ــ
معايير
النشر والخطوط الحمر
الطاهر
إبراهيم*
كثيرا ما شكا
الكتاب من إهمال الصحف
لمقالاتهم وعدم نشرها. ولا تعدم
الصحف أن تجد السبب الوجيه –حسب
وجهة نظرها- لكي تبرر تغاضيها عن
النشر، كأن تكون المادة أقل من
مستوى معين، أو أن الموضوع طرق
أكثر من مرة على صفحاتها. وبعض
الصحف لا تبدي أي أسباب وتترك
القارئ في حيرة من أمره. أما
الكتّاب فلهم آراء أخرى وراء
رفض النشر ومعظمها لا يبرئ تلك
الصحف، ويعتبر أن الأسباب
السياسية أوإرضاء هذه الدولة أو
تلك هو الأهم. لأن معظم الصحف لا
تعيش من وراء توزيع أعدادها،
ولا بد من مدد يمدها بالعون، ولا
تجد ذلك إلا عند الحكومات التي
تتضايق من الكتاب المعارضين.
ولقد وجد الكتاب
الناشئون في المطبوعات
الإنترنتية متنفسا لهم فتوجهوا
إليها بعد أن سُدّت أبواب الصحف
في وجوههم، ففتحت المواقع
الإلكترونية صفحاتها لهم،
وكانت سببا في أن أسماء لمعت في
عالم الكتابة بفضل تشجيع تلك
المواقع لها، خصوصا وأنها لم
تضع قيودا إلا التزام المقال
بالتعبير عن فكرة معينة. وحتى
الكتابة باللغة العامية لم تعد
عائقا عند كثير من المواقع أمام
النشر.
ومع التوسع في
المواقع، ودخول كثير من الكتّاب
ساحة الكتابة، بدأت بعض المواقع
تضيق بوفرة المعروض من المقالات.
فبدأت تضع معايير للنشر، بعضها
موضوعي، وأكثرها من نوع التزام
الموقع لنهج معين ولافتات
سياسية معينة. وما من كاتب إلا
وشكى من إعراض هذا الموقع أو ذاك
عن نشر بعض مقالاته.
وإذا كنا من
الذين يقبلون بفكرة التزام
المواقع لمعايير محددة، كأن
نقبل بأن يتم رفض نشر المقالات
التي تجرح بالأشخاص، إلا أن ذلك
يجب أن يكون ضمن منهج واضح، على
أن لا يتجاوز ذلك فيصبح خطوطا
حمرا تحمي السياسات الفاسدة. لا
نجرح الأشخاص ونفند السياسات،
ويبقى ذلك أبلغ من السباب
والشتائم وأشد. غير أن قبولنا
بالتزام المواقع معايير معينة
وتفهمنا لظروف كل موقع لا يعني
أن لا نشير إلى أن بعض تلك
المعايير قد وصلت حد التصوف
والتَزَمّت، بحيث أصبح رفض
المقالات هو الأصل والنشر هو
الاستثناء، فكثرت الخطوط الحمر
أمام الكتّاب ،الطارف منهم
والتليد.
مالم أفهمه أنا
وكثير غيري أن تلجأ مواقع
محسوبة بشكل أو بآخر على
المعارضة للأنظمة الحاكمة في
بلادها، فتحجب مقالات تهاجم
الاستكبار الأمريكي، حتى لا
تحسب هذه المواقع على منظمات
إرهابية لدرجة أن يقول أحد
المشرفين على موقع ما: إننا تحت
دائرة الضوء
وكل ما ننشره محسوب علينا.
وهكذا تكون هذه المواقع قد خطت
الخطوة الأولى في طريق
التنازلات ووضع نفسها تحت
الوصاية. وهي بذلك تظن أنها يحق
لها أن تتغاضى بعض الشيء عن بعض
الثوابت -ولو مرحليا- فتهادن قوى
عظمى. وتبدأ هذه المواقع
بالتخفيف من نشر المقالات التي
تهاجم سياسة واشنطن، وحجتها في
ذلك أن واشنطن تراقب كل ما يكتب.
وعند هذا الحد لا بد أن نقول لمن
يروج لهذه الأفكار‘ إذن فيمَ
نختلف عن "الجلبي"؟
ولماذا تنددون
بالغادري إذن؟ أغلب الظن أن
المتكلم لم يصل إلى الدرجة التي
أشرنا إليها أعلاه، ولكنه أراد
أن لا يثير حفيظة الرئيس
الأمريكي "جورج بوش" الذي
دأب على التنديد بأنظمة قمعية
معينة، ليوحي بذلك للمعارضين
بأنه في طريقه إلى تغيير تلك
الأنظمة، وأن على المعارضة أن
تنسجم مع الجو الذي يسود من
حولها، وإلا فلا تغيير ولا من
يحزنون.
نرجو أن نكون قد
أخطأنا الحساب وأن هذه الأفكار
وليدة حسابات غير ناضجة. لكننا
نذكّر الجميع بأن كل العواصف
الهوجاء التي هبت على أوطاننا
العربية والإسلامية جاءت بها
الريح التي هبت من بلاد العم
سام، وأن المآسي التي تضرب في
أفغانستان والعراق وفي فلسطين
جاءت بها الريح العقيم التي هبت
من أمريكا. "صحيح أننا لم نمت
ولكننا رأينا من مات قبلنا".
وبمن نندد إذن إن سكتنا عن بوش؟
يبقى أن نقول:
إننا لا نحسبها بهذا الطريقة.
وإذا كنا معارضين لأنظمة، فإن
هذا لا ينسينا أن أصل البلاء هي
واشنطن التي وطأت لتلك الأنظمة.
إننا لن نتوانى عن التنديد
بواشنطن و"بوش". وما قلناه
في مقالات سابقة نعيده هنا: من
ينشر لنا شكرناه، ومن لا ينشر
عذرناه، ولا نحيد عن خطنا الذي
نهجناه ولو لصقت أيدينا بالتراب.
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|