ــ
قراءة
موضوعية لخطاب غير موضوعي
محمد
الزعبي
1.
الخطاب المعني في هذا العنوان
هو خطاب ( الرئيس بشار الأسد ) في
الجلسة التي عقدها ( مجلس الشعب )
في دوره التشريعي التاسع . والذي
وجد الكاتب فيه ستين ( 60 ) نقطة
إشكالية تحتاج إلى الرد والنقد .
وبما أن الحالة الفكرية
والخلقية التي أعطت هذا الخطاب
لونه وطابعه الخاص هي ذاتها ،
فقد وجد الكاتب أن رده على هذه
النقاط ومعالجته لها يمكن أن
يكون بالجملة وليس بالمفرّق ،
أي بالتوقف عند المفاصل
الرئيسية للخطاب وليس عند
التفاصيل والإستطرادات .
2.
بدأ الرئيس خطابه بتهنئة
أعضاء مجلس الشعب على " الثقة
الغالية التي منحتكم إياها
جماهير الشعب
" وبحثهم على ضرورة تنفيذ
الأفكار والمشاريع والعهود
التي قطعوها على أنفسهم !! .
إن الكاتب لايجد نفسه هنا
مضطرا ، أن يقدم أي دليل أو
برهان على مدى الإستهانة
والإستهتار بعقول المستمعين
ممن هم في داخل قاعة المجلس او
خارجها ، ذلك أن هذه الإنتخابات
ـ كما يعرفها أي طفل في
سوريا ـ إن
هي إلاّ الإبن غير الشرعي
لعملية التوريث غير الشرعية
التي جاءت بصاحب هذا الخطاب إلى
سدة الحكم على جنازير الدبابات
وأكتاف المهرولين وراء هذه
البابات من الطائفيين
والمنافقين والمنتفعين
والإنتهازيين والبراجماتيين .
واقع الحال ، إن الشعب العربي
السوري لاعلاقة عملية له بمثل
هذه الإحتفاليات الديموقراطية
الشكلية ،
التي تحاك كافة خيوطها بداية في
أروقة القصر الجمهوري من قبل
شلة الحاكمين ونهاية في أروقة
المخابرات وأجهزة الأمن
التابعة لهذه الشلّة .
3.
وبعد أن يذكّر صاحب الخطاب
بالإنجازات الكبيرة التي
حققتها السلطة التشريعية في ظل
حكم أبيه وحكمه ، يتابع القول :
" وعلى الرغم من كل ذلك ...
فإننا نتطلع إلى تحقيق المزيد
من الإنجازات في هذا المجال ...
لكي نقترب أكثر فأكثر من
طموحاتنا ..." !.
إن
تحقيق نوابك للمزيد من
الإنجازات ، إنما يساوي ويناظر
ويكافئ ياسيادة
الرئيس تحقيق
المزيد من الهزائم ومن النكبات
ومن الضحك على الذقون ، ومن ضياع
الكرامة والمبادئ والقيم ، بعد
تضييع الأرض
ولا سيما فلسطين والجولان .
أتمنى أن يتوقف نظامكم العتيد
بسلطاته الثلاث عن مثل هذه
الإنجازات المذلّة والمهينه
لشعبنا العربي السوري .
وإذا
كان هناك من يستغرب حشري للسلطة
القضائية إلى جانب شقيقتيها
التنفيذية والتشريعية ، فلأن
هذه السلطة ــ مع شديد الأسف ــ
أكثر تبعية للسلطة التنفيذية من
شقيقتها التشريعية وإلاّ كيف
تصادف إصدار الحكم على عدد
من المناضلين( ميشيل كيلو ، حبيب
عيسى ، كمال لبواني ، سليم شمّر
وخليل حسين ) بالتزامن العجيب مع
افتتاح الدور التاسع للسلطة
التشريعية ، ومع الخطاب
التوجيهي لرئيس
السلطة التنفيذية ؟ !! .
4.
وفيما يعتقد أنه " ضربة
معلم " أشار الخطاب إلى أنه
" يتعين علينا في المرحلة
المقبلة إعطاء الأولوية في
توجهاتنا ومحاور عملنا ...
للشرائح الأوسع من جماهيرنا ... ك
العمال والفلاّحين وصغار
الكسبة كل
الإهتمام ..."
إن كاف التشبيه التي تتصدر
أسماء العمال والفلاحين وصغار
الكسبة ياسيادة الرئيس
لاتستقيم لاشكلا ولا مضمونا مع
كون هؤلاء العمال والفلاحون
وصغار الكسبة ، هم الغالبية
الساحقة والمنتجة في شعبنا
العربي السوري ، والذين قام
ويقوم نظامكم العائلي العتيد
بالاستيلاء
على لقمة عيشهم ، وبزجهم في ممر
إجباري وحيد ،لايجدون في نهايته
سوى وجبتكم الأيديولوجية
الشهيرة : " بالروح بالدم
نفديك يابشار " !! ، وويل لمن
لاتساعده حنجرته على الصراخ
المسموع ،
ويداه
على التصفيق الرنّان الحادّ !! .
هل
وصلتك ياسيادة الرئيس النكتة
الشعبيه الجديدة التي تقول "
قائدنا إلى الأبد أي واحد من بيت
الأسد " !! .
5.
وعندما يدخل الخطاب في مرحلة
السنوات الأربع الماضية التي"
شكلت بمجملها زلزالاً سياسيا
وفكريا ونفسيا عنيفا لم يكن من
السهل على أحد ، على مشارف هذه
الأحداث، تحديد أبعاده مهما
توفرت له من نفاذ الرؤية " على
حد منطوق الخطاب . ونظرا لأهمية
هذه الفقرة ، فقد رأى الكاتب أن
يضع بين يدي القارئ الكريم
الفقرات الأساسية التي توجب
عليه التوقف عندها والتي تتعلق
أساسا بموقف النظام من كل من
الإحتلال والمقاومة
في آن واحد ،والتي هي نصّاً :
ــ ومن هنا كان رفضنا لغزو
العراق وما نجم عنه من مآس وآلام
نرى فداحتها كل يوم .ومن هذا
المنطلق عملنا بكل إمكاناتنا
لمواجهة المحاولات الرامية
لتصفية معاقل المقاومة
والتصدي لمشاريع التسوية
المهينة لشعبنا والمناقضة
لمصالحه وغيرها
من المشاريع التي أتت تحت
عنوان الشرق الأوسط الجديد أو
الكبير .
ــ وكما توقعنا ، وكما حدث في
الواقع ، كانت سورية ... لأجل ذلك
، هدفا للضغوطات التي لم تنقطع
خلال الفترة الماضية .
ــ وكانت سياسة الإغراء
والوعيد ... وبطبيعة الحال لم يكن
الإغراء يلبي متطلباتنا
الوطنية والقومية ، وما كان
للوعيد أن يرهبنا للتخلي عن
ثوابتنا ... على الرغم من كل
مارافق ذلك من حملات إعلامية
مزيفة ... لتشويه صورتنا وتزييف
مواقفنا.
ــ في الشان العراقي وقفنا ضد
الحرب ، ورفضنا الإحتلال ،
وأعلنا ضرورة وضع جدول زمني
لإنسحاب قوات الإحتلال
ــ كل ذلك مع دعم العملية
السياسية في العراق ، على قاعدة
عدم استبعاد أي مكون من
المكونات الوطنية للشعب
العراقي
ــ والحقيقة قلنا في السابق
بأن العملية هي عملية سياسية
وليست عملية عسكرية .
2
ـ فإذاً ، لقاء
من هنا ولقاء من هناك مع أية جهة
دولية لايمكن أن يكون إلا في هذا
الإطار، ولا يجوز أن يفسر في أيّ
إ طار آخر ( انتهت الشواهد ) .
إن
خبرة الكاتب بطبيعة النظام
السوري وعلله المزمنة ، تسمح له
أن يضع
إشارة استفهام كبيرة على معظم
ماورد أعلاه
، من العبارات المنمّقة المشبعة
بالإزدواجية والإلتباس
عن العراق وعن المقاومة
العراقية ، ولكننا سنكتفي هنا
بالإشارة إلى بعض ممارسات
النظام التي
باتت معروفة لدى الجميع
والتي تؤكد صحة ماذهبنا إليه من
التوجس والتشكك
:
ــ
تحالف النظام مع إيران ضد
العراق في حرب الثماني
سنوات ، متجاوزا بذلك
مقرارات الدفاع العربي المشترك
، المقرة من قبل مؤتمرات القمة
العربية السابقة على هذه الحرب
، والموقف القومي المشرف
للجيش العراقي في حربي 1967 و1973
عندما خفّ
دون تردد إلى تلبية نداء أخوّة
المصير القومي المشترك
في صد العدوان الإسرائيلي
على سورية على قاعدة ( لايسألون
أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ماقال
برهانا ) ؟ . وجدير بالذكر هنا أن
السنوات الأربع الأخيرة من هذه
الحرب ، قد شهدت الرفض الإيراني
المتواصل لكل العروض التي قدمها
صدام حسين لوقف القتال وإنهاء
هذه الحرب .
ــ اشتراك
النظام السوري
مع قوات بوش الأب في حفر
الباطن ضد النظام
وضد الجيش العراقي عام 1991 ؟
فيما سمي بحرب
تحرير الكويت ، التي مثلت
الصفحة الأولى لغزو العراق من
قبل بوش الإبن عام 2003 .
ــ الإشتراك
مع كل القوى الإستعمارية
والعربية الرجعية في حصار
العراق لمدة ثلاثة عشر عاما
كانت حصيلتها مئات الألوف من
شهداء الحصار ، ولا سيما
الأطفال منهم ؟
ــ القول بأن العملية في
العراق هي عملية سياسية وليست
عسكرية !! وسعي النظام السوري
بالتالي لإشراك
كافة مكونات
الشعب العراقي في هذه
العملية السياسية !! .
إن
جر الأمور في هذا الإتجاه(
ياسيادة الرئيس ) هو جر للعراق
نحو المحاصصة الطائفية ،
وبالتالي نحو
التقسيم المطلوب أمريكيا
وإيرانيا ، وهو ما يتنافى نظريا
وعمليا مع مبادئ حزب البعث
العربي الإشتراكي
العلمانية ، الذي يفترض (
بضم الياء ) أنه الحزب الحاكم في
سوريا !، والذي سيادتكم أمينه
القطري !؟ ، هذا مع العلم أن
تعبير مكونات الشعب العراقي
هو من مفرزات الإحتلال
الإنجلو ـ أمريكي للعراق ، بل و
بشكل أدق من مفرزات
بول بريمر
الذي أدخله إلى القاموس
السياسي والأيديولوجي
العربي ؟ وأن
استخدامه بالتالي في سورية
( مكونات الشعب السوري !) تحت
ستار من دخان الديمقراطية ، إن
هو إلاّ جرّ للحالة العراقية
إلى سورية ، وبالتالي هو موقف
لاينسجم لامع الوطنية ولامع
القومية ولا مع العلمانية ولا
مع مبادئ حزب
البعث العربي الإشتراكي الذي هو
حزب وطني قومي وعلماني ، وهو
ينظر إلى الشعب سواء في العراق
أو في سورية بوصفه
بنية وطنية واحدة ،
سداها الإنتماء للوطن
والأمة ، ولحمتها الديمقراطية
التي يتساوى في ظلّها كافة
ابناء الشعب دونما تفرقة أو
تمييز بينهم
من أي نوع كان ، بما في ذلك
تلك التي نعتها بريمر بـ "
المكونات ".
إن التبرير اللفظي الذي يقدمه
الخطاب الرئاسي للقاءاته
المطلوبة أمريكيا وإيرانيا في
كل من المنطقة الخضراء و بغداد
وشرم الشيخ
والطلب إلى المستمعين و
القراء ألاّ يفسروا هذه
اللقاءات البريئة !! تفسيرا
قائما على سوء النية ، إنما
يذكرني بالمثل العربي الذي يقول
" يكاد المريب يقول خذوني "
!! .
إن المطالبة
بتغليب الحل السياسي على
العسكري في ظل الإحتلال ياسيادة
الرئيس ، إنما
يعني في تطبيقه العملي
السعي لإنهاء المقاومة الوطنية
العراقية للإحتلال
، وتمرير هذا الإحتلال بوصفه
عملا مشروعا !! ، ناهيك عن الهدف
الآخر لهذه اللقاءات السوري ـ
أمريكية الملتبسة
، ألا وهو المحافظة على
المحاصصة الطائفية في الحكم
وبالتالي إبقاء دفة هذا
الحكم بيد المجموعة
التي يعرف الجميع ما ومن هي
، والتي جاءت
إلى بغداد على ظهور
الدبابات الأمريكية
والبريطانية الغازية، أي
عملياً إبقاء السلطة
بيد عملاء الإحتلال الإنجلو
ـ أمريكي ،
تحت ذرائع وحجج ماأنزل الله بها
من سلطان .
إن من وقف ضد العراق فيما سمي
بـ " حرب تحرير الكويت "
عام 1991 ، ومن شارك في حصار
الشعب العراقي
ثلاث عشرة سنة
، لايمكن أن يكون صادقا في
ادعاءاته الحالية حول
مثلث الإحتلال
والمقاومة والعملية
السياسية .
6.
وفي انتقال الخطاب الرئاسي
إلى المشكلة اللبنانية ، فإنه
لايجد حرجا في أن يتابع ذات الخط
الأخلاقي في عرض ومعالجة
هذه القضية ، ولاسيما مايتعلق
بموضوع المحكمة ذات الطابع
الدولي . يقول الخطاب حول هذه
المسألة :
ــ إننا نعتبر موضوع المحكمة
ذات الطابع الدولي موضوعا خاصا
بين لبنان والأمم المتحدة ، ولا
نرى أننا معنيون بها بصورة
مباشرة .
لايحتاج
القارئ المعني إلى كثير من
العناء ليقف على الطابع
التدليسي لهذا الكلام ، فالنظام
غير معني فعلا بهذه المحكمة
بصورة
مباشر ، ولكنه ( وفق منطوق
العبارة نفسها ) معني بها بصورة
غير مباشرة ، بعد أن سارع بسحب
جحافله من لبنان. إن الدور
السوري بسلبياته وإيجابياته
مايزال حاضرا في لبنان بشكليه
المباشر واللامباشر حتى هذه
اللحظة و إنّ الفارق بين
المباشر واللامباشر لا يعطي صك
براءة لأحد
، لأن القاضي وحده هو من يدين
ومن يبرّئ .
ــ ويفسر الخطاب لمستمعيه ،
" كيف تتعاون سورية مع اللجنة
ولا تتعاون مع المحكمة "
بالقول " هم لايفرقون أو أن
البعض لايفرق
بين كلمة التعاون
، وكلمة التنازل عن السيادة "
!! .
إننا
إذن أمام درس باللغة العربية
حول الفارق اللغوي بين
مفهوم التعاون ومفهوم
التنازل عن السيادة. إن الكاتب
لايملك
أمام
هذا اللف والدوران في الخطاب
حول مسالة المحكمة الدولية سوى
أن ينصح صاحب الخطاب
بأن يكون واضحا وشفافا وصادقا
مع نفسه ومع غيره ، وأن يعلم أنّ
لمستمعيه إضافة
إلى الآذان التي يسمعون بها ،
قلوباً يفقهون بها ،
وعقولاً تفرق بين
الحق والباطل ،
وبين المعقول واللا المعقول
، وبين الغث والسمين .
. 3
7.
ويصل بنا الخطاب أخيرا وليس
آخراً إلى
القضية الفلسطينية ، ومرة أخرى
يريد الكاتب هنا أن ينقل بعض
ماجاء في الخطاب بنصه الحرفي
على قاعدة من فمك أدينك :
ــ في
الموضوع الفلسطيني ... أمر على
نقطة واحدة هي موضوع اللاجئين .
ــ هل من الممكن تطبيق القرار
( المعني القرار 194 ) ، البعض
يطرح إمكانية التنازل عنه .
ــ وأنا سمعت من عدد من الإخوة
الفلسطينيين كلاما موضوعيا
ومنطقيا وقانونيا بأنهاليست حق
حتى الفلسطيني غير اللاجئ
هو
حق للاجئين . وحتى الآن نعرف بأن
اللاجئين لم يتنازلوا عن هذا
الحق .
أولا إن تخصيص الخطاب للقضية
الفلسطينية ، قضية العرب
المركزية ، بضعة أسطر
، وحول موضوع
اللاجئين فقط هو بحد ذاته مدعاة
للأسف والألم
والتساؤل معا . إن قراءة
فاحصة للمسكوت
عنه في هذا الخطاب، وأيضا لما
وراء ماذكره حول موضوع القرار
الأممي 194 ، لاتبقي أية ظلال
للشك ، في أن النظام السوري بات
على قناعة في أن عودة اللاجئين
إلى وطنهم بات أمرا غير قابل
للتحقيق،وأن المباحثات السورية
ـ الإسرائيلية
التي يجري الإعداد لها
بواسطةالعديد من الوسطاء
الدوليين والعرب والسوريين بل
والفلسطينيين ايضا ، إنما تصب
في هذا الإتجاه . وإلاّ مامعنى
تساؤله الخجول " هل من الممكن
تطبيق القرار194 ؟ " وإشارته
المفضوحة إلى أن " البعض يطرح
إمكانية التنازل عنه " !! ،
وللتمويه على هذا الموقف
التراجعي الجديد ، أحال الموضوع
إلى اللاجئين الفلسطينيين
أنفسهم ، أي إلى قسم من الشعب
الفلسطيني مستبعدا بذلك الشعب
الفلسطيني والشعب السوري
والشعب العربي بضربة واحدة !! .
لا ، ياطويل العمر ، اللعبة
أكثر من مكشوفة ، وطرحك للموضوع
على هذا النحو أكثر من مؤسف ومن
مؤلم ومن مخيف .
إن فلسطين ، ياسيادة الرئيس،
هي جزء لايتجزء من الوطن العربي
الكبير ، وإن إسرائيل هي كيان
مصطنع ومحتل ،
وأن الجيش العربي السوري وجيش
مصر العربية
إنما تحركا عام 1967 لتحريرها
، وإعادتها إلى أصحابها
الشرعيين الذين وصفتهم في خطابك
بـ " اللاجئين " ،
والذين تحاول مبادراتكم ،
ومفاوضاتكم ، السرية منها
والعلنية التنازل
عن حقوقهم
المشروعة التي كفلتها لهم
قرارات الأمم المتحدة ، والتي
ماتزال سارية المفعول حتى
ساعتنا هذه . هذا مع العلم أن
عددهم يتجاوز الخمسة ملايين "
لاجئ "! وهو
مايعادل ضعف سكان دولة
الكويت التي قامت الدنيا من
أجلها عام 1991 !!،
إن الكاتب يعرف
أن الخطاب ينطوي على كثير من
الجمل والعبارات الإيجابية
حول فلسطين والقضية
الفلسطينية ، ولكنه يعرف أيضا
أن دور
هذه الجمل والعبارات الطنانة
الرنانة لايعدو أن يكون "
أسمع كلامك يعجبني أشوف فعالك
أستعجب"
إن ماأطلقتم عليها المبادرة
العربية في مؤتمر الرياض الأخير
، والتي تم اعتمادها
بالإجماع ، والتي تقوم على
مبادلة الأرض بالسلام
( الذي تعتزون بأنه بات
خياركم الإستراتيجي )
إنما هي واقع الحال مبادلة
للجولان بفلسطين ، وذلك على
غرار مبادلة السادات سيناء
بفلسطين ، ومبادلة محمود عباس (
أبو مازن ) 15 % من فلسطين بكل
فلسطين . الأمر الذي يعني أنه
يراد لهذه المبادرة " العربية
" أن تكون المسمار الأخير في
نعش القضية الفلسطينية
، بعد أن دق الإجماع العربي
مسماره الأول في صدر هذه القضية
عام 1974 ، حين اعتبروا منظمة
التحرير الفلسطينية هي الممثل
الشرعي والوحيد للشعب
الفلسطيني ، متخلين بذلك عن
مسؤولياتهم القومية والدينية
والخلقية تجاه
فلسطين وشعب فلسطين .
إن شرم الشيخ
( ياسيادة الرئيس ) هي الإبن
الشرعي لجبل الشيخ ، وكلاهما
ينتميان إلى جد واحد وحيد هو
التغييب المتعمد والمدروس لدور
الجماهير العربية في تقرير
مصيرها بنفسها ولنفسها ، أي
لتغييب الديمقراطية وحقوق
الإنسان في الوطن العربي ( من
المحيط إلى الخليج ) . وليست
انتخاباتكم التي أتت بمن توجهون
إليهم خطابكم اليوم في مجلس
الشعب ، وكذلك الإستفتائات التي
جائت بكم كوريث لوالدكم قبل سبع
سنوات إلى رئاسة " الجمهورية
"، والتي يمكن أن
تكرسكم
في هذا المنصب إلى أن
يتوفاكم الله ( من بعد عمر طويل )
إلاّ دليلا قطعيا على صحة
ماذهبنا إليه ( تغييب الدور
الشعبي ) .
8.
وبانتقاله إلى عملية السلام
المتوقفة يشير
الخطاب التوجيهي إلى جملة
من المسائل التي يمكن تلخيصها
بالآتي :
ــ ليس هناك اي تقدم في عملية
السلام ... كما لاتوجد أية
اتصالات مع إسرائيل بهذا الشأن
.. لاسرية ولا علنيةولا غيرها
ــ ولقد بادر العديد من
الأطراف لأداء دور في دفع عملية
السلام ... وأبدينا كل إيجابية
، وشجعنا الجميع على أداء
ذلك ــ إن موقفنا من عملية
السلام كان وما زال واضحا
وثابتا ... منذ انطلاقها في مدريد
عام ...
1991...( وهو يرتكز إلى مجموعة من
الأسس ) وهي مبدأ الأرض مقابل
السلام والقرارات الدولية 242 و
338 ...
ــ فالشعب السوري يدعم حكومته
في عملية السلام وفي المفاوضات
، في الماضي وفي الحاضر وأتوقع
في المستقبل ،
ــ وما طرح عن موضوع الوسطاء
او الوسيط الأخير ، فأنا أطمنكم
بأنه لدينا العشرات مثل هولاء
الوسطاء . .. طبعا
أغلبهم
يريد أن يذهب إلى إسرائيل أو أن
يكون قادما من إسرائيل ، ويريد
أن يلعب دورا ... فنشجعه ...
وسيأتينا الكثير
وسنشجعهم
، وستسمعون نفس الإشاعات ... ولكن
لم نكلف أي احد بأن يفاوض نيابة
عنا ، وإنما نشجع أية جهة
للقيام
بهذا الشيء ، ولبعض من نثق بهم
من الدول المحترمة ...
ــ وعندما
تصبح الأمور ناضجة ضمن المعايير
التي وضعناها .. فنحن سنعلن .. لن
تكون مفاوضات سرية
ــ
لم تكن سوريا في الماضي تطرح
شروطا لعملية السلام ، القرار 242
و338 هي ليست شروطا سورية، هي
قرارات
دولية
... فإذن لاتوجد شروط ، هناك فرق
كبير بين متطلبات وبين شروط ،
المتطلبات شيء والشروط شيئ آخر
ــ إن السلام لدى سورية هو
خيار استراتيجي ، وليس تكتيكيا .
ــ إن لكم دوركم في تكريس
ثقافة المقاومة ... وفي النضال
حتى استعادة جولاننا ..
4
ويتبين بوضوح من استعراض هذه
المقاطع الرئيسية من الخطاب ،
والتي حاولنا أن تكون جامعة
لكافة الرسائل التي يريد
صاحب الخطاب ان يوصلها
للمستمعين والمهتمين ، حول
الإشاعات المتعلقة بالمفاوضات
السرية المباشرة وغير المباشرة
مع إسرائيل
بخصوص " عملية السلام
المتوقفة " ، أن الكاتب مضطر
أن يعود مرة أخرى ، إلى التوكيد
بأن معظم ماورد في
الخطاب ، حول القضية
الفلسطينية إنما
يصبّ بدوره في خانة " يكاد
المريب يقول خذوني " !! .
فخطاب سيادة الرئيس جاء
فيما يتعلق بهذه النقطة
مرتبكا ومتناقضا بامتياز .
وإلاّ فكيف يمكن الجمع بين
الإقرار " بعدم وجود تقدم "
وبين "عدم وجود أية اتصالات
مع إسرائيل" ؟!
، أليس الإقراربعدم وجود
تقدم يشير بحد ذاته إلى وجود هذه
الإتصالات بغض النظر عن كونها
قد فشلت أو نجحت ، تقدمت أو
توقفت !! .
ثم كيف يمكن الجمع ، سواء من
الناحية المنطقية أو التطبيقية
، بين نفي الخطاب لوجود أية
اتصالات مع إسرائيل ، والإقرار
بان العديد من الأطراف والدول
المحترمة "
قد بادر ... لأداء دور في عملية
السلام ... وأبدينا كل إيجابية ،
وشجعنا الجميع على أداء ذلك "
!! . ياسبحان الله ياسيادة الرئيس
، كيف يمكنك أن تستخدم
المنطق الأرسطي بهذه الصورة
الهيغلية الملتبسة والتي لابد
أن تغضب الرجلين معًا . إنني
لااجد نفسي بحاجة إلى مزيد من
الكلام حول هذه المسالة
حيث لايحتاج الأمرلأكثر من
إعادة قراءة ماورد في الخطاب
حول هذه النقطة ، حتى يشاركنا
الإستهجان والإستغراب ، بل
وربما أكثر من ذلك ! ..
وفي رده
على الإدعاءات الإسرائيلية في
ان سوريا هي التي تعطل عملية
السلام ، برفضها الدخول مع
إسرائيل في مفاوضات
" غير مشروطة " يتعرض
الخطاب إلى التفريق بين
مفهومي المتطلبات والشروط .
إن الكاتب يتساؤل هنا بألم
وبأسف شديدين ، لمن يوجه بشار
الأسد كلامه حول الفارق بين "
المتطلبات " و " الشروط "
؟ أللشعب السوري ، الذي لاتمثل
لديه هذه المناورات
اللغوية والتكتيكية قلامة إظفر
؟والذي قد ملّ وقرف من هذه
التبريرات التي مازالت
تتكرر بنفس الصيغة ، وبنفس
السياق ، منذ
هزيمة حزيران1967 ، أي منذ أربعين
عاما بالتمام والكمال
وحتى هذه اللحظة ، أم
أن هذا الكلام المدهون
بالزبدة موجه إلى إسرائيل التي
تعرف أكثر من حكام دمشق ماهو
الفارق بين المتطلبات والشروط
؟ ! . ماهكذا تورد الإبل
ياسيادة الرئيس ، ويا مستشاري
ونواب سيادة الرئيس .
9.
بقي أن نختتم هذه القراءة
لخطاب الرئيس بشار ، بالتوقف
قليلا عند إعلانه
الإستراتيجي ،
بأن " السلام
لدى سورية هو خيا ر إسترتيجي
وليس تكتيكيا " !! .
كنا نتمنّى ياسيادة الرئيس ان
يكون هذا الخيار خيارا تكتيكيا
وليس استراتيجيا . لأن المضمون
الفعلي الذي ينطوي عليه
خياركم الإستراتيجي هذا ،
هو عملياً التخلي
الفعلي عن القضية الفلسطينية
أرضا وشعبا وتاريخا ، والقبول
بالإستعمار الإستيطاني
الصهيوني لفلسطين ، والتنازل عن
كافة القرارات الأممية
المتعلقة بهذه القضية ولا سيما
القرارين 181 و 194
، كل هذا مقابل وعد
كاذب من
الدول الإستعمارية بإعادة هضبة
الجولان ، تلك الدول التي هي
ذاتها المسؤولة
عن زرع " إسرائيل " في
منطقتنا ككلب
حراسة امين على أهدافها
ومصالحها الإستعمارية ، ومدها
بكل أسباب الحياة والبقاء
وبعيدا عن البعد القومي
للقضية الفلسطينية
، نقول لصاحب الخطاب : إن
الكلام عن سلام إستراتيجي مع من
يقف على مشارف
دمشق ، وبالذات على ذرى جبل
الشيخ ، ويحتل جزءا استراتيجيا
من بلدك ( هضبة الجولان ) ، إنما
هو ومن
منظور قطري ( بضم القاف)
صرف ، تنازل استراتيجي عن
أكثر من الأرض ، مع علمنا بأن
هذه الأرض ( هضبة الجولان وجبل
الشيخ ) يمكن أن تعود شكلا ،
وتبقى محتلّة مضمونا ، تماما
كما هي حال جزيرة سيناء مع
اتفاقية كامبديفد.
إننا
نحذر سيادة الرئيس ، وسيادة
أعضاء مجلس الشعب (المنتخبين
ديمقراطيا) من أن يبتلع غول شرم
الشيخ عمامة جبل الشيخ . ألا هل
بلّغت اللهم اشهد .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|