نصر
الله يدمّر بيروت ويقعد على
أنقاضها
الطاهر
إبراهيم*
في محاضرة لأحد المعارضين العرب
الإسلاميين، قاطعه فيها أحد
الحضور متهما أمريكا بأنها وراء
الاستبداد والاضطهاد الذي
يعيشه المواطن العربي تحت نير
حكم أنظمة الفساد القمعية التي
تجلد الظهور وتستبد بالأمور
وتعدّ على المواطنين أنفاسهم،
فيرفع المعارض الإسلامي صوته
ليقول: إن الحاكم العربي
المستبد المتسلط على مقدرات
الوطن والشعب هو من يجلد
ظهورنا، وهو الذي يتحمل جريرة
ما يوقعه ضد المواطنين، ولا يهم
بعد ذلك إن كانت واشنطن تدعمه أو
غيرها، أو أنه ينطلق من طبيعته
عدوانية شريرة تجعله ينسى أن من
ينكل بهم هم أبناء وطنه.
وبناء على ما تقدم، ومع عدم نسيان
مسئولية حكام دمشق وحكام طهران
عما يحصل اليوم وأمس وغدا وبعد
غد من خراب وتدمير في لبنان،فإن
من يتحمل المسئولية بالدرجة
الأولى عن كل ذلك هو الأمين
العام لحزب الله "حسن نصر
الله" الذي لا ينسى أن يطل على
أتباعه ومحازبيه كلما هدأت
الأمور في لبنان أو كادت، ليشعل
النار داخل نفوس هؤلاء، الذين
لا يدرون لمَ سكت كل المدة
السابقة ولمَ تكلم اليوم؟ فما
يهمّ عند "السيد" هو أن
يقول: أنا هنا! وأن على
اللبنانيين السمع والطاعة من
دون محاكمة لما يقول، ولا يهم
بعد ذلك أين يمكن أن يصل حديثه
بهم، الذي يطول ويستطيل لأكثر
من ثلاث ساعات.
وضع "نصر الله" نصب عينيه
أهدافا يريد أن يصل بلبنان
إليها ولا يهم بعد ذلك الثمن.
وهو لا ينسى أن يقول للذين
يناقشونه الحساب أنه دفع حياة
ابنه ثمنا في سبيل لبنان عندما
قتلته إسرائيل قبل عدة سنوات.
وكأن على الجميع أن يدفع الثمن
كما دفع هو. ولا يهمّ بعد ذلك ما
هو صائر في لبنان. ولا يتساءل
"نصر الله" فيما إذا كان ما
يخطط له هو الحل الوحيد، أو الحل
الأنسب، فما يهم بالدرجة الأولى
أن تكون لبنان كما يشاء ويختار.
كل اللبنانيين يعلمون أن "نصر
الله" هو الأقوى في لبنان،
بما يمتلك من أسلحة زودته دمشق
وطهران بها. وكل اللبنانيين
يعلمون أن ملياراته "الحلال"
التي تأتيه من طهران هي أكثر من
المئات من الملايين "الحرام"
–على حد زعمه- التي تبرعت بها
حكومات عربية للحكومة
اللبنانية. وطبعا مسميات الحلال
والحرام هي من التوصيفات التي
يتحفنا "نصر الله" بها كلما
علت نبرة صوته وهو يطل علينا
واعظا ومهددا، تماما كما كان
ينعم بأوسمة الخيانة والتبعية
لأمريكا على زعامات لبنانية
تخالفه الرأي، وأن حكومة رئيس
الوزراء اللبناني السيد "فؤاد
السنيورة" هي حكومة "فيلتمان"
السفير الأمريكي في بيروت.
ولكن اللبنانيين يعلمون أيضا،
أنه لم يكن ضروريا أن يرسل "الفتوات"
ليعيثوا فسادا ودمارا في بيروت
وفي غيرها من المدن اللبنانية.
وهل هذه السيارات التي دمرت في
شوارع بيروت هي ملك
للإسرائيليين؟ وماذا سيقول نصر
الله لصاحب سيارة أجرة دمرها
فتواته إذا ما سأله: من أين
سيأتي بثمن سيارة أخرى ليعيل
بريعها أطفالَه؟ وهل سيعده "نصر
الله" بأنه سيدفع له ثمن
سيارته التي دمرت، كما وعد سكان
الضاحية الجنوبية بالتعويض
عليهم ب 12000 دولار لبناء كل بيت
دمره العدوان الإسرائيلي؟
قد يكون حكام دمشق يفركون أيديهم
فرحا بما يحصل اليوم في لبنان،
مسرورين مما جرى . وأنهم يقولون:
انظروا ما حصل، لأن مخابرات "رستم
غزالي" لم تكن هناك تضبط
الأمن في بيروت. وقد يقول "أحمدي
نجاد" إنه لن يكون هناك
استقرار في لبنان ما لم تكن كلمة
طهران هي العليا في بيروت.
ولكننا ننتظر أيضا أن يطل علينا
"نصر الله" لنسمع تنظيراته
لما حصل، وما هو مبرر هذا العبث
والتخريب؟
من المؤكد أن القضية في لبنان
ليست قضية حكومة وحدة وطنية،
طالماأن السنيورة سيكون رئيسا
للحكومة، وهو مالم يعد مناسبا
بعدما اتهم "نصر الله"
حكومةَ "فؤاد السنيورة"
بالعمالة لأمريكا. كما إنه من
الواضح أنها ليست قضية انتخابات
نيابية جديدة تأتي ببرلمان يكون
له ولحلفائه فيه أكثرية تسمح
بانتخاب الجنرال "عون"
رئيسا لجمهورية لبنان. إذ أن
الشارع المسيحي الذي صفق
للجنرال عندما رجع من منفاه في
باريس، تضاءلت فيه شعبية "عون"
بعد ممارساته غير الشعبية
وتحالفه مع حزب الله حيث لا يحظى
هذا التحالف برضا الكثير من
المسيحيين في لبنان. وحتى
المحكمة الدولية ربما ما عادت
تهمّ نصرَ الله كثيرا، بعد أن
افتضح أمر المفاوضات بين سورية
وإسرائيل، وأن رأس "حزب الله"
كان من بين الأمور التي فاوض
عليها الرئيس السوري ثمنا
للسلام مع إسرائيل.
البعض يعتقد أن القضية ربما
تتعلق بأن "حزب الله" أصبح
أقل من أن يشبع طموح "السيد"،
بعد أن أصبح مصيره محتوما كرئيس
لحزب سياسي مثله مثل باقي
الأحزاب، بعد أن كان جنرالا من
دون نجوم يقارع الإسرائيليين في
الجنوب. كثيرون يعتقدون أنه من
الصعب أن يكون "عون" مطواعا
مع "نصر الله" كما كان "لحود"
فينفذ مايريد. فالجنرال صعب
المراس ولا ينسى "ذيله"
الذي قطعه "حافظ أسد" ،حليف
نصر الله، يوم دحرت القواتُ
السورية وحداته في الحرب بينهما
عام 1992، وأرغم بعدها على ترك
لبنان منفيا إلى باريس. ومع ذلك
فليس أمام "نصر الله" –على
ما يظهر- إلا أن يجرب حظه مع
الجنرال "عون".
كل الحيثيات التي أشرنا إليها،
وأمور أخرى يضيق المجال عنها لا
تبرر الدمار الذي حدث يوم
الثلاثاء الكبير في 23 كانون
الثاني الجاري، والقتلى
والجرحى والحرائق، كأن بيروت
ساحة حرب كالتي حدثت عندما
دخلتها القوات الإسرائيلية في
عام 1982. مالا نعرفه حتى الآن هو
شعور "حسن نصر الله" وهو
يتابع، من مخبئه ومن خلال
تلفزيون المنار، منظر بيروت وهي
تحترق. بعض الحلبيين عندهم مثل
يقول: "خربها وجلس على
أكوامها". لا نريد أن يكون "نصر
الله" ممن ينطبق عليهم هذا
المثل. وإن كان ما حصل في بيروت
من حرائق وتدمير يجعل المراقب
يقول: ولمَ لا!؟
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|