ــ
الوضع
الفلسطيني.. إلى أين؟!
أ.د.
محمد اسحق الريفي
ماذا
بعد... سؤال يطرح نفسه بقوة على
الجميع في ظل ما شهدته الساحة
الفلسطينية من تطورات في أعقاب
نجاح حركة حماس في إنهاء تمرد
عصابات الأجهزة الأمنية التي
تولت تنفيذ مؤامرة أمريكية
صهيونية معلنة لتصفية قادة حركة
حماس وعناصرها، وهو سؤال يفرضه
استمرار مسلسل التآمر الذي
تقوده الولايات المتحدة
الأمريكية ضد حركة حماس، خاصة
في ظل القرارات الباطلة التي
أصدرها محمود عباس والتهديدات
التي أطلقها الاحتلال الصهيوني.
وفي
البداية، تجدر الإشارة إلى أن
إنهاء حالة الفلتان التي كانت
تقودها عصابات تعمل في الأجهزة
الأمنية، وتتخذ من حركة فتح
مطية لها وغطاء تنظيمي
لإجرامها، قد أصبح مطلباً
شعبياً وهدفاً استراتجياً
لحركة حماس منذ أن حالت تلك
العصابات دون مزاولة الحكومة
الفلسطينية العاشرة أعمالها
والتمتع بكامل صلاحياتها،
فتحولت تلك الحكومة إلى رأس بلا
جسد وفق مخطط أمريكي صهيوني
أشرف على تنفيذه التيار
المتصهين في فتح.
ولم
يتوقف الأمر عند هذا الحد من
الانقلاب على شرعية الحكومة،
فقد تحولت تلك العصابات إلى
أداة لنشر الفلتان الأمني
بذريعة تأخر رواتبها، رغم أنها
أنفقت على نشر الفلتان أضعاف
مرتباتها، الأمر الذي أدى إلى
تقويض أسس السلم والأمن في
المجتمع الفلسطيني، وتمزيق
نسيجه الاجتماعي، وتحويل غزة –
تحديداً – إلى بيئة خصبة
للإجرام والإفساد، فكان لا بد
من وضع حد لهذه العصابات
والتيار المتصهين الذي يرعاها
وإخضاع الأجهزة الأمنية لوزارة
الداخلية.
ولذلك
فإن الحالة التي وصل إليها
شعبنا في الضفة والقطاع جاءت
نتيجة طبيعية وحتمية لتآمر
الولايات المتحدة الأمريكية
وحلفائها على القضية
الفلسطينية، ورعاية ما يسمى
"المجتمع الدولي" لتلك
العصابات ودعمها بالمال
والسلاح والعتاد، لتصفية حماس،
وارتكاب الجرائم البشعة بحق
شعبنا وقتل العشرات من أبنائه
دون أي ذنب.
ولقد
كثف العدو الأمريكي والصهيوني
في الآونة الأخيرة من تحريضه
لتلك العصابات ودفعه لها إلى
ارتكاب المزيد من الجرائم
البشعة ضد شعبنا وقادة حماس
وكوادرها، فوجدت حماس نفسها بين
خيارين اثنين: إما السكوت على
جرائم تلك العصابات خشية اندلاع
حرب أهلية، وإما مواجهة تلك
العصابات والسيطرة على الأجهزة
الأمنية التي تحتضنها حفظاً
للأمن ولوضع حد لمؤامرة أمريكية
صهيونية إجرامية.
الخيار
الأول كان سيؤدي إلى شق صف حماس
وتمرد مجاهديها الذين نالوا
النصيب الأكبر من إجرام تلك
العصابات وعدوانها المتواصل،
وهذا ما كان يسعى إليه
الأمريكيون والصهاينة ويروجوا
له، مستخدمين كل إمكاناتهم
وإمكانيات عملائهم، طمعاً في
خروج بعض عناصر كتائب القسام عن
طاعة قيادتها العسكرية
والسياسية وتحولها إلى خلايا
منفلتة، وبالتالي تشويه صورة
المقاومة الفلسطينية تمهيداً
للقضاء عليها.
وقد
كان العدو الأمريكي والصهيوني
يأمل في أن يؤدي الخيار الثاني
إلى اندلاع حرب أهلية تخرج منها
الأجهزة الأمنية منتصرة على
حماس ومجاهديها رغم أن
المواجهات السابقة أكدت عكس ذلك
تماماً، فقد أظهرت كتائب القسام
في تلك المواجهات قدرة عسكرية
فائقة وتمكنت من السيطرة على
العديد من مواقع الأجهزة
الأمنية بسرعة وبسهولة واستولت
على أسلحتها وعتادها العسكري.
لم
يسع حماس إزاء هذه المؤامرة
الخطيرة سوى تدارك الأمر بسرعة،
والحفاظ على الحد الفاصل بين
الصبر والعجز، والعمل بحنكة على
حماية وحدة صفها ووجودها،
والحفاظ على التأييد الشعبي
الذي تحظى به، فضربت ضربتها
الحاسمة، فأذهلت العالم،
وخيَّبت ظن العدو الأمريكي
والصهيوني، وقلبت الموازين
الأمريكية والصهيونية، ووضعت
المجتمع الدولي وجهاً لوجه أمام
تعديه على حقوق شعبنا وفشله في
كسر إرادته... وحق للجميع أن
يسأل: "ماذا بعد".
ومن
البديهي القول أنه لا يوجد
خيارات كثيرة أمام حركة حماس
وشعبنا المجاهد غير الصبر
والثبات، وإعادة بناء الثقة
وتمتين الجبهة الداخلية،
والعمل على رفع معاناة شعبنا من
خلال تكافله وتلاحمه، ونقل صورة
الأوضاع في الضفة وغزة للعرب
والمسلمين وكل العالم، وكشف
حقيقة الدور الخياني الذي
يمارسه محمود عباس وتياره
المتصهين، وفضح المجتمع الدولي
الذي توحد على انتهاك حقوق
شعبنا والتنكيل به والتآمر
عليه، وتعرية الاحتلال
الصهيوني وفضحه، والتصدي
للهجمة الإعلامية الشرسة ضد
حماس والحكومة الشرعية التي
تتولاها...
وفي
ذات الوقت لا بد من مواصلة
المقاومة ضد الاحتلال حتى دحره،
وبذل كل الجهود الممكنة لكسر
الحصار الاقتصادي والسياسي
المفروض على شعبنا وحكومته
الشرعية، والعمل على فتح الحدود
بين مصر وغزة لينال شعبنا حقه في
السفر والتنقل والتجارة أسوة
بكل شعوب الأرض ووفقاً للقوانين
والمعاهدات الدولية والأعراف
الإنسانية والشرائع السماوية...
وتجدر
الإشارة إلى ضرورة قيام الأحزاب
والتنظيمات والحركات العربية
والإسلامية، والمؤسسات الفكرية
والثقافية والسياسية العربية
والإسلامية، والقادة السياسيين
والمفكرين والمثقفين والعلماء
والدعاة المسلمين بدورهم في
نصرة شعبنا ودعمه، وتحمل
مسؤولياتهم القومية والدينية
والإنسانية، والضغط على النظام
الرسمي العربي من أجل كسر
الحصار عن شعبنا ورفع الظلم عنه.
وهنا
يحق لنا التساؤل عن سبب تجاهل
بعض الفضائيات العربية
المشهورة لمعاناة شعبنا،
ونقلها المشوه والمختزل وغير
الحيادي لحقيقة الأوضاع في
الضفة وغزة، وعدم التزامها
بالمصداقية، وتبنيها لوجهة
النظر الأمريكية والصهيونية
ورواية التيار المتصهين
للأحداث...!!
إن
أكبر تحدي يقف اليوم في وجه حماس
وشعبنا المجاهد هو وجود فئة من
أبناء الشعب لا تنظر إلى القضية
الفلسطينية إلا من خلال معايير
غير وطنية تتعلق بحياتها
المعيشية، فمثل هذه الفئة لا
تؤمن بمعاني التضحية والصبر
وتحمل المعاناة والاحتساب عند
الله عز وجل، وتعتبر مصالحها
فوق كل الاعتبارات الوطنية
والدينية. وعادة
لا تشعر هذه الفئة بتضحيات
الشهداء وما يلاقيه المعتقلون
واللاجئون من شتى صنوف الذل
والمهانة والعذاب.
وهذه
الفئة هي مادة الآلة الإعلامية
الصهيونية التي تشن حرباً نفسية
على شعبنا وتسعى إلى النيل من
إرادته وعزيمته، وهي وسيلة
الولايات المتحدة الأمريكية
والمجتمع الدولي لتأليب شعبنا
وتحريضه ضد حكومته الشرعية.
أما
التحدي الثاني، فهو يكمن في أن
شريحة واسعة من الشعوب العربية
والإسلامية لا تعرف حقيقة ما
يجري في فلسطين وتستقي
معلوماتها من وسائل الإعلام
التي تزور الحقائق وتشوه
الصورة، إضافة إلى اعتمادها في
فهم الأمور على الأقلام التي
تمارس الإرجاف والتثبيط، الأمر
الذي يؤدي إلى تثبيط الهمم
وتخلي العرب والمسلمين عن
مسؤولياتها تجاه شعبنا، وإطلاق
العنان للنظام الرسمي العربي
للمساهمة في حصار شعبنا والتآمر
على حكومته الشرعية التي تقودها
حماس.
أما
بالنسبة لخيارات العدو
الأمريكي والصهيوني فهي كثيرة،
وهي تتراوح بين خنق غزة
وتجويعها حتى الاستسلام أو
الموت وبين مساومة حماس على
المعابر والحدود في مقابل وقف
إطلاق صواريخ القسام على
المغتصبات الصهيونية وإطلاق
سراح الجندي الصهيوني الأسير...
وبين
الخنق والمساومة، ستجيش
الولايات المتحدة الأمريكية
وسائل الإعلام العربية التي
تمولها وأبواق الدعاية
الصهيونية التي تمتلكها لشن حرب
نفسية على شعبنا، وتشويه صورة
حماس لدى العرب والمسلمين
والعالم، وربطها بأحداث العنف
في لبنان وانتشار الإرهاب في
العالم، والطعن في استقلالية
مواقفها وقراراتها...
وسيحاول
العدو الصهيوني إحكام سيطرته
على الضفة الفلسطينية لمنع
تكرار الحالة الغزية فيها،
وسيستغل العدو الأمريكي
والصهيوني فلول التيار
المتصهين الذي فر إلى الضفة
ويوظفه في محاولة تصفية حماس
والقضاء على ذراعها العسكري.
كما
أن الجيش الصهيوني قد أعد خطة
عسكرية لإنشاء شريط حدودي على
أراضي قطاع غزة، لمنع إطلاق
صواريخ القسام على المغتصبات
المجاورة للقطاع، واستخدام
فلول التيار المتصهين دروعاً
بشرية لحماية مغتصبة اسديروت
ومرتزقة لمحاربة كتائب القسام...
وفي
ظل استمرار مسلسل المؤامرات على
القضية الفلسطينية، لا يوجد
أمام شعبنا سوى التمسك بالثوابت
والحقوق وعدم الرضوخ لإملاءات
المجتمع الدولي ومطالبه
وشروطه...
ولا
يوجد أمام الحكومة الشرعية التي
تتولاها حماس سوى الاستمرار في
عملها وأخذ صلاحياتها كاملة –
على الأقل في قطاع غزة – رغم
المرسوم العبثي الذي أصدره عباس
وتمخض عنه ولادة حكومة عبثية
باطلة بكل المعايير، ولا يوجد
أمام الحكومة الشرعية غير
المبادرة إلى إنجاز برامجها
للإصلاح والتغيير، ورفض مخطط
فصل الضفة عن غزة أو إقامة دولة
فلسطينية في غزة.
ومع
حسم الأمور في غزة لصالح شعبنا
وحركته المقاومة، والقضاء على
أدوات التآمر الأمريكي
الصهيوني هناك، وانتهاء ظاهرة
الفلتان واختفاء أسبابها، فلن
يضر شعبنا العزل والخنق
والتآمر، طالما أن جبهته
الداخلية موحدة وعصية على
الاختراق والتمزيق، وليذهب
الصهاينة والأمريكان وعملاؤهم
ومؤامراتهم إلى
الجحيم.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|