ــ
مخيم
نهر البارد وحسم الفتنة...
كيف
سيقرأها النظام السوري ؟!.
د.نصر
حسن
في بداية أحداث
الفتنة التي قامت بها مجموعات
مسلحة محسوبة
على النظام الأمني السوري كما
أثبتت مجريات الأمور
والتحقيقات , أرادها ذلك النظام
أن تكون بدون نهاية , بل خطط لها
وحددها مكاناً وزماناً
وأدواتاً لتكون
مشروعاً متنقلاً للفوضى
والإرهاب على ساحة لبنان كله ,
وأبعد منها إلى الساحة
الإقليمية من بيروت إلى بغداد
إلى غزة إلى أماكن أخرى , ضمن رؤى
النظام السوري الخائبة للخلاص
من مآزقه المتعددة المستعصية ,
بدءًا من الوضع الداخلي مروراً
بالخلاص من المحكمة الدولية ,
وصولاً إلى استجداء الإستسلام
بأي ثمن , وانتهاءً بوهم
استمراره في الحكم , على
ركام هذا الكم الهائل من
الضحايا والخراب والتنازل عن
المصالح الوطنية والقومية ,
والتخازل على كافة المستويات.
والنظام السوري
الذي حكم لبنان ثلاثين عاماً
على قاعدة حماية لبنان من
الصراعات الداخلية والحرب
الأهلية والحفاظ عليه من
العدوان الخارجي , والتي كانت في
معظمها شعارات زائفة تخفي
وراءها ماأظهره سلوكه وفعله على
واقع الحياة السياسية والأهلية
والإقتصادية في لبنان , بات
اليوم وبعد تلك الحقبة
الإستعمارية الفجة في حياة
لبنان , يتصرف على حقيقته
على مبدأ مجبراً أخاك ,
مجبراً بمعادلة أمنية قمعية
فاسدة ,وخالية من أية مفاهيم
وطنية أو حتى سياسية بمحصلتها
العامة على الساحة اللبنانية
والسورية والعربية ,والتي ساقته
إلى حالة الإستعصاء السياسي
والوطني والقومي والأخلاقي قبل
كل شيء.
ومن غرائب
النظام السوري,
أنه خرج من لبنان ولم يخرج ,
وياليته خرج حتى بخفي حنين ! خرج
وترك وراءه رائحة كريهة وسمعة
سيئة وسابقة مهينة في العلاقات
العربية وحسن الجوار والروابط
الأخوية , وجعبة مليئة بالشبهات
على حقيقة دوره على الساحة
اللبنانية الذي عكسه تخاذله
المزدوج القديم الجديد ,
باحتلال بيروت ومشاركته في
تصفية الحركة الوطنية
اللبنانية والمقاومة
الفلسطينية ورموزالحرية
والديموقراطية في لبنان , وأكثر
من ذلك ضرب عرض الحائط بكل أسس
العلاقة الإجتماعية والجغرافية
والتاريخية بين سورية ولبنان
وأوصلها إلى الحضيض على كافة
المسارات , بأن جعل منها ورقة
للمساومة المستمرة بدماء
اللبنانيين وحياتهم ومستقبلهم ,
ورأى فيها قرباناً دائماً على
لبنان أن يقدمه له
دون سؤال أو جواب .
والنظام السوري
أيضاً , الذي خرج من لبنان
مرغماً وعلى غير موعد أو قراءة
أو استشعار منه , لم يترك وراءه
سوى صداه الأمني والعسكري
التفتيتي وبقايا مفخخاته على
الساحة اللبنانية لتفجيرها حسب
العرض الخارجي والطلب الإقليمي
, راقصاً على وتر الإرهاب الذي
يهز المنطقة كلها , واهماً أن
رقصه العاثرهذا يغري بمواهبة
القوى الخارجية التي تلعب
بمفاصل الساحة الإقليمية , وغاص
في مستنقع الأوهام والحسابات
الخائبة واستمر برعونة غريبة في
تأدية دوره الخطير في لبنان
, كونه الورقة الأساسية التي
وفرت له استمراره , وأصر على أن
تكون الساحة اللبنانية ملعباً
مفتوحاً له على الدوام , وارتكب
الكثير من الأحداث الخطيرة ,
كانت أشبه بزلازل سياسية هزت
لبنان والمنطقة , كانت أخطرها
عملية اغتيال الرئيس رفيق
الحريري , رافقها بسلوك سياسي
وأمني ورسمي مع لبنان متناقض ,
المفهوم منه أنه يشير إلى نفسه
بأنه وراء كل تلك الأحداث
الخطيرة التي عصفت بلبنان.
والغريب الذي لم
يستطع النظام السوري قراءته هو
أن مرحلة الوصاية على لبنان قد
انتهت لبنانياً وعربياً
وإقليماً ودولياً , لكنه لم يصدق
ولايريد أن يصدق , واستمر على
نسج دوره
في لبنان على نوله الأمني الذي
لم ينتج لعشرات السنين سوى
إخراجه بدور شرطي أمي وطائش
سيطرت عليه عقدة مصالحه وفساده
في لبنان , وراهن على المساومات
وعلى الضغوط وتوهم أن تلك
الجرائم ستمر كسابقاتها , مرور
الكرام , فعمل على تعطيل تشكيل
المحكمة الدولية , لكنه من حيث
لايدري أخرجها تحت البند السابع
, ومن حيث يدري ولكن لايعقل أشعل
فتيل التفجير في مخيم نهر
البارد وهو يعرف خطورته ويراهن
هذه المرة على إسقاط لبنان كله
وليس الشرعية والحكومة فيه فقط ,
إنه الخيار على الجيش اللبناني
الذي يعد عملياً هو الباقي من
وحدة لبنان والكيان اللبناني ,
وكان أيضاً رهاناً فاشل كسابقيه
, ولم يصل إلى مايريد ,وحاول
إشعال الحريق في كل لبنان , وفشل
وأثبت الجيش اللبناني قدرته
ووحدته وحسم الصراع وقبر الفتنة
, وأصبحت فلول النظام السوري
الإرهابية والسياسية , بعضها في
حالة إعياء تهرب إلى بقايا
جحورها , التي أصبحت معزولة
ومعروفة ومؤشرة , والبعض الآخر
محشور باليأس والصمت والتحفز
لإرتكاب المزيد من الحماقات هنا
وهناك.
واليوم والجيش
اللبناني أعلن حسم الأمور في
مخيم نهر البارد , ورغم تلك
الخسائر المؤلمة البشرية
والمادية والإنسانية لدى
اللبنانيين والفلسطينيين والتي
سببها قرار ليس له من وصف سوى
أنه صادر عن النظام السوري ,ليضيف
إلى تاريخه الأسود في سورية
ولبنان والمنطقة صفحة سوداء
لعينة أرادها بداية لتفجير
لبنان وتمزيقه , لكنها كانت
نهاية لكل أوهامه ولكل أحلامه
بتمزيق لبنان إلى أشلاء...ومخيم
نهر البارد وماتبعه من اغتيالات
وتفجيرات وأخطرها اغتيال نائب
بيروت الراحل وليد عيدو , أراد
منها النظام السوري أن تكون
مرحلة وليس حدثاً , مرحلة تمثل
الإنقلاب الأخير على وحدة لبنان
والإطاحة بالنظام
السياسي فيه أولاً ,ودخوله نفق
المجهول ثانياً ,وسحبه إلى
الحريق الإقليمي ثالثاً ,وجعله
ساحة مفتوحة للإرهابيين رابعاً
,على أمل إبليس بالرجوع إليه
بهذا الشكل أوذاك خامساً , لكن
إرادة الإستقلال والشرعية
اللبنانية والجيش اللبناني
لقنت النظام السوري الدرس
الأوجع في مخيم نهر البارد
وكشفت حقيقة دوره بالصوت
والصورة والأدوات والتخطيط ,
وحشرته في نتائج سياسته الأمنية
, وأثبتت تواطؤه أمام العرب
والعالم , وكشفت أميته السياسية
والوطنية , وأظهرته كما هو ,
عارياً مساوماً مستسلماً
خائباً سابعاً
وثامناً ....وعاشراً.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|