ــ
المملكة
العربية الأسدية
ياسر
سعد
ثمة اقتراح أريد أن أوجهه
للقيادة السورية الحالية،
خصوصا في حمى القرارات
المتسارعة، وحرق المراحل التي
تمّت لتنصيب د. بشّار الأسد
رئيسا للجمهورية العربية
السورية. الاقتراح يقضي بتحويل
الجمهورية الى مملكة والى إعادة
تسميتها المملكة العربية
الأسدية حتى تناسب الواقع
المعاش، وأتصور أن البرلمان
السوري القادر على تغيير
الدستور بسرعة مدهشة وبشكل لا
مثيل له في العالم، يستطيع مع
القيادة القطرية والتي عدّلت هي
الأخرى قوانينها بمرونة مذهلة
الى تبني هذا الاقتراح وتحويله
الى واقع عملي.
الاقتراح ليس من باب التندر
والسخرية كما قد يُتصوّر، ولكنه
من باب الاعتراف بالأمر الواقع
ولتوفير الجهد والمال ورفع
الحرج عن القياديين
والبرلمانيين السوريين حتى لا
يصفهم الرئيس السوري الأسبق “أمين
الحافظ” بالمنافقين ولا يصفهم
غيره بالدمى المتحركة.
كم يكلف الاستفتاء على الرئاسة
كل سبعة أعوام وقتا وجهدا
ومالا؟ وهل كنّا بحاجة الى
الاستفتاء الأخير في شباط (فبراير)
99 والذي استنفرت فيه الدولة
كافة أجهزتها وكان الشغل الشاغل
لسفاراتها وقنصلياتها في
الخارج؟ ثم إن البلاد أضحت ملكا
لعائلة الأسد، فالمنافس الوحيد
على السلطة نظريا كان رفعت
الأسد، والدولة كلها لهم أو من
فضائلهم، فهذا مطار الأسد
وبحيرة الأسد ومدينة الأسد...
كمواطن سوري يعيش مجبرا في
المنفى منذ كان طفلا أقول لشهود
الزور من المسؤولين العرب الذين
ردّدوا العبارة البالية “نرضى
بما يرضى به الشعب السوري”، إن
الشعب السوري بأغلبيته
المسحوقة يرفض ما يجري وإن كان
كغيره من الشعوب العربية عاجز
عن فعل التغيير في الوقت الحالي.
أما
موقف الدول الغربية بمجمله
ودعمها لبشّار الأسد، فإنه يعزز
ويؤيد الاتهامات المتكررة لتلك
الدول بالنفاق وبازدواجية
المعايير، فالولايات المتحدة
الأمريكية دعمت بشّار عبر
الاتصال الهاتفي لكلينتون معه،
وأعربت الادارة الأمريكية عن
اعجابها بسلاسة انتقال السلطة
في دمشق دون أن تنوّه بلا
ديمقراطية هذه الاجراءات رغم أن
الولايات المتحدة تعتبر نفسها
بمثابة الحارس العالمي
للديمقراطية وحقوق الانسان.
أما بريطانيا والتي احتجزت مطولا
الحاكم السابق لشيلي لمحاكمته
على جرائم ضد الانسانية رغم أنه
تخلى عن الحكم لنظام ديمقراطي
في بلاده في خاتمة المطاف،
بريطانيا صرّحت بأن أفضل طريقة
لتخليد ذكرى الأسد تكون في
السير على خطاه في مسيرة السلام.
غربيا وإنسانيا ما هي الخصال
التي يستحق الأسد عليها تخليد
الذكرى؟
أما فرنسا والتي استبقت الجميع
في مباركة تولي بشّار الأسد
الحكم في سورية باستقبال شيراك
له في قصر الاليزيه وحضور جاك
شيراك شخصيا جنازة الراحل حافظ
الأسد رغم أن جوسبان في زيارته
الأخيرة لإسرائيل صرّح بأن
إسرائيل الدولة الديمقراطية
الوحيدة في الشرق الأوسط، وسمى
سورية بالإسم بصفتها دولة
ديكتاتورية، هذا التصرف المتصف
بالنفاق له ما يبرره فرنسيا،
فبالإضافة الى سباق النفوذ
المتواصل بين أمريكا وفرنسا،
فإن العلاقات التاريخية بين
فرنسا والطائفة العلوية أيام
الاستعمار الفرنسي كانت
معروفة، حتى أن رسالة تنشر
دائما في أوساط المعارضة
السورية تزعم أنها من جدّ حافظ
الأسد الى الحكومة الفرنسية
يطالبها البقاء في سورية قبل
جلاء القوات الفرنسية منها.
ردود
الفعل الغربية بمجملها كانت في
الاشادة بالراحل حافظ الأسد رغم
كل الخلافات الحادة الظاهرية
بينها وبينه تاريخيا واختلاف
الرؤى والتوجهات في الحكم
والقيم والاقتصاد. كل ذلك لأن
حافظ الأسد إختار السلام مع
إسرائيل، وكأن إسرائيل
والعلاقات معها هي ميزان
التقويم بغض النظر عن سجل
الراحل السيء في مجال حقوق
الانسان والحريات العامة أو
إنجازاته الاقتصادية والعلمية
المعدومة.
لقد ترك حافظ الأسد سورية في وضع
من الصعب أن تصل الى أسوأ منه،
بلد فقير منهوك الاقتصاد مثقّل
بالديون الخارجية، ضعيف
الخدمات، يعشعش في مؤسساته
وأركان حكمه العمولات والرشاوى
وفساد الذمة، وجيش ضعيف مفكك لا
يقوى ولا يجرؤ على مواجهة عدو أو
دعم صديق، مخزون الحقد في
الصدور كبير، حقوق الانسان
مسحوقة، دور المواطن مغيّب
تماما إلا عن دور التصفيق
والتطبيل ناهيك عن ذكريات حماة
وطرابلس وتدمر وجسر الشغور وتل
الزعتر ونهر البارد، وفرق الموت
التي اغتالت رياض طه وسليم
اللوزي وبنان الطنطاوي وكمال
جنبلاط وغير ذلك الكثير مما لا
يتسع المجال لذكرهم أو إحصائهم.
قصير
النظر ذلك الذي يظن أن حافظ صمد
أمام الضغوطات الأمريكية،
فلولا القوات السورية والقوات
المصرية لم تتجرأ أمريكا على
تدمير العراق، حافظ الأسد لم
يوقع إتفاقية سلام ليس صمودا
ولا حرصا على الجولان التي ضاعت
عندما كان وزيرا للدفاع، لا بل
لحسابات تتعلق بوضع الطائفة
الحاكمة والتي لا تستطيع احتمال
تخفيض حجم القوات المسلحة
ونفوذها داخل الدولة، فهذا سبب
ووسيلة بقائها تحكم الأغلبية
السنية المقهورة في البلاد.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|