ــ
الحلم
.. الشعار.. الهدف :
جهل
.. وعجز.. وضياع !
عبدالله
القحطاني
حين يحوَّل الحلم ، ارتجالاً ،
إلى شعار، ويحوَّل الشعار،
ارتجالاً، إلى هدف واجب
التنفيذ.. يضيع
الحلم والشعار والهدف جميعاً ..
ولا يبقى إلاّ خلطة مصطلحات
شاذّة ، تَخنق أصحابَها ، بَعد
أن تَخنق الشعب الذي يبتَـلى
بها وبأصحابها !
ونحسب الأمثلة الحيّة على الأرض
، أشدّ وضوحاً ، وتوضيحاً ، من
أيّ شرح أو تـفسير:
• حلم
(الوحدة العربية) : ليس ثمّة
مواطن عاقل ، في طول العالم
العربي وعرضه ، لا يحلم بوحدة
عربية ، تشمل الدول العربية
كلها ، من العراق إلى المغرب
العربي ..! وهو حلم قائم على أسس
كثيرة ، منها: اللغة الواحدة ..
والدين الذي تعتنقه أكثرية
أبناء هذه الدول .. والتاريخ
الجامع الذي يَدرسه أبناء
الأمّة العربية ،على اختلاف
أقطارهم ، ويعرفون من خلاله ،
أنهم كانوا مواطنين في دولة
واحدة .. والامتداد الجغرافي
الذي تصوّره خريطة واحدة .. ثم :
الجيش الهائل ، من العلماء
والمثقفين ، والمفكّرين
والأدباء والشعراء.. الذين
تتغذّى على مؤلفاتهم الأجيال ،
على امتداد الساحة العربية ،
دون أن يعرف كثير من أفرادها ،
أين ولِد الشافعي وأين مات.. وفي
أيّ بلد نشأ المتنبي .. وأين عاش
ابن حنبل ، وابن رشد ، والغزالي
، وأبو تمّام، والفارابي ،
والخوارزمي ، والجويني...!
فمؤلفات هؤلاء الأعلام ، تطبع
في كل بلد عربي ، وتبنى بها عقول
وقلوب ، وتزكّى أنـفس ، وتنسَج
رغبات وطموحات وأحلام ..!
• هذا
كله ، على مستوى الواقع القائم ،
المؤسِّس للحلم الجميل ، حلم
الدولة الواحدة ، التي تضمّ بين
جنباتها ، أبناءَ الأمّة
الواحدة ، التي عاشت قروناً
تحتَ راية رمز واحد، هو رمز
الخلافة ..! ثم تبعه رمز السلطنة
، ثم جاء الاستعمار ، فقسّم
وجزّأ، وبعثَر، وفرض الأمر
الواقع ، على الأمّة التي صارت
دويلات ، وظلّ حلم العودة إلى
الاتّحاد ، أو التوحّد ،
مهيمناً على مشاعر أبناء الأمّة
جميعاً..!
• وانحسر
الاستعمار، وظهرت النخب
السياسية ، التي حملت الحلم ،
وصاغته شعاراً سياسياً..! ومعلوم
أن الشعار ليس رمزاً وحسب ، بل
هو مستودع ضخم ، للأهداف التي
تتطلّع الشعوب إلى تحقيقها.
وصار الشعار محوراً تدور حوله
أفكار النخّب ، وغذاء يومياً ،
للمحازبين من الشباب ، الحالمين
الطامحين الأغرار..! وصار يُطرح
في دعايات الأحزاب ، للانتخابات
الرئاسية ، والبرلمانية ،
والبلدية ، والقروية .. دون أن
يَعرف مردّدوه ، أصلاً ، شيئاً
عن أبعاده الحقيقية ، على مستوى
التطبيق العملي ! بل دون أن يكون
أيّ منهم قادراً على مجرّد
التفكير، بالكيفية العملية
لتطبيق الشعار على الأرض ، على
مستوى دولتين متجاورتين ، فضلاً
عن توحيد أمّة تمتدّ على مساحة
هائلة من الأرض ، هي المساحة
الواقعة بين المحيط والخليج..!
• وهكذا..
تَحوّل الحلم الشعبي الواضح
الجميل ، إلى شعار سياسي غامض ،
مطلوب منه أن يترجَم إلى هدف
سياسي عملي ، يتضمّن برنامجاً
لشعب ، في كل دولة من الدول التي
يُرفع فيها الشعار.. شعبٍ له
همومه اليومية ، ومشكلاته
الوطنية الخاصّة، ومعاناة
مواطنيه ، الفردية والجماعية ،
من خلال السعي إلى تحقيق
الحاجات اليومية،
الأساسية والضرورية..!
• ونظراً
إلى استحالة تطبيق الشعار، على
أرض الواقع ، ما لبث أن تحوّل
إلى سلعة، للمتاجرة والمزايدة ،
بين الأحزاب التي ترفعه ، لكسب
أصوات الجماهير..! وتحوّلت هذه
السلعة الكلامية ، نتيجة لكثرة
الاستعمال ، إلى مخزن ضخم ،
للخداع والكذب، والتزييف
المبرمَج للعقول والمشاعر ..!
فأصحابه لا يستطيعون التخلّي
عنه ، لأنه سبب وجودهم على
الساحة السياسية ! فإذا تركوه
انتهوا بانتهائه من حياتهم ..!
وهكذا شأنهم معه: لا يستطيعون
تركه ، ولا يستطيعون تطبيقه ..
فهم مجبَرون على أن يحملوه ،
ويَخدعوا به السذّج من أبناء
شعوبهم ..! وشعوبـُهم التي أدمنت
سماعه من أفواه زعمائها ، الذين
سرقوا السلطات في بلادهم ،
بحجّته ، لا يحقّ لها التخلّي عن
سماعه المفروض عليها ، حتى لو
أرادت ، بعد أن عرفت زيفَ حامليه
، وهدفَهم من التمسّـك به! لأن
حاملي الشعار أنفسَهم ، لو
تخلوا عنه ، لوجَدوا أنفسهم في
العراء ، دون أيّ غطاء يستر
وجودهم الشاذّ على كراسي الحكم
.. يسرقون ، وينهبون ، ويتحكّمون
بالبلاد والعباد ..! فهم مضطرّون
لترديده ، صباحَ مساء ، على
مسامع شعوبهم ، التي وصلت ، تحت
نير القهر الطويل ، من قِبل
الحكام ، إلى درجة لم تعد قادرة
فيها، حتى على قول : كفاكم زيفاً
، وخداعاً ، وتضليلاً ..! لأن هذه
الكلمات تكلف أصحابها ثمناً
باهظاً ، لا يعرف أكثرهم كيف
يدفعه بوعي وحكمة ، للتخلص من
دوّامة الزيف والخداع والفساد
..! وهنا تأتي مهمّة المعارضات
الواعية الشريفة ، المصمّمة،
المستعدّة للتضحية .. لتنتشل
شعوبها الصابرة ، الحائرة
المسحوقة ، من مَهاوي القهر
والذلّ ، والعبودية والهوان !
• هل
نحن بحاجة إلى أمثلة على كل ما
تقدّم ؟ حسناً .. ها هو ذا الحكم
الأسدي في سورية ، ماثلاً
للعيان ! وهو يعبّر أقوى وأصدق
تعبير، عن كل ما قيل ، وما يمكن
أن يقال في هذا المجال ! ومن لا
يعرف طبيعة هذا الحكم ، من أبناء
الشعوب العربية، وغير العربية ،
فـليزرْ مدينة سورية ، ويمكث
فيها شهراً ، ويختلط بأبنائها..
ثمّ يتصوّر نفسه مواطناً
سورياً ، تحت سلطة الأسرة
الأسدية الحاكمة .. ليتسنّى له
الحكم عن كثب ، على الشعارات
وحامليها ! ثمّ ليحمد الله ، على
أن عافاه ممّا ابتلى به كثيراً
من خلقه ! ثم ليتّق الله ـ إذا
كان من الذين يؤمنون به ـ حين
يتحدّث عن هذا النظام ،
وشعاراته ، وإنجازاته ،
ونضالاته ! وبعد ذلك .. كلّ حسيبٌ
على نفسِه ، والله حسيب على خلقه
جميعاً !
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|