ــ
السوريون
والخطيئة الكبرى
جان
كورد
عندما تسلم الرئيس الحالي ،
الدكتور بشار الأسد، حكم البلاد
السورية خلفا لأبيه الراحل،
انتشرت عن تواضعه وسماحته
وحداثته الأساطير، فقالوا بأنه
يرفض وضع صوره في المحلات
التجارية والحوانيت، كما كان
شائعا في عهد أبيه، وأنه يتجول
مخفيا في المدن السورية ليرى
نقاط الضعف في مملكته ، كما تروي
الأساطير عن بعض ملوك الدنيا،
وأنه سيحقق لسوريا الانفتاح
والازدهار والتواصل مع العالم
الحر الديموقراطي في أقرب فرصة
ممكنة وأنه يختلف عن زعماء
العرب الذين جاؤوا من الثكنات
العسكرية في أنه جاء من العيادة
الطبية، وأي عيادة؟ إنه طبيب
بارع في فحص عيون الناس لترى
النور مجددا ولاتصاب بالعمى...
أنا لم أصدق كل ذلك، لأنني
مقتنع بأن الأمثال الشعبية كنز
لا يفنى من الحكمة والفهم،
والمثل العربي يقول: فرخ البط
عوام...
بدأ الرئيس بصورة واحدة له
وإذا بسوريا كلها اليوم صورة
له، ليس هناك متر واحد في مدن
هذه البلاد لاتحمل صورة من صور
الأسد وأب الأسد، وبدأ الرئيس
بالافراج عن مجموعة من
المعتقلين وإذا به يزج بالشعب
كله في معتقل رهيب، وبدأ الأسد
بالحديث عن الازدهار والانفتاح
فانتهت دورة رئاسته الأولى
بالافقار والانغلاق، بعزلة
عربية ودولية مخيفة، ولم يعد
للأسد أصدقاء سوى محمود أحمدى
نجاد الذي لايقل عنه عزلة وبعض
جند الشام وفتوح الإسلام
وعروبيي الشام وثلة من عشاق
الشام الأوربيين الذين لايهمهم
ما يفعله هذا النظام العنكبوتي
بقدر مايهمهم عدم ارتفاع أسعار
البترول في بلادهم بسبب المشاكل
في الشرق الأوسط...
الرئيس دخل مرحلة جديدة يبدو
أنه خطط لها منذ رحيل أبيه، أولا
ايهام الشارع السوري بانه
ديموقراطي ومتأثر بالحياة
الديموقراطية، حيث عاش فترة من
حياته خارج قفص أبيه في دنيا
الحرية ورأى اللباقة في النظام
الملكي البريطاني كما رأى
المعارضين في هايد بارك
اللندنية وصالونات
الديبلوماسية، وكيف تسير لعبة
الحكم والمعارضة دون هزات كبيرة...
ففتح الباب لبعض المنتديات
الثقافية – السياسية التي خدعت
حتى أكبر المثقفين السوريين ،
ووعد بتبيض السجون، وتنظيف
الشوارع، وتقديم الطعام الساخن
للجائعين ، والاعتناء التام
بمشاكل الطلاب والشباب
العاطلين عن العمل، وتحرير
فلسطين بديبلوماسية وحنكة
سياسية أو عن طريق تمويل
الفلسطينيين، حتى نسي الجميع أن
هذا الشبل وريث ذلك الأسد الذي
اعتدى عسكريا على الفلسطينيين
والسوريين واللبنانيين وشارك
إلى جانب الأمريكان في الحرب
على العراق الذي كان على دينه
البعثي لكسب مكاسب معينة وليس
حبا بالكويتيين أو اشفاقا عليهم...
ثم انتقل بعد تلك السيناريوهات
المتتالية إلى صدر المسرح ليظهر
قدراته على التزوير والتدمير
والتجويع والتقتيل والترهيب
والترغيب وتقليم الأظافر ونزع
أسنان المعارضة ليظهر في
النهاية مثل أبيه حاكما مطلقا
ليس له شبيه في جبروته وطغيانه
وارهابه وايمانه المطلق بأن
الله سبحانه وتعالى قد كلفه
بالمهمة وبحمل الرسالة
الخالدة، رسالة الوحدة والحرية
والاشتراكية التي كلما طال
الزمن ابتعد عن تحقيقها
المؤمنون بها، وكأنه ظل سحاب
يركضون وراءه فلا يصلون إليه،
وعندما يصلون يتبدد السحاب فلا
يجدون له ظلا...
الخطيئة الكبرى للسوريين
تكمن في أنهم هرولوا وراء زعماء
زعموا بأنهم سيحققون لهم الوحدة
العربية من موريتانيا إلى
قفقاسيا وأطراف الهند،
وسيعيدون لهم الأندلس الضائع (اسبانيا
التي احتلها العرب ثم طردوا
منها شر طردة) وغرناطة
والحمراء، بدءا من ميشيل عفلق
وجمال عبد الناصر وانتهاء بصدام
حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي...وهاهي
نتيجة سياساتهم: صفر على الشمال...
كان رؤساء سوريا السابقون،
قبل استيلاء البعث العفلقي على
الديار الشامية وبلاد
الرافدين، يعملون جهدهم على
تحقيق برامج أحزابهم في المجال
الوطني السوري، دون جموح في
الخيال، وكانوا يعلمون بأن هناك
أمة عربية كبيرة لها الحق في أن
تتوحد يوما من الأيام ولكنه
طريق شائك وطويل، ومنهم من جرب
الوحدة كالمرحوم شكري القوتلي،
كما بين سوريا ومصر فباءت بفشل
ذريع لأنها كانت على عجالة
وبدون تخطيط سابق أو دراسات
جدية...
الخطيئة الكبرى للسوريين هي
أنهم اعتقدوا بكفر
الديموقراطية واباحية الحرية،
فصدقوا الشائعات التي روجها
الدكتاتوريون وفي مقدمتها أن
مجتمعاتنا الشرقية غير مؤهلة
لتطبيق شرائع غربية اباحية تجلب
الفوضى والكوارث، مع أن الحرية
عطاء رباني للانسان، فهو حر في
دينه وفي تصرفاته وفي رأيه، ضمن
حدود العقل والنقل، وأن
الديموقراطية شكل من أشكال
الحكم مناقض للدكتاتورية وليس
شريعة دينية ، بل إن دائرة الشرع
الذي يفرض الشورى الملزمة على
الحاكم تتداخل في كثير مع دائرة
الديموقراطية... فخارت قوى
المعارضة أمام دعاوى ومزاعم
النظم الدكتاتورية وتحولت
فصائل منها إلى أتباع كما هو حال
ما يسمى بالجبهة الوطنية
التقدمية في سوريا.
والخطيئة الكبرى للسوريين
أنهم لم يقبلوا بعضهم بعضا
كمكونات أساسية، اثنية ودينية،
لها الحق في حكم البلاد
وتطويرها وتحقيق الديموقراطية
فيها وصون حرية شعبها على قدم
المساواة، فطغت نزعة العروبة
على السوريين، ونزفت هذه النزعة
دماء غير العرب كما حدث للشعب
الكوردي، ولايزال بعضهم يؤكد في
كل مناسبة على عروبة سوريا
تاريخيا، مع أن التاريخ يفضح
هؤلاء بالخرائط ويرينا بأن
سوريا لم تكن هكذا – مثلا – في
القرن الثامن عشر، وبأن قبرص
والاسكندرونة كانتا جزأين من
سوريا، فلماذا لايطالب بهما
هؤلاء؟... إنه الجهل بالتاريخ
والاعتزاز الخارق للعادة
بالقومية السائدة، وكره
الأقلية، أيا كانت، وتصديق ما
نشره ولا يزال ينشره بعض
العفلقيين عن الحلم العربي
القومي الذي طغى لدى بعضهم حتى
على عقيدته الدينية فوضع
العروبة فوق كل شيء، بحيث فقد
الصلة عن عالمه الإسلامي الكبير
وعن عالم الحرية والديموقراطية
الرحب على حد سواء...
وعندما يصبح المرء في وضع
كهذا فإنه يتخبط في جهله وفي
عنجهيته القومية الضيقة ويصدق
بالقائد الذي يستخدم كل الحيل
السحرية لجذب الأتباع وصنع
الأشياع، وهكذا سادت سورية حقبة
من ركود المعارضة وضياع الفرص
التاريخية التي كان بالامكان
الاستفادة منها في تطوير البلاد
وتحقيق التآلف الاثني – الديني
التام بين مختلف مكونات الشعب،
وازالة الطواغيت عن كرسي الحكم...
ولكن يبدو أن بصيص نور ينبعث في
سوريا، حيث تجرأ بعضهم ليقول
للأسد: أنا أستطيع حكم هذه
البلاد بشكل أفضل، فدعنا ندخل
في معركة انتخابية حقيقية،
ديموقراطية ونزيهة، بدلا عن هذا
الاستفتاء الصبياني الهزلي
التافه... ولأول مرة منذ استيلاء
البعث على السلطة تبدأ مرحلة
جديدة هي: مرحلة التحدي للنظام ،
وهذا ما يبعث الأمل في النفوس...
وأخيرا هذه خريطة هولندية من
عام 1760 وضعها اسحاق ترينيون
تظهر سوريا في حدودها آنذاك،
قبل ظهور اسرائيل وقبل نشوء
الامبريالية الأمريكية أو
الحركة الصهيونية التي تتهم
دائما بأنها وراء كل ما يضر
بالعرب... حيث يحدها من الشرق نهر
الفرات وليس دجلة أو الخابور،
بينما من ناحية الشرق تضم لواء
الاسكندرونة وولاية قبرص أيضا...
كما يمكن رؤية مدينة كركوك
واقعة ضمن منطقة كوردستان
العراق وليس خارجها، وهذا يفند
ادعاءات الترك أيضا في نفس
الوقت...وعسى أن يفكر فيها بعض من
كذبوا باستمرار على الشعب
السوري ونفذوا مشروع حزامهم
العربي الاستيطاني القذر ضد
الشعب الكوردي بحجة أن هذه
الأرض كانت عربية سورية على
الدوام... فإذا كانوا يستندون في
مزاعهم على التاريخ فها هو ذا
التاريخ ينطق بالحقائق الدامغة...
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|