيس نفسه صاحب:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل     بسقط اللوى بين الدخول فحومل

ولي مع (قِفا نبك) هذه قصة طريفة، ذلك أنني مددت يدي إلى كتب الأدب منذ طفولتي، فدخلت عالم العقاد وطه حسين والمازني، وكانت قصتي مع الأديب الذي اعتقد أن الأدب العربي قد حط رحاله على أعتابه، مصطفى صادق الرافعي. كنت طالبة في الإعدادية عندما قرأت ابتداء كتابه (بين القديم والجديد)، والذي مازلت أحفظ منه قوله في طه حسين تعليقاً على أبيات نظمها الأديب الكبير. قال له الرافعي يومها، وأرويها في هذا السياق لدواع سياسية، لعلها تقول شيئاً لمن يتصدى لما لا يستطيع:

اسفنجة جاءت لشرب البحر

شمعة أضاءت لشمس الظهر

والشيخ طه في نظم الشعر

ثلاثة مضحكة لعمري..

بالتأكيد لم يكن الشيخ طه حسب رأيي كذلك، فقد كان أديباً ذواقة ونقادة في الوقت نفسه؛ ولكن الحق أنه لم يكن شاعراً ولا أظنه ادعى ذلك.

مر بي وأنا طفلة أقرأ هذا الكتاب قول الرافعي (أشهر من قِفا نبك) قرأتها في طفولتي (أشهر من قَفا نبك) بفتح القاف، وبدأت أبحث عن رجل اسمه نبك يضرب المثل بقفاه، فلم أعرف، وبقيت حائرة بائرة مدة طويلة لا أعرف من (نبك) هذا إلا اسم بلدة مررت بها مع أبي مرة في طريقنا من الساحل إلى دمشق، ولا زلت أذكر أنها كانت باردة جداً.

سعد الحريري هذا يذكرني بامرئ القيس ذاك. امرؤ القيس بن حجر بن آكل المرار ملك كندة. وهو الذي وقع في ورطة تشبه ورطة سعد بن رفيق الحريري حين قتل أبوه وتحمل أمر ثأره.

فحين قتل حجر هذا ، أوصى أحد ثقاته: أنظر أولادي واحداً واحداً فأخبرهم بقتلي، فمن بكى ولطم فتجاوزه، ومن شدد وعزم، فادفع إليه أموالي، وحمله حمالة دمي. فدار الوصي على إخوة امرئ القيس أجمع، وكانوا جميعاً أكبر منه، فلطموا وبكوا ، فمال الرجل عنهم، حتى وصل إلى امرئ القيس وهو يشرب الخمر مع جليس له، فلما بلغه خبر مقتل أبيه، ما حل حبوته، ولا عدل جلسته، وقال لمخبره (ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً)، ثم التفت إلى جليسه فقال له: (اشرب فاليوم خمر وغداً أمر) فذهبت مثلاً.

ثم كان من أمره أن حارب قتلة أبيه، فلما لم يبلغ منهم منالاً يرتضيه، عمد إلى ملك الروم في رحلة يصفها في قصيدة طويلة، وصمها طه حسين بالنحل، وهي بامرئ القيس أشبه. يقول فيها

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه      وأيقـن أنـّا لاحقـان بقيصرا

فقلت له لا تبك  عينـك  إنمـا      نحـاول ملكاً أو نمـوتَ فنعذرا

ويتعلق النحاة بقوله (نموتَ) كشاهد على نصب المضارع بأن مضمرة بعد أو على ما أذكر. في هذه القصيدة يجسد امرؤ القيس حال بعض العرب اليوم، الذين يعمدون إلى بوش أو بلير أو غيرهما، فهو عندما يذكر بأهمية ان يستنجد بقومه من حمير في ارض اليمن ، وفي الاصل كانت كندة يمانية ، يرد عليهم  بقوله:

ولكنه عمداً إلى الروم أنفرا

ويبخل ملك الروم على امرئ القيس بالدعم الذي يرتجيه، ويجامله ويداهيه، ويقال: إنه أهداه حلة حين لبسها تقرح جسمه فسمي بذي القروح، واعتل علة طويلة مات منها.

في طريق عودته من أرض الروم يعتل امرؤ القيس ويمرض، وينزل في مرضه في ظل شجرة، قرب جبل اسمه عسيب ، ويرى في جواره قبرا ، يقال له انه قبر لاحدى بنات ملوك الروم ، فيخاطبها بعد ان تيقن أن الموت نازل به :

أجارتنا إن الخطوب تنوب       وإني مقيم مـا أقام عسيب

أجارتنا إنا غـريبان هاهنا        وكل غريب للغريب نسيب

مات امرؤ القيس مكانه، أقام ما أقام عسيب. في زيارة قريبة لي إلى تركية: أخبرني أحد الأدلاء، أن بالقرب من أنقرة قبراً يقال له: (قبر الشاعر العربي) تذكرت قول امرئ القيس يرثي نفسه في مقامه ذاك

كم طعنة مثعنجرة ... وخطبة مُسحنفرة
وجفنـة مدعثرة ... قد غودرت بأنقرة

ولا أكتم القراء سراً أنني لم أجد الفرصة بعد لأبحث عن معنى الطعنة (المثعنجرة) إلا أنني أفهمها كالطعنة التي يوجهها الغرب اليوم إلى صدورنا، أو التي يوجهها عملاؤه الطغاة إلى ظهورنا.

امرؤ القيس ورحلته إلى ملك الروم، وخيبته ونهايته هي الدرس الذي أسوقه اليوم للشيخ سعد الحريري. أطلت السرد، ليس تسلية، وإنما إشارة إلى الإسقاطات العديدة التي يمكن أن تجسد تماثل الحالتين.

يضع سعد الحريري، كما يبدو لي، رهانه الوحيد على المحكمة الدولية. وهو لا يفكر بخيار آخر!! ولا يسعى إلى مرتكزات إضافية للقوة، يسند بها حقه. هل يمتلك سعد الحريري، وهو صاحب الخلفية البشرية الأثقل، في لبنان وفي المنطقة، ما يمتلكه السيد حسن نصرالله، في عمق سعد الحريري البشري نفسه؟! قالت لي صديقتي القادمة من السودان: إن صور السيد حسن نصرالله تملأ شوارع الخرطوم!! هل يعني هذا شيئاً للشيخ سعد ؟! كسياسي ينبغي أن يعني له الكثير. الشارع العربي فضاء حركة أكبر بكثير من الفضاء اللبناني الضيق. من كان أفقه لبنان لن يظفر، على ما أظن، بدارة قريطم..

الساحة العربية والإسلامية تضج بالفرص، وبالقوى والمتغيرات، ولكن سعد الحريري كصاحبة زهير بن أبي سلمى يوم قال:

لقد باليت مظعن أم أوفى     ولكنّ أم أوفـى لا تبالي

سعد الحريري لا يبالي!! لأنه مستغرَق في أحضان الخبراء المشغولين برسم حدود الخطوة والبسمة ولون البدلة وربطة العنق، والذين يمتد طِوَلهم إلى واشنطن أو تل أبيب، حيث لا يهتم أحد على الحقيقة لسعد الحريري ولا لأبيه.

سعد الحريري مطمئن إلى مصداقية التحقيق، والمحكمة الدولية، والسيد شيراك ومن ورائه بوش وبلير!! اطمئنانا يثير الشفقة والقلق .

كانت رحلة امرئ القيس إلى ملك الروم مضنية وشاقة، ومع أنها مفعمة بالأمل والطموح والعزيمة (نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا) إلا أنها انتهت بالخيبة والإخفاق والحسرة والبكاء على النفس، وميتة في الغربة يتنزى بقروحه الجسدية وجروحه النفسية.

الدرس الأبلغ في رحلة امرئ القيس، وفي رحلة كل الزعامات العراقية الساقطة، وكذا جميع أصحاب المشروعات المنخرطة أو المرتبطة بمشروعات الآخرين.. الدرس الأبلغ من تلك الرحلة هي أن (الخسار في التعلق بالأغيار) كما يقول السادة أهل السير والذوق والحال.

أنا واثقة أن لجنة التحقيق الدولية أو المحكمة الدولية، لن تقتص من قتلة أبيك، يا شيخ سعد، أدانهم التحقيق أو لم يدنهم. فقتلة أبيك يا (سعد بيك)، ومعذرة من (وليد بيك)، جزء من نظام دولي وإقليمي، ليس من السهل التخلي عنه. إنهم (حجر سنمار في قصر النعمان). وأي عاقل سيفكر طويلاً قبل أن يحرك هذا الحجر من مستقره. ثم إن هؤلاء القتلة أصحاب نفوذ وقوة وجرأة. وتأمل كثيراً في قولي (جرأة) فهي كلمة تهمك كثيراً.

الحقيقة التي أريد أن أنهيها إلى السيد سعد الحريري أن الزعامات لا تنزل بالبرشوت، ولا يصنعها المال وإن كان ضرورياً لها، حسب قول بشار بن برد

يسقط الطير حث ينتثر الحب     وتغشـى منـازل الكرماء

مستنبت الزعامة بالنسبة إليك، إن أردت، هو في الوسط الذي قتل من أجل زعامته أو حمايته أبوك. مستنبت الزعامة بالنسبة إليك في عمقك البشري، أيعقل أنك لا تدرك عمقك، ولا تتحسس موضع قدميك؟! إذاً فلماذا هكذا تبدو؟! مستنبت زعامتك في قلوب الملايين، هناك حيث يكمن كما يقول البحتري: الرعب والحقد والحب.

العجيب أن يسبق بشار الأسد ومن ثم السيد حسن نصرالله ثم السيد وليد جنبلاط إلى مرتكزات الزعامة وأدواتها وتبقى وحدك: نقلة نقلة، خطوة خطوة، لا تدري ما تأتي ولا ما تدع!!

والعجيب أن تغفل عن امتدادك الاستراتيجي، وخطابك الاستراتيجي، وأذرعك الاستراتيجية!! الزعامة في صيدا أو في لبنان لن تعينك على الاقتصاص من قاتل أبيك. لتفعل عليك أن تترك في الدنيا دوياً يمتد فيما حولك حتى يبلغ مداه.

أصوات المظلومين وسواعدهم هي التي ستدرك ثأر رفيق الحريري، أو ستعينك على إدراكه. الميزان الأمريكي والدولي والإقليمي لن يعيرك اهتماماً بدونهم. حتى ملايين الدولارات ، التي جمعها سعد الحريري لن تجدها بدون ملايين الانصار ، ملك يدك، وأنت أدرى بما أقول. المطلوب منك أن تبحث عن أوراق قوتك، عن السواعد التي تعينك على بلوغ هدفك. أنت محتاج إلى منهج عملي ينطق الأفواه ويوظف السواعد في نصرتك او نصرة المشروع المشترك بينك وبينها. لا التحقيق ولا المحكمة ولا بوش سيعطيك ثأر أبيك. ثأر أبيك ستأخذه، إن شئت، بقوة هؤلاء، وأظنك تدرك الفرق بين أن تأخذ أو أن تُعطى!!

الشيخ سعد.. دعنا نسمع صوتك على أفواه الملايين الذين استُهدفوا بقتل أبيك، أو فاصمت إلى الأبد. لا تدعنا بعد اليوم ننشد:

أوردها سعد وسعد مشتمل     ما هكذا يا سعد تورد الإبل

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ