ــ
"طالبان"
....
كحركة
تغيير بديلة عن الانقلابات
العسكرية
الطاهر
إبراهيم*
اعتصام الطلاب في الجامع الأحمر
في باكستان وضع الرئيس "برويز
مشرف" أمام موقف محرج بعدما
انتهى إليه الاعتصام من توتر في
طول باكستان وعرضها بسبب سقوط
عدد من الطلاب بين قتيل وجريح،
في وقت تشكل أعداد الطلاب في
المدارس الإسلامية قوة لا
يستهان بها خصوصا بعد اهتزاز
الثقة بنظام "مشرف" بسبب
دخوله في تحالف مع واشنطن أثناء
غزو أفغانستان وما أدى إليه من
هزيمة حكومة طالبان وطردها من
الحكم.
وقد أعاد اعتصام طلاب الجامع
الأحمر إلى أذهان الناس صعود
نجم طالبان في أفغانستان.
فقد مثّل صعود الحركة الطلابية
في أفغانستان تحت اسم
"طالبان"، واكتساحها حكومة
"غلب الدين حكمتيار" رئيس
وزراء أفغانستان الأسبق -رئيس
الحزب الإسلامي وأقوى الأحزاب
التي حاربت الاتحاد السوفييتي-
واستيلاء الحركة على الحكم في
تسعينات القرن العشرين ، ما
اعتبره بعض المراقبين
السياسيين عودة إلى الانقلابات
العسكرية -وإن اختلفت عنها في
الشكل- التي استولت على الحكم في
أكثر من بلد عربي، وقع أكثرها في
سورية. وقد وقعت معظم تلك
الانقلابات في خمسينات القرن
العشرين.
على أن ظاهرة "طالبان" في
أفغانستان لم تكن الأولى حدوثا
في العالم الإسلامي، بل سبقتها
احتجاجات طالبية وإن لم تنجح
كما نجحت في أفغانستان حيث
انتهت باستيلائها على الحكم
فيه. ورغم أنه قد أطيح بها من قبل
التحالف الغربي بعد أحداث 11
سبتمبر 2001 ،إلا أنه تبين
للتحالف أنه لم يستطع أن يحذفها
من المعادلة بعد أن تجذرت في
أفغانستان. دل على ذلك المقاومة
المتصاعدة والتفاف الأفغان
حولها ما شكل أزمة حقيقية
للتحالف الغربي.
ففي ستينات القرن العشرين تصاعدت
الاحتجاجات في "أندنوسيا"
أكبر الدول الإسلامية من حيث
عدد السكان ضد حكم "أحمد
سوكارنو" أول رئيس لجمهورية
أندنوسيا المستقلة، وأحد أقطاب
حركة عدم الانحياز وزعيما قوميا
كان له دور في استقلال بلده.
لكنه، كأكثر الحكام القوميين
الذين ورثوا الاستعمار، لم
يستطع أن يجسد أحلام الشعب
الأندنوسي بعد الاستقلال ما
أثار احتجاجات شعبية ضد حكمه.
وكانت حركة الطلاب رأسَ الحربة
في الاحتجاجات التي تمت في
الستينات في المدارس الثانوية
والجامعات حيث نزل الطلاب إلى
الشارع في حركة احتجاجية
استطاعت أن تجعل حكم
"سوكارنو" كريشة في مهب
الريح.
صحيح أن الجنرال "أحمد
سوهارتو" هو الذي ورث الحكم
بعد انقلاب فاشل قاده الجنرال
"عبد الحارث ناساتيون" ضد
"سوكارنو"، إلا أن الصحيح
أيضا أن حركة الاحتجاج الطلابية
التي شلت الحياة في العاصمة
"جاكارتا" وفي باقي المدن،
هي التي قوضت حكم "سوكارنو"
وجاءت
بسوهارتو إلى لحكم كحل وسط، ما
جعل " آلن دلس" رئيس وكالة
الاستخبارات الأمريكية "سي
آي إي" في ذلك الوقت يعكف على
قراءة كتاب "الطلاب كحركة
انقلابية" يشخص ما حصل في
أندنوسيا، هذا إن لم تكن تلك
الوكالة هي وراء ذلك التغيير.
في الوطن العربي، مثلت
الاحتجاجات الطلابية بوصلة
وطنية، لم تقتصر على قطر عربي
دون آخر بل شملت أكثر الأقطار
العربية واستطاعت أن تكون داعما
قويا لحركة الاستقلال الوطنية
التي اشتعلت في أكثر من قطر ضد
الاستعمار كما كان هو الحال في
الجزائر.
فقد استطاعت التظاهرات الطلابية
الصاخبة في البلاد العربية ضد
"العدوان الثلاثي" الذي
شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل
واستهدف مصر بعد تأميم قناة
السويس في عام 1956 ما أرغم
الحكومات العربية على أن تقف
وقفة دولة واحدة في وجه ذلك
العدوان، تمثل ذلك بوضوح عندما
دخلت الوحدات العسكري السورية
الحرب إلى جانب مصر.
كما أن المظاهرات التي سيرها
طلاب الثانويات وطلاب جامعة
دمشق –لم يكن في سورية جامعة
غيرها- قطع الطريق على تيارٍ في
الحكومة عام 1955 كان يريد إلحاق
سورية في حلف بغداد الذي كان يضم
بغداد وواشنطن وأنقرة.
أما في فلسطين، فقد شكلت
الانتفاضتان -كان قوامهما
الطلاب الصغار - عقدة استعصت على
الجيش الإسرائيلي، وأرغمته على
الانسحاب من غزة.
وإذا كانت الاحتجاجات الطلابية
ضد الأنظمة لم تستطع أن تشكل
-حتى الآن- خطرا على الحكومات
بسبب سياسة القمع التي تنتهجها
تلك الأنظمة. إلا أنه لا أحد
يمكن أن يتنبأ إلى متى يمكن أن
تنجح تلك السياسة في أن تقف في
وجه الاحتجاجات وتمنعها من أن
تتحول إلى قوة تغيير، خصوصا أن
الوضع أصبح بالغ السوء ما ينذر
بالانفجار في أي لحظة؟ يعزز ذلك
التوقع أن الطلاب يشعرون أنهم
أصبحوا في وضع سياسي واقتصادي
بالغ السوء، وأنه ليس في وارد
الأنظمة أن تقوم بالإصلاح من
تلقاء نفسها.
لا أحد يتمنى أن تستعصي حالة أي
قطر عربي على الإصلاح، فلا يبقى
إلا المداخلة الجراحية دواء
لذلك الاستعصاء. وإذا كانت شدة
القمع منعت الآباء أن يتحركوا
خوفا على أسرهم التي يعيلون،
فإنه ليس لدى أولادهم مثل هذا
الخوف، لإحساسهم أنه ليس هناك
ما يخسرونه أكثر مما خسروه.
فأصحاب الشهادات الثانوية لا
يجدون الجامعات التي تقبلهم.
وخريجو الجامعات يفاجأون أن ليس
ثمة وظائف تستوعبهم بعد التخرج.
أما الوظائف القليلة الموجودة
فتذهب للخريجين من منسوبي الحزب
الحاكم أو المحاسيب. ويبقى أن
المناصب السياسية مغلقة على
دائرة ضيقة من النخب.
في مثل هذا الواقع المكفهر! هل
يؤدي الاستعصاء المستحكم إلى
ظهور "طالبان" تناسب
الموروث السياسي والثقافي
العربي بعيدا عن العنف، وبعيدا
عن أخطاء طالبان الأفغانية؟ ذلك
متروك للغد. وإذا كان ذلك الغد
كائنا: فإن غداً لناظره قريب.
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|