ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 16/07/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

بوش الرئيس المتمرد

أ.د. محمد اسحق الريفي

لا نستغرب من الرئيس الأمريكي بوش أن يقف بين يدي العالم واعظاً يحدثه عن الديمقراطية والحرية والضمير الإنساني والسلام العالمي، ولا نستغرب منه أن يعلن نفسه "رئيساً متمرداً" على الظلم والاستبداد ويحث الناس على الشجاعة ويروي لهم حكاية تحرر شعوب أوروبا من قهر الحكم الشيوعي، كما لا نستغرب منه أن ينصب نفسه داعية للأخلاق والفضيلة والمبادئ السامية..!! فقد جبل بوش على الدجل وخداع السذج من الناس وتضليلهم.

وقف بوش في 5 يونيو/حزيران 2007 بغرور واستكبار ودونما حياء أو خجل أمام جمع من الناس في العاصمة التشيكية براغ خطيباً يحدثهم عن الحرية والديمقراطية، وقد استجمع بوش غباءه واستغباءه في آن ليخدع العالم بما يروجه من حرية زائفة وديمقراطية باطلة، وبدا لجمهوره وكأن يديه غير ملطخة بدماء المستضعفين في الأرض أو لم تلوثها الشرور والآثام التي ارتكبها بحقهم، ونسي أن بلاده هي  أكبر راعي للاستبداد والطغيان في العالم الإسلامي.

لقد أصم بوش آذان العالم بحديثه عن الحرية والديمقراطية، وبالنظر إلى سياسة بلاده تجاه العالم الإسلامي وممارستها ضد الشعوب العربية والإسلامية، نجد أن الحرية والديمقراطية التي يروجها بوش ويشن الحروب من أجل نشرها هي مجرد سراب لا يجد من يجري وراءه سوى الهلاك والدمار، سواء أكان ذلك بالاحتلال العسكري، كما يجري الآن في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال، أم بإشعال الفتن ونشر الفوضى والفلتان، كما يجري في الأراضي الفلسطينية ولبنان والسودان ومناطق أخرى من العالم الإسلامي.

فالحرية التي يروجها بوش والتي يحاول أن يخدع الناس بمضمونها هي أمركة ثقافية واقتصادية، ليصبح الناس مواطنين عالميين لا مرجعية دينية لهم سوى الديمقراطية الأمريكية، ولا ثقافة لهم سوى نمط الحياة الأمريكية، ولا هدف لهم سوى الاستهلاك للمنتجات الأمريكية والغربية، ولا يدينون بالولاء سوى للإمبراطورية الأمريكية.  بل الأخطر من هذا كله، أن هذه الحرية تعني خضوع الناس للرؤية الأمريكية فيما يتعلق بمسار التاريخ ونهايته.

ولهذا فقد قسم بوش في خطابه الناس على أساس المفهوم السابق للحرية إلى فريقين: فريق يتوق إلى الحرية والديمقراطية الأمريكية ويناضل من أجل ذلك، ولهذا فهو يلقى الدعم والتأييد الأمريكي، وفريق آخر يكبل الفريق الأول بقيود الإسلام – على حد زعم بوش وإن كان لا يجرؤ أن يقول ذلك صراحة وإنما يكتفي بمجرد التلميح مع الهمز واللمز– ويمنعه من نيل الحرية والديمقراطية التي يطمح إليها، ولذلك فهو يلقى من بوش الوعيد والتهديد بالويل والهلاك.

ولم يستح بوش، الذي يقترف جيشه الجرائم البشعة ضد شعوبنا ويعيث في بلادنا تدميراً وتخريباُ، أن يعلن نفسه خلال خطابه رئيساً عالمياً متمرداً يتزعم الثورات التحررية في العالم ويناصر المستضعفين ويسعى إلى تحريرهم من القيد والاستبداد والاضطهاد، كما أكد في خطابه استعداد بلاده حشد كامل قوتها وإمكانياتها للقضاء على حرية شعوبنا وإجبارها على الدخول في الدين الأمريكي الجديد بذريعة الحرية.

إن الحرية التي يتوق الناس إليها لا يحاربونها ولا يستنكفون عنها، بل إنهم يضحون بحياتهم من أجل نيلها، لذلك فإن الخلل ليس في الشعوب التي ترفض الحرية التي يروجها بوش، وإنما يكمن الخلل في أن هذه الحرية الأمريكية تهدف إلى إلغاء ثقافة الشعوب الإسلامية، وبالتالي وجودها، تمهيداً لإخضاعها إلى الهيمنة الأمريكية، إضافة إلى أنها تمثل أشد أنواع الاستبداد الأيديولوجي المدعوم بالأساطيل العسكرية والإعلامية وماكينات الخداع والتضليل.

وإذا كانت حرية شعوبنا تتحقق برفض الحرية الأمريكية، فلماذا تسخر الولايات المتحدة الأمريكية كل قوتها لإجبار شعوبنا علي هذه الحرية؟!  إن زعم بوش في خطابه بأن ملايين المسلمين يتوقون إلى الحرية الأمريكية هو زعم باطل، وهو زعم تدحضه نتائج الانتخابات التي شهدها أكثر من بلد مسلم، فشعوبنا تسعى إلى الحرية الحقيقية والازدهار والأمن والسلام ولكنها ترفض نمط الحياة الأمريكية وترى أنه لا يصلح حتى للبهائم الرتع.

لقد ساق بوش في معرض حديثه عن التطرف الإسلامي ممارسات نظام طالبان في أفغانستان، وذلك قبل أن يحتلها الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون، وجعل تلك الممارسات ذريعة لحربه على الإسلام والمسلمين، ولذلك فقد ذُهل بوش من تصرفات حركة حماس بعد نجاحها في وأد المخطط الأمريكي الدموي في مهده قبل أن يتحول إلى دوامة دموية تهلك شعبنا ومقاومته الباسلة، وقد ازداد ذهول بوش بعد نجاح حماس في إرساء دعائم الأمن والاستقرار في غزة، ولم يجد بوش في ذلك ما يغذي كراهيته وحقده على الإسلام والمسلمين.

وما يثير الدهشة والاستغراب، أن بوش أعلن في خطابه أن الحرية الأمريكية هي أقوى سلاح ضد التطرف، ولم يعتبرها بأي حال من الأحوال سلاحاً ضد الاستبداد، ويرجع سبب ذلك إلى أن بلاده هي أكبر داعم للاستبداد في العالم، بل هي الداعم الرئيس لأنظمة الاستبداد التي تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية جزءاً لا يتجزأ من مصالحها في الشرق الأوسط.  ولهذا فإن الدهشة تزول إذا ما علمنا أن بوش ينعت الإسلام بالتطرف ويصف المسلمين الرافضين للهيمنة الأمريكية والمقاومين للاحتلال الصهيوني والأمريكي بالمتطرفين.

وبدلاً من الإشارة إلى في خطابه إلى الأنظمة المستبدة الموالية لبلاده، حاول بوش إقناع جمهوره والعالم بأن المشكلة تكمن في المجتمعات التي وصفها بأنها "مجتمعات قمعية"، وتعهد بالعمل على تقويضها وتمزيقها وتأجيج الحروب فيها.

كما لم ينس بوش أن يذكر العالم بنشطاء طابوره الخامس في العديد من دول العالم التي تحاول إدارته ابتزاز أنظمتها وإيجاد ذريعة للتدخل في شؤونها والضغط عليها وزعزعة استقرارها، وأكد في خطابه على تعهدات بلاده بتقديم المساعدات والرشاوى لهؤلاء النشطاء المرتزقة على شكل منح أمريكية، لتشجيعهم على تنفيذ بنود الأجندة الأمريكية في كل بلد من البلاد التي يتواجدون فيها.

ولكن لا أظن أن هذا الاستغباء الذي يمارسه بوش ينطلي على شعوبنا، وقد تجلى ذلك بوضوح في نتائج استطلاعات الرأي في العالم الإسلامي الأخيرة حول سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم الإسلامي وصورتها المقززة، فقد أكدت هذه النتائج أن معظم أبناء شعوبنا يدركون الأهداف الحقيقة من وراء المخططات الأمريكية في منطقتنا ومدى جسامة الأخطار التي يحملها المخطط الأمريكي للمنطقة.

ورغم إدراك الإدارة الأمريكية لهذه الحقيقة، إلا أنها تتعامل معها بغباء من خلال محاولتها تحسين صورتها لدى شعوبنا مع استمرار ممارساتها وعدوانها وهمجيتها، فهي تسعى حقيقة لإقناع شعوبنا بأن صورتها جميلة، ولتحقيق هذا الهدف الغبي استحدثت الإدارة الأمريكية منصب مبعوث خاص لدى منظمة المؤتمر الإسلامية، ولكن هذا لن يجدي بوش وإدارته شيئاً طالما أنه لا يريد التخلي عن غطرسته وحربه على الإسلام والمسلمين.

ومما يؤكد هذه الغطرسة الأمريكية ويدلل عليها بوضوح، المعاملة الأمريكية البشعة التي تعامل بها شعبنا الفلسطينية وكبرى فصائله حماس وحكومته الشرعية التي أقالها عباس، فبوش الذي يمقت استخدام العنف من أجل تحقيق الأهداف السياسية، يبيح لنفسه استخدام العنف والحصار والخنق ضد الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه الشريرة، كما أن إدارته سمحت لمجرم حرب وحليف قديم له ورمز للظلم والاستبداد بتقلد منصب مبعوث للسلام في الشرق الأوسط...!!!

كيف يصدق الناس أن من يدعم الاحتلال الصهيوني، ويرعى سلطة قمعية تصادر حرية شعبنا وتستبيح كرامته وتبيع حقوقه وأرضه، يصلح أن يكون زعيماً لنشر الحرية في العالم؟!  إن دعم الإدارة الأمريكية للاحتلال الصهيوني يحدد بوضوح نوع الحرية التي يروجها بوش ويقتل الشعوب ويخرب البلاد من أجل نشرها، إنها حرية الخضوع والذل للولايات المتحدة الأمريكية ومعاداة الإسلام والحضارة الإسلامية.

وقد تأكدت طبيعة الحرية الأمريكية التي يريدها بوش من خلال ما صرح به في خطابه من سعيه لمنع المسلمين من إقامة إمبراطورية لهم – بحسب وصفه – على كل البلاد الإسلامية التي يعيشون فيها، وهذا يدل على ما يحاول بوش أن يخفيه من خوض بلاده وحلفائها صراع حضارات ضد الحضارة الإسلامية.

وفي النهاية، لا يسعنا إلا أن نقول لبوش: خذ حريتك واذهب عنا بها بعيداً، ودعنا وشأننا، فهذا أسلم لنا ولك وللعالم، فبداية نهاية إمبراطوريتك الشريرة قد بدأت فعلاً بمحاولتها فرض الحرية الزائفة على شعوبنا بالقوة والعنف والإرهاب.

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ