صراع
العقائد..
وضياع
العلمانيين ، في أتونه ..أو على
هوامشه!
ماجد
زاهد الشيباني
•
حين يكون الصراع ، داخل
الوطن الواحد ، وطنياً ، تكون
ساحاته مفتوحة لأبناء الوطن
جميعاً ، على اختلاف مشاربهم
وتوجهاتهم ، وقبائلهم ومساكنهم
، وعقائدهم وأعراقهم . وهذا
النوع من الصراعات ، يشارك فيه
الناس ، انطلاقاً من اقتناع به ،
واضحٍ أو غامض ، لدى كل منهم ..!
ومن النادر أن يتحول هذا الصراع
إلى صراع دموي ؛ إذ لا مسوّغ
لهذا ، مادام الجميع يؤمنون ،
بوعي ، أن الوطن للجميع ، وأن
أيّ خراب فيه ، سيكون على حساب
الجميع .. ومادامت المشاركة
السلمية فيه متاحة للجميع !
• وحين
يكون الصراع قبَلياً أو عِرقياً
، يشارك فيه أبناء القبائل ، أو
الأعراق، المتصارعة ، بصرف
النظرعن عقائدهم وتوجهاتهم
السياسية ، ومساكنهم وثقافاتهم
.. يجَرّون إليه جَراً ، أو
يُدفَعون إليه دفعاً ، باقتناع
منهم ، أو بغير اقتناع! وفي كثير
من الأحيان ، يتحول هذا الصراع
إلى صراع دامٍ، لأن الصراعات
القبلية لا يضبطها ـ في العادة ـ
، الوعي الوطني والسياسي، كما
يضبط الصراعات الوطنية ! (ويمكن
وصف هذا النوع من الصراعات بأنه
: فتنة!).
• وحين
يكون الصراع داخل الوطن دينياً
، فبحكم الاضطرار، أو الخوف ، أو
الحميّة .. يشارك فيه ،غالباً ،
أبناء كل دين ، كلّ يشارك مع
أبناء ملّته أو دينه ، بصرف
النظر كذلك ، عن التوجّهات
السياسية ، والاختلافات
القبلية والعرقية والثقافية ..
وبصرف النظر عن اقتناع كل منهم
بجدوى هذا الصراع ، أو أهمّيته ،
أو ضرورة المشاركة فيه .. أو عدم
اقتناعه بشيء من هذا كله..! وهنا
أيضاً، يتحول الصراع ، في
الغالب، إلى صراع دام! (ويمكن
وصف هذا الطراز من الصراعات ،
بلا تردّد ، بأنه : فتنه !)
• أمّا
حين يكون الصراع مذهبياً ،
داخلَ الدين الواحد ، ويتحول
المذهب فيه إلى عقيدة ، فإن
الذين يؤجّجونه ، ويندفعون إلى
إشعال ناره ، هم المتحمّسون له ،
سواء أكانوا كلهم ، مدركين
للفروق الجوهرية ، والثانوية، ـ
الأصول والفروع ـ بين العقائد
المتصارعة ، أم كان أكثرهم لا
يَعرف شيئاً من هذه الفروق ،
إنّما يندفع إلى الصراع بحماسة
، وهياج عاطفي أعمى ! (ويبدو أن
هذا النوع من الفتن ، هو أشدّها
وأقساها !).
• ويكون
أكثر الناس حيرةً ، في هذا
الصراع ـ المذهبي.. العقَدي ـ
وخيبةً، وضياعاً ، أولئك الذين
لا يؤمنون ، أصلاً، بأيّ من
العقائد المتصارعة ، بل ربّما
كان بعضهم ملحداً ، لا يؤمن بربّ
، أو نبيّ ، أو دين .. ويكون مع
ذلك ، محسوباً ـ بحكم الولادة
والنشأة ـ على هذا المذهب أو هذه
العقيدة ! ولمّا كانت الصراعات
الدينية ، والصراعات المذهبية ـ
التي تتحول المذاهب فيها إلى
عقائد ـ تتحول ، في كثير من
الأحيان ، إلى صراعات دمَويّة ،
يقبِل عليها المتحمّسون
عقَدياً بقوّة وإخلاص ، رغبة
بدخول الجنّة، أو حرصاً على
إرضاء الله عزّ وجلّ ، ويَحرصون
على أن يَقتلوا ويقتَلوا.. لمّا
كانت هذه الصراعات بهذا الشكل،
فإن أتعس الناس فيها ، هم أولئك
الذين يُدفعون إلى الموت فيها
دفعاً ، دون أن يكون لدى أيّ
منهم إيمان بها، أو بالعقائد
المتصارعة فيها ، أو حتى بالإله
الذين يَحرص المتصارعون على
رضاه ..! فدنياهم هي حياتهم التي
يحيَونها فحسب ، ولاشيء وراء
ذلك عندهم ، فلماذا يموتون !؟
ومن الذي أعطى المتصارعين
العقَديين المتحمّسين ، الحقَّ
في أن يَزجّوا بهم ، في صراع لا
يؤمنون به ، ولا بالغاية التي
نشب من أجلها !؟ ( ولا بدّ من
التذكير هنا ، بأن أصحاب
العقائد الدينية ، كثيراً ما
يتسعّرون في لهيب صراعات حامية
دامية ، يفجّرها العلمانيون ،
أصحاب الفلسفات الشمولية، داخل
أوطانهم .. من شيوعيين ،
واشتراكيين متحمّسين ، دون أن
يكون لهؤلاء العقَديين
الدينيين ، ناقة أو جمل ، في هذه
الصراعات /الرفاقية!/ الدامية
المدمّرة ، التي تحرق الأوطان
كلها ، ولا يَسلم من لهيبها أحد
، كبيراً كان أم صغيراً ، مؤمناً
بجدواها أم غير مؤمن ..! بل
كثيراً ما كان المتدينون ،
أكثرَ الناس تعاسة وشقاء ، في
هذه الصراعات ؛ إذ يكونون في
مقدّمة ضحاياها ..! هذا إذا لم
تنشب هذه الصراعات ، ابتداء ،
لسحقهم واستئصال شأفتهم !)
• وهنا
يبدأ هؤلاء البؤساء ( الضحايا)
بالتفلسف ، والتنظير للعقائد
والمذاهب والديانات ..! ( ولا بدّ
من التأكيد هنا ، على أن أبناء
الوطن كلهم ، بائسون وضحايا ، في
هذا النوع من الصراعات العبثية
..! على اختلاف درجات البؤس بينهم
..! ) .. ويدخلون في تفصيلات دقيقة
أحياناً ، يَضلّون في متاهاتها
، لأنهم لا يملكون المعلومات
الكافية ، التي تؤهلهم للخوض
فيها ، فيكشفون عن جَهالات
عجيبة ! ( ولا نقصد الجميع بالطبع
، بل الكثيرين منهم ) ..! أو يقفون
عند عموميات سطحية ، يرون من
خلالها أن المذاهب المتصارعة
كلها تنتمي إلى دين واحد ، وأن
المتصارعين فيها كلهم مجرمون ،
يجرّون البلاد والعباد ، إلى
حروب عبثية مدمّرة ! فكلهم في
الإثم سواء ، وليس بينهم مَن هو
على حقّ ، بل هم جميعاً على باطل
!
• الحروب
المذهبية ، التي قامت في
أوروبّا ، في قرون خلت ، بين
الكاثوليك والبروتستانت
والأرثوذكس ، لم توفّر أحداً من
أتباع المذاهب ، ولم ينج من
نيرانها أحد ، متديناً كان ، أم
علمانياً ، أم بوهيمياً دَهرياً
!
• الحرب
المذهبية ، التي نشبت في القرن
العشرين المنصرم ، بين
الكاثوليك والبروتستانت في
أيرلندا ، حصدت الكثير من نفوس
البشر الذين لا يؤمنون بها .. مع
المؤمنين بها !
• حرب
البلقان ، التي نشبت في بعض
أقاليم يوغوسلافيا الممزقة ،
بين الصرب والكروات ، كانت
حرباً مذهبية بين نصارى ، والتي
نشبت بين الصرب والمسلمين ،
كانت حرباً دينية بين المسلمين
والنصارى . وقد شبّت الحربان في
وقت واحد ، وتداخلتا تداخلاً
كبيراً ، وحصدتا عشرات الألوف
من الأنفس البشرية ، المقتنعة
بالحرب وغير المقتنعة ، والتي
لا تملك أن تشكّل اقتناعاً أو
رأياً ، كالأطفال ، والسذّج من
البشر!
• الحرب
الناشبة اليوم في العراق ، بين
الفرس الذين يحملون الهوية
العراقية ودولة فارس من جهة ،
وبين العرب أبناء البلاد
الأصليين من سنّة وشيعة، من جهة
أخرى ، تبدو للمراقب البعيد ،
حرباً طائفية سنّية شيعية ، بين
أبناء العراق .. وتحتدم حولها
السجالات الكلامية ، في وسائل
الإعلام ، ويتفلسف المنظّرون ،
حول ضرورة الاتّفاق بين أبناء
الوطن الواحد ، دون أن يحاول
أكثرهم التعمّقَ في المسألة ،
ليراها على حقيقتها ، حرباً
فارسية، ضدّ أبناء العراق ،
سنّتهم وشيعتهم على حدّ سواء ،
والمذهب الذي توظّفه دولة الفرس
، للتعمية على حقيقة غزوها
للعراق ، يخدع الكثيرين من
أبناء العراق ، ولاسيّما الشيعة
العرب ، فينساق بعضهم بحسن نيّة
، وراء هذه الخدعة المقيتة ،
ويوظّفون أنفسَهم أدواتٍ ، في
صراع تديره دولة الفرس،
للاستيلاء على بلادهم ، وجعلها
ولاية فارسية ! ولو انتبهوا
قليلاً ، لرأوا جيّداً مصير
الشيعة العرب في إقليم الأحواز
، وما يعانونه من ظلم واضطهاد ،
على أيدي الأجهزة الأمنية
الإيرانية ، بل لرأوا مصير بعض
إخوانهم العرب ، من شيعة العراق
أنفسهم ، وما مورِسَ عليهم من
عمليات قتل وتهجير، وتطهير عرقي
فارسي ! وهنا يتداخل التوظيف
بشكل معقّد على الساحة العراقية
: دولة إيران الفارسية ، توظّف
المذهب الشيعي، للهيمنة على
العراق ، ومِن ورائه الهيمنة
على المنطقة العربية بأسرها!
وشيعة الفرس ، حملَة الهوية
العراقية ، يوظّّفون القومية
الفارسية ، المدعومة من دولة
إيران ، للهيمنة على العراق ،
وتصفية العرب فيه ، بشكل تامّ !
وبعض قادة الميليشيات الشيعية
المحسوبة على العرق العربي،
يَقتلون بعصاباتهم أبناء
جلدتهم ، سعياً وراء شعارات
طائفية مسمومة ، زيّنتها لهم
أوهام مَرضية ، مصنّعة في أقبية
أجهزة الاستخبارات الفارسية !
ولو فكّروا بمذهب آل البيت ،
الذي يدّعون الانتماء إليه ،
لوجدوا الفرس أبعَدَ الناس عنه !
فلا آل البيت فرس ، ولا الأئمة
الذين يتاجرون بالانتماء إلى
مذهبهم ، يحملون الأحقاد
الفارسية المزمنة على العرب ،
والأطماع الإمبراطورية
الفارسية ، في الهيمنة على
الأمّة الإسلامية مابين
المحيطين! ولو سأل أحد هؤلاء
الشيعة ، العرب البسطاء ، نفسَه
، هذا السؤال البسيط الواضح ،
لوجَد نفسَه في حيرة عميقة ،
وارتباك شديد ! والسؤال هو :
لحساب مَن أقتل أهلي وأقاربي ،
مِن إخوة وأعمام وأخوال ،
وأبناء عمّ وأبناء خال .. ثم
أبناء عشيرتي وأبناء قبيلتي ،
ثم جيراني وأصدقائي وزملائي ،
ورفاق طفولتي وشبابي..!؟ لحساب
مَن أقاتل هؤلاء ، فأقتلهم أو
يقتلونني !؟ ومِن أجل ماذا !؟ مِن
أجل جعفر الصادق والحسين ،
وعليّ وفاطمة الزهراء !؟ أم مِن
أجل كورش وساسان ، وأمجاد
الأكاسرة القدماء المتوجين ،
والأكاسرة الجدد المعمّمين !
فهل جرّب أحدهم أن يطرح على نفسه
هذا السؤال ، وهو أهمّ واجب يقوم
به المرء ، في مثل هذه الظروف
المصيرية الخطيرة !؟
• وتظلّ
مأساة العلمانيين على ما هي
عليه ! بعضهم يرى الحقائق وينبّه
إليها، دون أن يَسمع صوتَه أحد !
وبعضهم يُساق سوقاً ، إلى مصير
أسود ، يخسر فيه حياته وبلاده ،
دون أن يستطيع أن يفعل أيّ شيء ،
سوى الصراخ : ما هذا العبث !؟
ولماذا !؟ وإلى متى .. !؟ وإذا كان
بعض العلمانيين ، قد أدركوا
حقيقة الصراع ، وعلِموا يقيناً
، أنه غزو فارسي شرس للعراق ،
تحت حراب الأمريكان وحلفائهم
الصهاينة ، فإن هؤلاء
العلمانيين ، لا يملكون إلاّ
ترديد الصراخ ذاته ، متضمّناً
الأسئلة ذاتها : ما هذا العبث !؟
ولماذا !؟ وإلى متى !؟
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|