ــ
ما
بعد المحكمة
مازن
كم الماز
دخل النظام اليوم
مرحلة جديدة في أزمته مع أمريكا
, لقد اختلت المعادلة الدولية و
الإقليمية التي كانت تشكل
الإطار الذي مكن النظام من
المناورة خاصة مع إعادة ترتيب
المشروع الأمريكي في المنطقة و
إعادة بناء النظام العربي
الرسمي و تغير مركزه و أداءه ,
اليوم بعد أن ظن النظام أنه قد
تمكن من تجاوز المرحلة الأصعب
من الضغوط و الحصار الأمريكي
تصعد إدارة بوش قضية المحكمة
إلى أن تصبح مصدرا مستمرا للضغط
على النظام و لتحاول تحديد
قاعدة علاقة الإدارة الوريثة في
واشنطن مع النظام و لتنقل
سيطرتها على الساحة اللبنانية
إلى شكل مباشر بعد أن وضعت لبنان
تحت الفصل السابع إلى جانب
القرار 1701..الساحة اللبنانية
اليوم ساحة ثانوية بالنسبة
للإدارة الأمريكية تماما
كالساحة السورية و تخضع
بالضرورة لبقية ملفاتها
الشائكة في المنطقة خاصة
الملفين العراقي و الإيراني و
الفلسطيني من خلفهما إضافة إلى
أن ظهور فتح الإسلام يولد عند
هذه الإدارة إحساسا ملحا
للحيلولة دون ظهور الوجود
الأصولي أو انتقاله إلى ساحة
أخرى حيث يلعب التوتر الطائفي
الذي رافق الأزمة السياسية
عاملا محفزا لظهور هذه التيارات
و تغذيتها..لا يملك النظام أية
خيارات بالفعل فهو مضطر لانتظار
مبادرة الطرف الآخر و هو يدرك
ضعفه البنيوي أمام مبادرة هذا
الخارج و يدرك أيضا أن ورقة
الانتخابات الأخيرة التي يدعي
فيها زورا 97% من أصوات السوريين
التي يحتفظ بها في جيبه هي ورقة
بلا رصيد جماهيري..إن عجز
المجتمع عن فرض التغيير في ظل
تهميش كامل سواء في سوريا أو في
أي مكان ينتهي إلى أشكال من "الديمقراطية"
تعيد إنتاج السلطة و في المحصلة
تكرس الصيغة القائمة..في لبنان و
العراق جرت الانتخابات لمرة
واحدة بغرض إيجاد
حالة سلطوية جديدة تبحث
بشراسة عن إعادة إنتاج سيطرتها
على الحياة السياسية و يدخل
الصراع بين أطراف النخبة
السياسية إلى حالة استعصاء فيما
يستمر غياب الناس عن المشهد..يمكن
لهذه القوى أن تؤسس لأنظمة
تستمر بإعادة إنتاج سيطرتها إلى
ما شاء الله مع استمرار التهميش
الذي يتعرض له المجتمع أمام
السلطة..إن بنية الطبقة
السياسية اليوم خارج إطار
الأنظمة الفردية التاريخية و
تعويلها على قرار الخارج بتغيير
النظام و موقفها من الجماهير و
الشرعية التي تدعيها خاصة عبر
علاقتها مع المؤسسات
الإكليروسية و المقدس الطائفي
تعني أنه لا يمكن مثلا اليوم في
لبنان أو العراق القيام بأي
تغيير من خلال الطبقة السياسية
المدعومة إكليروسيا و يحتاج أي
تغيير جدي إلى مواجهة سلطة هذه
الطبقة و سيطرتها على البلاد و
العباد و موقفها من مشاريع
الخارج الأمريكي و إلى استعادة
المجتمع للمبادرة..في ضوء هذه
التطورات في أزمة النظام فنحن
أمام أحد خيارين يجري تقرير
أيهما سيتم اختياره في واشنطن
خاصة من الإدارة المقبلة و هما
إما الدخول في مرحلة شبيهة
بمرحلة الحصار على نظام صدام
يمكن أن تكون مأساوية إذا ما
شاركت فيها أوروبا خاصة فرنسا
ساركوزي و النظام العربي الرسمي
أو تغيير مفروض من الخارج يأتي
بتحالف أو توافق بين قوى داخلية
قادرة أن تسيطر على الجماهير
بعد سقوط الديكتاتورية , عادة
تقليدية أو طائفية مع غياب أو
تغييب الفعل المجتمعي المنظم , و
بين إرادة و مصالح الخارج
الأمريكي..إن النظامين السوري
كالعراقي حرصا على تهميش و
تغييب أي نشاط مستقل لمؤسسات
المجتمع المدني و إلحاقها
بمؤسسات النظام مما أدى موضوعيا
إلى تغييب أي بديل للنظام..نعرف
من المثال الإيراني الذي ما زال
فيه النظام يعيد إنتاج سيطرته
منذ عقود و من مثال الأنظمة
البيروقراطية في أوروبا
الشرقية التي استمرت لسنوات
طويلة أن هذه الأنظمة يمكنها أن
تستمر على الرغم من تناقضاتها
مع مصالح الشعب و الوطن و هنا لا
يمكن إنجاز أي تغيير إلا من داخل
النخبة البيروقراطية الحاكمة
كما جرى في أوروبا الشرقية و كما
كان خاتمي على وشك أن يفعل في
إيران..حتى أن هناك فرقا و لو غير
جوهري بين تلك الدول التي جرى
فيها التغيير بيد الشعب و بين
الدول التي جرى فيها التغيير من
داخل الطبقة السياسية الحاكمة ,
ففي دول أوروبا الشرقية يمكن
على الأقل للشعب أن يعيد النظر
في سياسة الفئة الحاكمة و أن
يجرب بدائل أخرى أما في الدول
التي جرى فيها التغيير من خلال
الطبقة البيروقراطية الحاكمة
تحولت الانتخابات إلى حالة
روتينية لا تختلف عن نموذج ال 99%
التي يمارسها النظام في سوريا
لإعادة إنتاج سلطة النظام حتى
أنه رأينا كيف ورث حيدر علييف
كرسي الحكم لابنه و كيف مدد حليف
أمريكا نزار باييف عدد مرات
ولايته كرئيس إلى مدى الحياة و
حتى في أوكرانيا و جورجيا كان
التغيير بحاجة إلى الفعل
المباشر في الشارع..هناك خيار
واحد فقط يمكن أن يغير هذا
السيناريو هو أن يجري التغيير
بقوة الشعب و لصالح الوطن و
الشعب في هذه الحالة فقط يمكن
تأسيس سلطة تخضع للشعب و تمارس
علاقة متوازنة بين الوطن-الداخل
و الخارج , يكون هذا التغيير هنا
بداية طريق شائك يخرج فيه
المجتمع من حالة الجمود الذي
فرضه قمع النظام و تأطيره أي
نشاط لهذا المجتمع و لهذه
الجماهير في إطار مؤسساته
البيروقراطية الرسمية يكون فيه
التغيير بداية لعملية تفاعل مع
الشعب - المجتمع لإنتاج حالة
سياسية اجتماعية اقتصادية أكثر
توافقا مع مصالح الجماهير و
الشعب , هنا يكون التغيير بداية
حراك مجتمعي حر لا يقبل أية
وصاية أو مصادرة له
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|