ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 14/07/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

دور العسكر في الانتخابات التركية

محمود العمر

بعد الأزمة السياسية التي تلت فشل البرلمان التركي في انتخاب رئيس للجمهورية وما أعقبها من تطورات سياسية ساخنة , و تجاذبات حادة كان أبرزها مذكرة الجيش على صفحته على الانترنت الذي استهدف حكومة حزب العدالة والتنمية ثم قابلته – الحكومة -ببيان لا يقل عنه حدة ,ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في تركيا يعود النقاش القديم الجديد حول دور العسكر في الحياة السياسية التركية ..!ومدى فاعليته ..وهل هو دور مباشر كما هو الحال في البلدان النامية ؟ أم غير مباشر ؟ أم هو غير موجود أصلا كما هو الحال في أوربا التي تسعى تركيا إلى اللحاق بها ؟..

بداية لابد من الإشارة إلى أن الجمهورية التركية قد أسست على أنقاض الإمبراطورية العثمانية ,وقد بذل مؤسسوها قصارى جهدهم في سبيل إيجاد نظام سياسي مغاير إلا أنهم لم يستطيعوا التحرر كليا من الأعراف والتقاليد السياسية التي ورثوها عن أجدادهم العثمانيين .. بل إن صلاحيات مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك كانت أضعاف تلك التي كان يتمتع بها السلاطين العثمانيون المتأخرون ,وكذلك خلفه عصمت انينو الذي أعلن نفسه –مللي شيف- الرئيس الأوحد ..كل هذا يعكس طبيعة الشعب التركي المتشبعة بالروح العسكرية والتي كثيرا ما ترجح الحزم والصرامة الجائرة على اللين والتردد ولو كان منصفا .. لذا نجد الجيش دائما في مقدمة المؤسسات صاحبة الثقة لدى المواطن في استطلاعات الرأي ,وربما تكون تركيا البلد الوحيد الذي يزف فيها الشباب الذاهبون إلى الخدمة الوطنية –العسكرية – مثل زفافهم للزواج ..

***

في الآونة الأخيرة عمدت قوى وأحزاب المعارضة إلى اتهام حزب بالعدالة والتنمية بأنه يتصرف بطريقة تتنافى مع الأسس والقواعد التي أسست وفقها الجمهورية !.. في محاولة منهم لسحب المظلة الشرعية عنه ,ومن ثم حشره في زاوية ضيقة ..

فما هي الأسس والقواعد التي قامت عليها الجمهورية ؟ والتي اعتُبرت أساسا للشرعية!.

ومن يحدد هذه الأسس ؟ ومن يقوم على حمايتها ؟

كما هو معلوم فقد تأسست الجمهورية التركية في العشرينيات من القرن الماضي عقب انقلابات وتغييرات راديكالية قام بها القائد المؤسس مصطفى كمال أتاتورك .أما القواعد التي وضعها وجعلها غير قابلة للنقاش فهي الجمهورية العلمانية من خلال مفهوم عام واسع فضفاض , وقد منع الدستور اقتراح تعديلها بله تغييرها !..

ورغم محاولة وإصرار الكثيرين قديما وحديثا – خاصة الإسلاميين الذين اكتووا بنارها - من أجل وضع تعريف محدد للعلمانية ,ومجال تطبيقها ,ورسم الحدود بين ما هو علماني وما هو غير علماني ,إذ لا يجوز قانونيا ولا منطقيا معاقبة أحد إلا بعد تحديد ماهية الجرم , إلا أن تلك الجهود باءت بالفشل ,لأن القوى الحاكمة لم تشأ تعريفها وتقنينها مما سيؤدي إلى تقييد حريتهم في الحركة والمناورة ضد الخصوم ..

 كما أنيط بالجيش –دستوريا- مهمة حماية الجمهورية العلمانية ,والمحافظة عليها , والدفاع عنها ,وتأديب كل من يحاول المساس بها .من هنا تجد المؤسسة العسكرية أن لها كامل الحق في التدخل ضد ما تراه تهديدا للجمهورية أو العلمانية !..

ولو أمعنا النظر في تاريخ الجمهورية وتطبيقات العلمانية نجد أن النظام السياسي قد اتخذ كافة التدابير الوقائية ضد خطرين رئيسيين :

الأول :مقاومة الفكر الذي يدعو إلى قيام دولة على أسس دينية .. أو بتعبير أدق مقاومة فكرة الدولة الإسلامية بمفهومها العثماني الأممي ,لكننا نجد هناك سكوتا وحتى مباركة لفكر الحركة القومية الطورانية الذي يحترم الدين الإسلامي ويعتبره جزءا من تراث الأتراك القومي .. يؤيد ذلك محاولة تسويق فكرة الإسلام التركي مقابل الإسلام العربي !..

الثاني : مقاومة الفكر الشيوعي الذي شهد نشاطا كبيرا على الساحة التركية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لكن انهيار الاتحاد السوفييتي أدى إلى إفلاس هذا التيار مما اضطر دهاقنته إلى تغيير قبعاتهم ,والاحتماء بالأتاتوركية ,والتظاهر بالدفاع المستميت عن العلمانية بل نراهم يرحبون ويصفقون للانقلابات العسكرية ,وكثيرا ما يظهر مؤيدو هذا التيار وهم ينظمون المظاهرات,ويحملون اللافتات التي تدعو الجيش للتدخل من أجل حماية مكتسبات الجمهورية والعلمانية !.. 

***

اتسم عهد الحزب الواحد بالمركزية المفرطة على كافة الأصعدة .. الإداري منها والاقتصادي وحتى الاجتماعي. فقد أعطت انقلابات أتاتورك نفسها الحق في رسم حياة المواطن في شتى المجالات من انقلاب اللباس الذي فرض نمطا معينا لزي المواطن إلى الحزب الواحد في المجال السياسي ,إلى جعل الاقتصاد بيد الدولة في المجال الاقتصادي .. لكن ذلك لم يمنع قيام برجوازية اقتصادية استطاعت بناء علاقات متينة مع النظام السياسي والإداري ,أدت إلى تشكيل حلف قوي بين رأس المال والسياسة والإدارة .. هذا الحلف أنتج طبقة النخبة التي  تعبر عنها الصحافة بالأتراك البيض اتخذت من أنقرة العاصمة السياسية واستانبول العاصمة الاقتصادية مركزا لها ووقفت سدا منيعا أمام محاولات الاختراق المستمرة من قبل الطبقة المتوسطة القادمة من الأناضول ..هذه المحاولات التي ازدادت وتيرتها مع الانفتاح السياسي الذي رافق التعددية الحزبية في الخمسينيات من القرن الماضي حيث استطاع الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندرس الحصول على تأييد الشعب التركي بأغلبية ساحقة عزى المحللون أسبابها إلى قيامه بمصالحة الدولة مع الشعب وتطلعه إلى ممارسة شعائر دينه بحرية بعد عقود من القطيعة والخوف .. إلى جانب إفساحه المجال أمام تطلعات الطبقة الصاعدة الآتية من أطراف الأناضول ..

طبقة النخبة هذه اتسعت بطريقة برغماتية لتضم بشكل مباشر أحيانا وغير مباشر أحيانا بعض النخب والأحزاب السياسية وعددا غير قليل من منظمات المجتمع المدني إلى جانب الصحافة طبعا .. مما كفى الجيش مؤونة التدخل المباشر ,كما حدث في 28شباط 1996 حيث قادت نقابات العمال وبعض الجمعيات بمساعدة الصحافة حملة إسقاط حكومة نجم الدين أربكان وكان لها ذلك بسبب الفرقة والتشرذم السياسي العميق وقتها .. ولم تشفع له نجاحاته الكبيرة على صعيد الاقتصاد ,ولا الرواتب العالية التي دفعها للعمال والموظفين الذين انتفض قسم كبير منهم ضده تحت شعار الجمهورية أولا .. ثم أعيدت تلك المحاولة في مطلع هذا العام على شكل مظاهرات عارمة قامت بتنظيمها جمعيات حماية العلمانية بمساعدة ودعم حزب الشعب الجمهوري وبعض الأحزاب اليسارية , ثم تلاها بيان الجيش على صفحته على الانترنت بتاريخ  27 نيسان المنصرم ,لكن حكومة حزب العدالة والتنمية كانت على ما يبدو قد استوعبت الدرس فلم تفتعل عدم الاكتراث –كما أربكان- ولم تقف مكتوفة الأيدي ,وإنما ردت على البيان ببيان مثله وفندت المزاعم الهزيلة جدا الواردة فيه ..لكن في مثل هذه الحالات ليس المهم مضمون البيان ولا صيغته  ,إنما المهم البيان بحد ذاته من حيث كونه قد صدر .. والذي سيبقى نقطة علام سوداء في جبين من تعرض له ..

ولقد أظهرت أزمة انتخاب رئاسة الجمهورية مؤخرا أهمية دور السلطة القضائية أيضا في المحافظة على الأمور تحت السيطرة !.. فرغم حصول عبد الله غول على أصوات أكثر بكثير من تلك التي حصل عليها سابقوه إلا أنه – و بقرار قضائي - لم يتمكن من أن يتبوأ مقام رئاسة الجمهورية ..ولعل هذا بحد ذاته يبدو سببا كافيا لكي يتحول الإسلاميون من كونهم معارضين لأوربا –في الثمانينيات - إلى أشد المدافعين عن اللحاق بها !..

***

موقع حزب العدالة والتنمية على الخارطة السياسية أثار جدلية في الفكر السياسي من حيث :هل هو امتداد لحركة البروفسور نجم الدين أربكان ( حزب مللي نظام ,حزب مللي سلامت ,حزب الفضيلة ثم حزب السعادة ) أين نشأت قياداته في تلك المدرسة وترعرعت هناك ؟..أم أنه استمرار للتيار اليميني المحافظ (الحزب الديمقراطي ,حزب العدالة ثم الوطن الأم )

إذا أمعنا النظر في قائمة المرشحين عن حزب العدالة والتنمية للانتخابات البرلمانية القريبة القادمة نجد رئيس الحزب رجب طيب أردوغان قد اختار شخصيات يسارية علمانية بعضهم من أصول علوية معروفة بقربها من المركز على حساب الشخصيات ذات أصول المدرسة الأربكانية في محاولة فسرت على أن أردوغان لا ينوي الصدام مع القوى العلمانية الحاكمة.. وقد برهنت سياسة الحزب خلال فترة حكمه التي قاربت الخمس سنوات على رغبته الواضحة في السير قدما على خطى تور غوت أوزال ..

***

تكاد استطلاعات الرأي تجمع على أن حزب العدالة والتنمية هو الذي سيفوز في هذه الانتخابات ,لكن بأي نسبة سيكون هذا الفوز ؟.. هذا موضع خلاف بين المحللين السياسيين ..لكن أهم سؤال مطروح هذه الأيام هو : هل سيستطيع حزب العدالة والتنمية رفع أصواته بنسبة أكبر من تلك التي حصل عليها في الانتخابات الماضية ؟ .. تكمن أهمية هذا السؤال في كون من سبقه من الأحزاب: الحزب الديمقراطي ,وحزب العدالة ,وحزب الوطن الأم بقيادة تور غوت أوزال كلها فازت بأغلبية ساحقة في أول انتخابات دخلتها ثم تراجعت أصواتها في الانتخابات التي تلتها ثم اضمحلت فيما بعد .. فهل ستنطبق هذه القاعدة على حزب العدالة والتنمية ؟ أم أنه سيتجاوزها ؟ ..

هذا ما سنشاهده صباح يوم الاثنين في الثالث والعشرين من هذا الشهر الجاري ..      لكن انتخاب رئيس الجمهورية من جديد والذي بدأ الجدال حوله من الآن سيبقى المهمة الأصعب ,والامتحان الأقسى الذي سيواجهه حزب العدالة والتنمية , بعد الجراح العميقة التي خلفتها جولته الأولى خاصة إذا جرت الرياح بما لا تشتهي السفن العلمانية .. لكن يجب أن لا ننسى أبدا مقولة الرئيس سليمان ديميرل الشهيرة :( في اللعبة الديمقراطية لا يُعدََم الحل ) !...

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ