ــ
ومضات
محرّضة :
سفاهة
الرموز، في أيّ تجمّع بشري ..
تشمل
تأثيراتها السلبية المجتمع
بأسره !
عبد
الله القحطاني
أ ـ كل مَن تضعه أقداره ـ بإرادة
منه ، أو بغير إرادة ـ في موقع
القدوة ، فهو رمز ، بمعنى من
المعاني ..! وهو ، بالتالي ، في
موقع مَن يقلّد ، ويقتدَى به ،
ويُحتجّ بقوله وسلوكه، سواء
أشاء ذلك أم أبى ، وسواء أكان
عالماً بمَن يقلّده ويقتدي به ،
أم غيرَ عالم !
ومن
الأنماط الطريفة ، في السلوك
البشري ، أن شرائح واسعة من
البشر،على امتداد الزمان
والمكان ، تميل بقوّة ، إلى
تسويغ ضعفها ، وسلوكها غير
السويّ ، وأخطائها .. بوجود مثل
هذا الذي تفعله ، عند هذا الرمز
السياسي ، أو الثقافي ، أو
الاجتماعي ، أو الديني ..! وأنه
إذا كان هذا الرمز، قد ضعفَ أو
أخطأ ، فلا عتبَ على مَن دونَه ،
مكانةً ، أو أهليّة ، أو مستوى! (
وهذا يختلف ، بالطبع ، عمّن
يَعدّ السلوك غير السويّ للرمز،
مذهباً سياسياً ، أو اجتماعيا ،
أو فكرياً .. ويبني عليه فلسفة
معيّنة ، أو اجتهاداً من نوع ما
، يشكّل على أساسه مدرسة فكرية ،
يعتنق مبادئَها ، ويحرص على أن
يجلب لها تلاميذ وأتباعاً !).
أمّا
السلوك السويّ ، عند الرموز ،
والصفات العظيمة ، والأخلاق
النبيلة .. أمّا هذا كله ، الذي
يُعدّ حجّة حقيقية قويّة ، في
مواجهة الانحرافات والأخطاء ،
لدى الضعاف المقتدين المقلدين ..
أمّا هذا ، فقـلّما يهتمّ به
الضعاف ، الباحثون عن الضعف لدى
الرمز! لأنهم لا يجدون لديهم
القدرة ، على الاقتداء به ، أو
تقليده ! وما أسرع ما يقول أحدهم
، إذا جوبِه بموقف عظيم ، من رمز
ما ، أو خلق نبيل ، من رمز آخر..
ما أسرع ما يقول : وأين نحن من
هؤلاء العظام !؟ ومن يستطيع أن
يفعل ما يفعله هؤلاء الخالدون !؟
ومن يستعرض أصناف
الرموز ، يجدها كثيرة .. ومِن
أهمّها ، وأبرزها :
•
الحكّام : في مواقعهم
المختلفة ، ومستوياتهم
المختلفة .. بدءاً برأس الدولة ،
وانتهاء بأصغر ذي رتبه يمثّل
سلطة الدولة ، في قرية من القرى
النائية ! وبالطبع ، كلما ارتفعت
الرتبة ، ازدادت قوّة الاقتداء
والتأثر ، وقويت حجّة مَن يقتدي
ويتأثر! فمنزلة رئيس الدولة ،
تختلف كثيراً ، عن منزلة رئيس
مخفر شرطة ، في قرية صغيرة !
وبناء عليه ، يُعدّ
الحاكم اللصّ ، أو الكذّاب ، أو
الماجن .. كارثة على شعبه ! إذ لا
يستطيع شريف ، أن ينهى سفيهاً عن
سفاهة .. لأن الجواب حاضر في
مواجهته : رئيس دولتك يفعل هذا ..
فهل أنت خير ، وأكرم ، وأشرف.. من
رئيس الدولة !؟
وممّا ورد في تاريخ
الصحابة ، أن عمر بن الخطاب ،
حين رأى غنائم دولة الفرس أمامه
، بكل ما فيها من نفائس وكنوز ..
قال : إن قوما أدّوا هذا لأمَناء
!
فقال
له عليّ بن أبي طالب : يا أمير
المؤمنين.. عَففتَ فعفّوا ، ولو
رَتعتَ لرتَعوا !
•
الرموز الثقافية والتربوية
الرسمية : وزير الإعلام ، يختلف
تأثيراً بسلوكه ، عن موظف صغير ،
في إذاعة أو تلفاز ! ووزير
التربية والتعليم ، شأنه أعلى ،
في نظر الناس المقلدين ، من شأن
مدرّس ، أو مدير مدرسة ، إعدادية
أو ثانوية ! ووزير الثقافة ،
تأثيره أكبر من تأثير موظف في
إحدى المديريات التابعة
لوزارته !
وهكذا
الشأن ، بالنسبة لسائر المؤسسات
ذات الطابع الرسمي ، ورموزها
الكبيرة والصغيرة !
•
الرموز غير الرسمية :
1) الرموز الدينية : العلماء ، والخطياء ،
ومدرّسو العلوم الشرعية..
2) الرموز السياسية : قادة الأحزاب ،
والوجوه البارزة فيها ..
3) زعماء القبائل والأحياء ..
4) القادة النقابيون البارزون ، الذين
يحقّقون لأنفسهم مواقع مهمّة ،
في نفوس الأعضاء المنتمين إلى
نقاباتهم !
5) الآباء والأمّهات : وهم القدوة الأولى
للفرد ، في محضنه الأول والأهمّ
.. أسرته !
ب ـ من أنواع
السفاهة :
- الكذب ، والغشّ ، والخداع ،
والغيبة ، والنميمة ، والكبر ،
والحسد ، وتحقير الناس..
- السرقة ، والسكر ،
والمقامرة ، والزنا ، والرشوة ،
ونهب المال العامّ ..
- التآمر على الأصدقاء ،
وشركاء العمل ، والأقارب ،
وأعضاء الحزب الواحد.. والمكر
بهم ، والسعي إلى تشويه سمعتهم ..
ج – سفاهة الشيوخ :
أفرَدنا لهذا النوع من السفاهة
، بنداً خاصاً ، لما له من
أهميّة خاصّة، في نظر الناس ،
منذ القدم ..! ذلك أن نظرة الناس
إلى الشيخ المسنّ ، تختلف عن
نظرتهم إلى الشاب ، ومَن هو فوق
سنّ الشباب بقليل ! فالأصل أن
الشيخ ، قد اكتسب من تجارب حياته
الطويلة ، مِن الحكمة ، وسداد
الرأي ، ونضج العقل .. ما يجنّبه
السفاهة ، بأنواعها ..! فإذا رأى
الناس منه سفاهة ، أياً كان
موقعه في الحياة أو المجتمع ،
نظروا إليه بازدراء شديد .. أو
اقتدى به الضعاف ، الذين يحبّون
أن يجدوا لدى الضعاف الآخرين ،
ما يسوّغون به ضعفهم ، أمام
الناس !
وقد
قال الشاعر الجاهلي ، زهير بن
أبي سلمى ، بعد أن بلغ الثمانين
من عمره :
رأيتُ
سَفاهَ الشيخِ لا حِلمَ بَعدَه
وإنّ الفَتى بَعدَ السَفاهة
يَحلم
ومعلوم
أن الشيخوخة تبدأ بعد سنّ
الستّين ..!
(
ومن الطريف ، المشاهَد في سلوك
البشر عامّة ، أن أكثر الناس
ارتكاباً للأخطاء وممارسة
السفاهات ، هم أقدرهم على
ابتكار الحجج والذرائع
والمسوّغات ، التي يسوّغون بها
سلوكاتهم المنحرفة ! فقـلّما
يجد المرء سلوكاً فاسداً ، دون
أن يجد معه حجّة من نوع ما ، أو
ذريعة من طراز معيّن ، تسوّغه ،
لتظهر حقّ صاحبه في ممارسته ، أو
اضطراره إلى اللجوء إليه ! وحين
يعجز المخطئ عن إيجاد أيّة
ذريعة ، بعد أن يحاصَر بالحجج
الناصعة ، التي تدين سلوكه ،
يبادر إلى إلصاق التهمة
بالشيطان .. الذي زيّن له الفعل
المنحرف ، أو القول الفاسد
المؤذي ..! حتى لو كان هو نفسه
شيطاناً من نوع ما .. وحتى لو كان
يرى نفسه أعدى أعداء الشيطان ،
وأقدر الناس على تجنّب مكره ،
وأكثرهم تحذيراً للناس منه ومن
شروره !)
د-
السفاهة المركّبة : هذه أخطر
أنواع السفاهة ، وأشدّها
تعقيداً ! وذلك لأنها تضمّ
سفاهات متراكمة ، متداخلة ..! ومن
أنواعها :
*
الخطأ الذي يرتكبه صاحبه سفاهة
وطيشاً ، وحين يلام عليه ، لا
يَعتذر عنه ، بل يغطّيه بخطأ
آخر، قد يكون أكبرَ منه ، أو
مساوياً له ! كأن ينكر المخطئ
خطأه ، ويكذب ليبرئ نفسه منه ..
وقد يَتّهم الآخرين ، بأنهم
يلصقون به الخطأ ظلماً وعدواناً..!
ومثل ذلك ، الكِبْر الذي يمنع
صاحبَه من الاعتذار عن خطئه ،
والذي يدفعه إلى الاستعلاء على
الآخرين ، وتصوير نفسه بأنه
أكبر من أن يعتذر منهم ، أو
أمامهم !
* الجهل ، الذي يدفع
صاحبه إلى تبنّي رأي فجّ ، في
مسألة ما . وحين يعارضه معارض
برأي ، يتبيّن له أنه أقوى من
رأيه ، وأصوب .. يكابر ، ويصرّ
على رأيه ، ويسفّه آراء الآخرين
، وهو يعلم أن رأيه فاسد ضارّ ..!
وقد يكون الرأي متعلقاً بشأن
عامّ ، يضرّ الأخذ به فريقاً
كبيراً من الناس ، على مستوى شعب
، أو حزب ، أو قبيلة ، أو نقابة ،
أو شركة !
* تبنّي رأي ـ أو
معتقد ـ فاسد ، والإصرار عليه ،
جهلاً أو سذاجة (أو بناء على حسن
نيّة!).. ثم السعي إلى فرضه على
الآخرين ، تقرباً إلى الله ، أو
حرصاً على المصلحة العامّة ..
دون أن يعلم صاحبه أنه فاسد ،
ودون أن تكون لديه القدرة
العقلية ، على معرفة صلاحه من
فساده ..! لأن ملكاته لا تؤهّله
للتمييز، بين الصالح والفاسد ،
من الآراء والأفكار، مهما قدّم
له الآخرون من حجج ، وبراهين ،
وأدلّة ..! وقد يسوّغ جهلَه هذا ،
بمضمون الحديث النبوي المعروف :
إذا اجتهد المرء فأخطأ فله أجر ،
وإذا اجتهد فأصاب فله أجران !
فلمَ يتراجع عن خطأ ، له فيه أجر
عند ربّه ، حتى لو كان يسبّب
كارثة للآخرين !؟
* منازعة المرء
للآخرين ، على أمر ليس له فيه
حقّ ـ سواء أكان الحقّ مادياً ،
أم معنوياً ـ .. ثم المبادرة إلى
تجريحهم ، والنيل منهم أمام
الناس ، واتّهامهم بتهم هم منها
براء ..! وذلك ليثبت أنه هو
الأحقّ ، أو الأكفأ ، أو الأجدر..
بما ينازع الآخرين عليه . فهذا
عدوان مركّب على حقوق الآخرين ،
ثم على أشخاصهم لانتزاع حقوقهم
، ثم على المجتمع الذي منحهم هذه
الحقوق !
يبقى أن نذكّر
بالمعنى الذي أوردته كتب اللغة
، للسفاهة ـ إضافةً إلى المعاني
الأخرى المتداولة في المجتمعات
الإنسانية ، ممّا ذكرناه آنفاً
، وممّا لم نذكره ـ فنقول : إنها
الخفّة والطيش والجهل !
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|