ــ
ما
الذي يعزل المرأة عن تولي
الإدارة والوزارة والحكم؟
مصطفى
حبيب*
كثيرا ما يساورني الشك
والتردد في الكتابة عن المرأة،
فالمتعارف في أوساطنا
الاجتماعية وحتى السياسية أن
المرأة هي التي ينبغي أن ترفع
صوتها وتطالب بحقوقها أو في
النقد والنصح والملاحظة حول
دورها والفرص المتاحة أو
المحرومة منها أو في أي من
شؤونها..
قد يكون هذا صحيحا وان كنت لا
أعتقد ذلك، أقبله بشكل نسبي لا
بالمطلق، وحيث ان النساء شقائق
الرجال فشؤون المرأة لا تنفصل
عن شؤون الرجل سواء في الاجتماع
وفي الثقافة وفي السياسة
والاقتصاد وغيرها من الشؤون
العامة. لكن المرأة في مجتمعنا
أنى لها أن تبحث ما هو خارج
أسوار القيم المتعارفة والشؤون
التفصيلية العادية للحياة في
البيت وفي محيطها الخاص، ولو
خرجت من تلك الأسوار لاتهمت
بالزيغ أو الانحياز أوالمبالغة
في أقل تقدير.
في الحقيقة انني من
منطلق كوني من مجتمع الرجال
لو تناولت موضوعة المرأة أو أي
شأن من شؤونها انما هو في صميم
ما ورثته في ثقافتي من مفهوم
البر الذي لم يحدده الدين في
العبادة والشعائر الروحية بل
وضعه في عنوانه العام: ليس البر
أن تولوا وجوهكم قبل المشرق
والمغرب ولكن البر من آمن بالله.....
والموفون بعهدهم اذا عاهدوا..)177
سورة البقرة ( وليس البر بأن
تأتوا البيوت من ظهورها.) نفس
السورة 189 الى
غير ذلك من التعبيرات التي وردت
في القرآن وسنة النبي واهل بيته
وأدبيات علم الأخلاق، وهو الذي
دعت اليه القيم الانسانية وان
تفاوت مستوى انتماء المجتمع
للدين.
من مصاديق البر بر الوالدين
والبر بالأبناء وتعميق الرابطة
بالجار وبالصديق.. وحيث أن
المرأة تتجسد في أمي وأختي
وابنتي، أمي التي أثنى عليها
العلماء والحكماء فهي التي
حملتني شهورا طويلة في رحمها ثم
بين ذراعيها وعلى بساط راحتها،
وكل ما عندي من روح وعقل فهو
نتاج جهدها بالدرجة الأولى.
وكما هي أمي في الماضي فهي
أختي في الحاضر وهي ابنتي في
المستقبل أراها تحبو وترقى في
سلم الدرس والتحصيل من علم وأدب
وحكمة ومن فنون الحياة، هذه
الحياة المتجددة والمتطورة
التي لا تعرف الاستقرار على شكل
محدد أو تصميم ثابت.
والمرأة هذه، أعني أمي وأمك
أو ابنتي وابنتك، أو أختي واختك
هي نصف المجتمع، ولا أعني نصفه
العدي او المئوي انما على
الجميع أن يقر أنها جزء مكمل أو
أساس- لافرق- في
المجتمع الواحد الى جنب الرجل،
تتقدمه أو تتأخر عنه، وهو أي
الرجل انما ابني وابنك، أو أخي
وأخوك.
وللأسف لو تحدثت مجردا من
الانتماء العقدي او النظمي فان
وقع ذلك أكثر لدى النمط العام من
المثقفين والمتطلعين الى الغد
الأفضل، لأن النظم الدينية لم
تكشف عن وجهها الأصيل الخالي من
شوائب الأنظمة المجتمعية، فلم
تستطع المؤسسة الدينية أن ترشح
لنا قيمة الدين التي نزلت من
السماء كما ينزل الغيث الصافي
بجزيئاته المشبعة بالاملاح
الحيوية التي تغذي الأرض
وتصلحها.
لذلك فلابد ان أنطلق من تلك
القيم الصافية بعيدا عن سيف
القهر والظلم الذي حرفها الى
ألوان شتى مغايرة لها، وأضاف
اليها مجتمع الرجال الذكوري
المتوارث ما ينسجم مع طبيعته
غير المهذبة التي ظلمت المرأة
أو مجتمع المرأة على الأصح.
ليس ما تتعرض له امرأة ما حالة
فردية انما يدعمها ما يعتري زهو
الرجل بعضلاته وقدراته الجسمية
التي لم تكن حصيلة جهد قدمه بل
منحها اياه الخالق سبحانه،
وأمره أن يقف بها عند حدود وخطوط
لا يتعداها تلك هي حقوق الآخر
الشريك وهو المرأة.
ربما لم يستطلع الكثير من
الناس ما يقوله علماء منصفون
ومفكرون من ان حديث: "ما أفلح
قوم ولوا أمرهم امرأة"، الذي
يستخدمه طائفة من الفقهاء ما هو
الا حديث آحاد لم يتأكد ولا يوجد
نص آخر يدعمه، فلماذا نتمسك به
ضاربين نص القرآن عرض الحائط: (
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم
أولياء بعض..) ونلوح بهذا الحديث
الذي لم يمر بمرحلة التدوين الا
بعد مئة عام من وفاة الرسول ( ص)
لذرائع لست بصددها.
ولو فرضنا أن الحديث صحيح وقد
صدر عن النبي الكريم، حين ورده
خبر من بلاد فارس، لكن لماذا لا
نتعامل مع النص في اطار ظرفه
الاجتماعي ونسقه الزماني
والمكاني المختلف عن ظرفنا
الآن؟
أو لم يأمرنا القرآن بالتدبر
في نصوصه وخطاباته: ( أفلا
يتدبرون القرآن أم على قلوب
أقفالها؟ ) لماذا
لا نتدبر القصص التي كان
ابطالها من النساء وفي الطليعة
منها ملكة سبأ وقصتها مع النبي
سليمان عليه السلام؟
لا أريد سرد القصة بتفاصيلها،
لكن ألا يدل نظام مملكتها
القائم على المشورة كما يشير
القرآن:( قالت يا ايها الملأ اني
ألقي الي كتاب كريم. إنه من
سليمان وإنه بسم الله الرحمن
الرحيم. ألا تعلوا علي وأتوني
مسلمين. ) فكان أن طلبت المشورة
والرأي من رجالها: ( قالت يا ايها
الملأ أفتوني في أمري
ماكنت قاطعة أمرا حتى
تشهدون.
قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس
شديد والأمر اليك فانظري ماذا
تأمرين؟.. قالت إن الملوك اذا
دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة
أهلها أذلة وكذلك يفعلون. وإني
مرسلة اليهم بهدية فناظرة بم
يرجع المرسلون). وهكذا رجح عقلها
على عقل رجالها، في التريث في
الموقف.
وهذا يدل على مدى ما بلغته
الملكة من النضج السياسي. وهي
امرأة شاورت الرجال ثم أعملت
عقلها في التعامل مع دولة اخرى
تلوح بالقوة، بعكس رجالها الذين
انفعلوا وأبدوا استعدادهم
للتعامل بالقوة لكنها لم تمل
الى رأيهم واستقرت على موقف
حكيم لاستطلاع الخصم أولا، وحتى
في ما بعد حين لم تأخذها عزة
الملك وأذعنت للحق فأسلمت مع
سليمان ولم تسلم لسليمان والفرق
واضح حيث تعاملت حتى في اسلامها
مع سليمان تعامل الأنداد
باعتبارها صاحبة ملك مثله.
وبتحليل الموقف نجد أن الحكمة
انطلقت من عقل هذه المرأة وغابت
عن عقول نخبة الرجال. المرأة وهي
ملكة في بلادها أظهرت غاية
الفطنة والعقل في ان تجس نبض
الخصم بوفد وهدية قبل أن تقدم
على أمر خطير أبدى الرجال
استعدادهم لخوضه وهو المواجهة
والقتال، وكان في ما يبدو عرفا
سائدا في العلاقات آنذاك.
فأين قصورالمرأة اذن، وأين
الذي يعرضه البعض من الضعف
والقصور كحالة ثابتة للمرأة؟
أين عقول الرجال التي فاقها
عقل تلك المرأة بحكمتها وحنكتها
السياسية.. لم ترجح المواجهة مع
خصم يخاطب من موقع لم تعرف عنه
الا القليل. انها قرأت لغة
الخطاب وفهمت المطلوب كموقف
مناسب قبل أن يستوعب النخبة من
الرجال الموقف.
طلبت منهم المشورة والمشاركة
في القرار لكنهم لم يوفقوا
لاعطاء المشورة ووضعوا الأمر في
عهدتها ولم يتحملوا مسؤولية
المشاركة في القرار.
أين اذن قوة الدليل على تخلف
أو ضعف أو عدم أهلية المرأة
لتولي الادارة أوالوزارة أوحتى
رئاسة الحكومة أو الدولة؟
*كاتب عراقي- لندن
تعليق من مركز
الشرق العربي:
مع تأكيدنا على أن المقالات
المنشورة تعبر
عن وجهة نظر أصحابها ننشر هذا المقال وننوه
إلى أن حديث "ما أفلح قوم .." حديث صحيح لايقال عنه غير ثابت !! وكونه
حديث آحاد لا ينافي الصحة فجل الأحاديث
الصحيحة أحاديث آحاد يذكر هذا
تمييزاً لها
عن الحديث المتواتر.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|