ــ
الخامس
من حزيران 1967 ...مفرخة الهزائم
...!.
د.نصر
حسن
تطل علينا كل عام
ذكرى الخامس من حزيران 1967
بشيئاً منها , بهزيمة جديدة
وتمزق جديد وجرح جديد ونزف جديد
, والنظام العربي وعلى رأسه
النظام السوري لازال يطبل ويزمر
بشعارات الصمود والتصدي
والإنتصار , مصراً على
استمرار حضور شعور المرارة الذي
أنتجه وجعل منه ذكرى
تتكرردورياً في حياتنا, وتعمم
إحساس الخيبة وتعمق اليأس , وسلب
الشعوب ماتبقى لديها من بقايا
إرادة, واستمرارتحطيم
كرامتها وكسر إرادتها على مذبح
استمرار النظام الذي جر الشعوب
العربية إلى النكسة وحصرها فيها
, ليجعل من شعارات النهضة عودة
إلى الوراء , ومن لافتات الوحدة
مقدمة للتمزق والتشظي الوطني
والقومي والأهلي ,ومن
الإشتراكية مواخير للفساد
والفقر, ومن بالونات الثورة
والتقدم إلى التخلف والقهقرى
إلى عهود ماقبل التاريخ .
والنظام العربي
وأوضح تجلياته النظام السوري
الذي مهد للمصيبة في يوم
الثامن آذار 1963 حيث انقض على
السلطة واغتصبها بقوة السلاح في
سورية , ليكون أحد أهم صناعها
ومرافقيها الدائمين , وليجر
المنطقة كلها في غوغائية خطاب
سياسي قومي ظاهراً وباطني صاخب
ملون بكل ألوان الزيف والخداع
ويستبطن مقدمات الهزيمة واقعاً
, وفي سورية التي كانت تمثل
بعضاً من عقل وقلب ووجدان العرب
جميعاً ببعده الحضاري التاريخي
, كانت بداية التحضير الفعلي
للهزيمة من قبل منحرفين وجدوا
في طغيان القوة رسالتهم ودورهم
المشبوه , وفي صخب الأحداث التي
عاشتها الشعوب العربية من
الجزائر إلى فلسطين إلى دمشق
وحولها , وجد فيها فئة مشبوهة
ومنحرفة ضالتهم لدفع شعوب
المنطقة نحو الهاوية , نحو كارثة
تاريخية كان البعد العسكري
أحدها والسياسي ثانيها والفكري
ثالثها والثقافي رابعها
والإنساني خامسها والنفسي
سادسها ولازالت تفرخ أبعاداً
ماساوية بأشكال وألوان , نظام
جعل من الشعارات الفضفاضة
لباسها وغطائها وخداعها , ومن
الأهداف القومية الوحدوية
جسرها للعبور إلى القطرية ومنها
إلى الطائفية السياسية التي
كانت مطية هي الأخرى للوصول إلى
الطائفية الصافية وحكم الأسرة
والفرد , وتأسيس مرحلة جديدة
أسسها وركائزها مفرزات الهزيمة
ومفاعيلها , لتغوص سورية
والمنطقة في مستنقع
الديكتاتوريات الطائفية ووراثة
البلاد والعباد.
وليس من باب التجني
وماهية الموقف السياسي الدقة في
أن يكون مقدمة ومدخلاً لفهم
مفاصلها , ولارغبة ً بإسقاط
الحاضر على الماضي , ولكن حرصاً
على نظرة نقدية مستقلة بعيدة عن
شخصنة الحدث , ولاحصره في أحد
محدداته رغم أهميته , ولاسجالاً
هو الآخر بعض مفرزاتها , بل رغبة
ً في الدراسة النقدية
التقييمية الصريحة والصحيحة
التي لازالت غائبة , لمفصل كرست
نتائجهه أبعاد حدث مثل ويمثل
انكسار تاريخي بكل معنى الكلمة
لنظم وحكومات وأحزاب كانوا هم
الفاعلين الأساسيين في رسم
ملامح المصيبة الماساة التي
طبعت حياة العرب جميعاً ,
وأوقفت المسار النهضوي
والتنموي , وحصرت العقل العربي
كله في سقفها , وتحويلها إلى
حاضنة ترعاها أنظمة الهزيمة
لتفريخ ظروف الهزيمة وثقافة
الهزيمة وسلسلة مفتوحة من
الهزائم وأجيالاً من المهزومين
, نقول ليس من التجني ولكن من
الواجب الوطني التأشير على أن
النظام السوري والمقصود فيه
النظام الذي اغتصب السلطة بقوة
السلاح واستمر متحكماً أساسياً
في لعبة الهزيمة إلى الآن , رغم
كل الواجهات الفكرية
والإيديولوجية التي سادت في
حينها , وأوضحها حزب البعث ونهضة
جمال عبدالناصر , بقي النظام
السوري أسير عقدة السلطة وعليها
أسس وبرمج دوره على استخدام
القوة المادية والسياسية التي
امتلكها لإجهاض وتكسير كل محاور
القوة السياسية والعسكرية
والفكرية التي كانت تقود
المنطقة العربية , وحطمها
جميعاً بجرها إلى ماساة
حزيران التي لم تكن حرباً في يوم
من الأيام بقدر ماكانت مقصلةُ
للجيوش ولقوى التحرر العربية ,
وفعلاً مخططاً لإبعاد جميع
القوى الفتية الفاعلة في الحياة
العربية , للتفرد والسيطرة
على ساحة العمل السياسي وقيادته
عكس مصالح و إرادة الشعوب بل
وحتى عكس اتجاه التاريخ .
وفي حدث مفصلي في
تاريخ العرب والمنطقة الذي صوره
النظام السوري على أنه حرباً
خاضها الجيش السوري والجيوش
العربية على كل الجبهات لتحرير
فلسطين , لكن حقيقة الأمر أنها
لم تكن حرباً في أي شكل من
الأشكال , بقدر ماكانت كشف
الجيوش العربية وهي نائمة أو
منومة لضربها سريعاً وتكسير
هيبتها ومعها كبرياء شعوب
وإلغاء مسار النهضة والتحرر
والإستقلال والتقدم وجر
المنطقة كلها إلى النكبات ,
والغريب أن النظام الذي مهد
وصنع الهزيمة يستمر وكأن شيئاً
لم يكن , بل والأمر من هذا استمر
في دوره بتكبير أبعاد الهزيمة
لتأخذ حجم كبير يرخي مفاعيله
على الحياة العربية بشكل عام ,
النظام الذي صنع الهزيمة وانهزم
وخسر الجولان ومحيطه ,استمر في
لعب دوره المشبوه وحصار القوى
الحية التي لم تستطع الهزيمة
وقفها , وأيضاً في محاولة القضاء
على المحاولات الجادة للرد على
المأساة التي ولدتها نتائجها,
فحاصر الثورة الفلسطينية وقوى
الحركة الوطنية في سورية ولبنان
ولاحقاً حاصر حزبه في العراق
وعمل على حصر كل حركة الواقع
العربي في مساره, مسار
الهزيمة الذي غطاه بشعار السلام
الشامل والعادل وهو في حقيقته
جر المنطقة كلها إلى حالة
الإنهيار والإستسلام .
وفي إصرار النظام
العربي وفي مقدمته النظام
السوري على البقاء ضمن سقف
الهزيمة التي حولها بطول الزمن
والقمع والذل والضعف والهزائم
المتوالية والعجز المهين في شتى
المجالات وامتهان كرامة
وإنسانية الشعوب العربية إلى
المحور القمعي الذي يحرك الحياة
كلها ضمن محدداته , واستمرار
العمل على تأدية دوره المهين
إلى النهاية على أشلاء الشعوب
العربية وحقوقها ومصالحها
التي تقلصت كلها لتصبح على قياس
الفرد الطاغية بطوله وعرضه ,
ليصبح التاريخ العربي الحديث
فرداً ومساراً ذو بعداً واحداً
هو الحاكم المتسلط بأمر الشعوب
ومستقبلها .
يبقى واجب المثفقين
والسياسيين ورجال الفكر غير
المهزومين ومعهم ذاكرة شعوب
كانت جزءاً حياً وفاعلاً في
التاريخ , ومعهم شعوب رغم الظلم
الإستثنائي التي تعرضت له
على مدى أكثر من نصف قرن , لازالت
متمسكةً بخيار الحرية والكرامة
وامتلاك الإرادة ودفعت وتدفع
أثماناً غير مألوفة , مصرةً على
الإنعتاق من أسر الكارثة
وصانعيها ,, و الخروج من تحت سقف
الهزيمة والتحرر من سجنها , ومن
يأسها والرجوع إلى الحلم
والإنعتاق من العبودية والوهم
ليكون المقدمة إلى الفعل , الحلم
الذي حطمته الهزيمه واستعمرت
مساحته في شعور الشعوب , إلى
الحلم الذي ضربته الهزيمة بعنف
وحددته بنتائج المصيبة فشكلت له
ضربة في الوجدان أفقدته توازنه
ولازال ضائعاً في متاهاتها ,
ولارهان على كل الهياكل
السياسية والفكرية والثقافية
التي أنتجت الهزيمة ولازالت
تغذيها , بل الرهان على الرموز
الحية التي حصرتها الهزيمة و
الإستبداد ومخلفاتهما في
خيارين لاثالث لهما , الأول هو
الإفتراق مع الحياة والزمن
وحركة التاريخ وهذا خيار النظام
العربي الرسمي المهزوم ,
والثاني هو خيار الخروج من
دائرة الهزيمة والعمل على تجاوز
هياكلها السياسية والثقافية
والفكرية , وهذا هو خيار الحياة
وحركة التاريخ .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|