ــ
ومضات
محرّضة :
شعب
سورية.. وانتظار الوعود !
عبدالله
القحطاني
إخلاف الوعود له أسباب عدّة ،
أبرزها ـ فيما نعلم ـ ثلاثة : (الكذب
، والعجز، والجهل) ولكل من هذه
الثلاثة ، في العمل السياسي ،
آفاق ، تختلف عنها في السلوك
الاجتماعي الفردي . ونتيجتها ،
في كل الأحوال واحدة ، هي إخلاف
الوعد : أي الكذب ! وما يهمّنا ،
هنا ، هو ذاك المتعلّق بالعمل
السياسي.
ولا بدّ من الإيجاز والتركيز ،
وحصر الأمر في أطر محدّدة
منضبطة ، كيلا يتشعّب الحديث
ويطول . والأمثلة المحدّدة
تساعد في الضبط ، والإيجاز،
والتركيز:
• رئيس
الدولة : (المخوّل الأول ـ
رسمياً ـ بصناعة القرارات في
بلاده !)
حين فرَضت الميليشيات الطائفية
المسلّحة ، بشار الأسد ، على شعب
سورية ، وريثاً لأبيه، عبر
أجهزة المخابرات ، التي فَرضت
الأمر على مجلس الشعب المعيّن ..
وقَف بشار الأسد ، أمام مجلس
الشعب هذا ، ليطلق الوعود
الرنّانة ، بالإصلاح والتطوير..!
وقد
تفاءل بعض الناس ، الذين يحبّون
أن يتبعوا (العيّار إلى باب
الدار!) ، لأنهم يحبّون أن
يصدّقوا كل وعد بالخير، ولو
ظنّوا أن احتمال الكذب فيه كبير..
وذلك لشدّة ماعانوه ، من ظلم
وسحق ، تحت مطارق الشر والفساد
..!
فلماذا أخلف وعوده كلها ؟ أي :
لماذا كذب على الناس !؟
- بعض
المتابعين ، يرى أنه فعل هذا ،
لأنه (كذّاب) في الأصل ! كان يَعد
، وهو يعلم أنه لن يفي بشيء من
وعوده .. إنما ينفق من جعبة الكذب
، المحشوّة لديه ، كسباً للزمن ،
وتمريراً للمرحلة التي هو فيها
، حتى يثـبّت حكمه ، ويستتبّ له
الأمر.. وفي خلال هذه الفترة
يظلّ يناور، ويراوغ ، ويختلق
الأعذار ، ويتفلسف ، ويحتجّ
بالصعوبات ، والظروف ،
والإمكانات ، وبأنه لايملك عصا
سحرية ..! ويقدّم في إعلام الدولة
، بعض الأمور الهزيلة ، على أنها
إنجازات رائعة ..! حتى يملّ الناس
من الإصلاح الحقيقي ، ويصنّفوه
في خانة أبيه !
- وبعض
المتابعين ، يرونه صادقاً في
وعوده ، لكنه (عاجز!) عن أيّ
إصلاح ، لأنه لايملك شيئاً من
قرارات البلاد ، على المستوى
الفعلي .. وإن كان يملك
الصلاحيات كلها ، من الناحية
الرسمية !
- وبعض
المتابعين ، يراه ( جاهلاً !)
لأنه كان يطلق الوعود متسلحاً
بالصلاحيات الرسمية ، دون أن
تكون لديه القدرة ، على حساب
المعادلات المعقّدة ، على الأرض
المحيطة به ، التي تتحكّم به ،
وبحكمه ، وبصلاحياته الرسمية !
فوعوده الإصلاحية هنا ، تنسَب
إلى الجهل ، أكثر مما تنسَب إلى
الكذب المتعمّد !
- ومهما
يكن من أمره ، فهو، في كل
الأحوال ، كذّاب .. سواء أجاء
كذبه ، ناجماً عن خلق أصيل لديه
، أم عن عجز ، أم عن جهل بحقائق
الأمور المحيطة به ، جعله يطلق
الوعود ، دون أن يعرف مدى
إمكانية تنفيذها في الواقع !
- ومع هذا
كله ، فهو ، عند رجال أمنه
وإعلامه ، وموظفيه ، من وزراء
ونوّاب ، وغيرهم ، وعند
المصفّقين له ، والمسبّحين
بحمده .. هو عند هؤلاء ، جميعاً ،
أصدق الصادقين ! وما على شعب
سورية ، سوى أن ينتظر ثلاثين سنة
، أو أربعين .. حتى يرى صدق
السيّد الرئيس ، ويلمسه لمس
اليد ، على أرض الواقع !
• الرئيس
الأمريكي : ( المخوّل الأول ـ
إمبراطورياً ـ بصناعة القرارات
، في الدول الخاضعة لهيمنته ، أو
نفوذه !).
مرّت على الرئيس الأمريكي الحالي
، بوش ، سنوات عدّة ، منذ بداية
استلام الرئاسة في بلاده ، وهو
يثرثر حول الديموقراطية ،
وضرورة تصديرها إلى شعوب الشرق
الأوسط ، الواقعة تحت أنظمة حكم
مستبدّة .. وفي مقدّمة هذه
الشعوب ، الشعب السوري ،
المحكوم بسلطة مصنّفة في إطار
محور الشر، الذي لايفتأ الرئيس
الأمريكي ، يتحدّث عن ضرورة
مجابهته ، بمناسبة وبغير مناسبة
، ويوعز إلى رجال حكمه ، بإطلاق
التصريحات ، التي تبشّر الشعوب
المسحوقة ، بأن الفرج قادم
إليها ، قريباً جداً ! كما
تستقبل مؤسّسات الحكم في بلاده
، بعض عناصر القوى الشعبية
المعارضة ، وتمنّيها بأنها
ستساعدها في التخلّص من نظام
حكمها ، الدكتاتوري المستبدّ
الفاسد. وكل ذلك دون أيّة نتيجة
عملية على الأرض ..!
فلماذا
يخلف الرئيس الأمريكي ، ورجال
حكمه ، الوعود التي يَعدون بها
الشعب السوري ، والتي أبرزها ،
كما أشرنا ، تخليصه من النظام
المستبدّ الفاسد .. ليحظى
بالحرية والديموقراطية !؟
وهل يفترَض احتمال العجز ، أو
الجهل ، لديه .. كما هو حال
الرئيس السوري ، أم أن الكذب
متمحّض ، هنا ، ويجب البحث عن
أسبابه ، دون البحث غير المجدي ،
في الاحتمالات الأخرى !؟
يبدو أن الراجح ، هو استبعاد
الجهل والعجز ، وحصر الأمر في
الكذب ، وحده ، وهذا ما سوف
نناقش أسبابه !
فلماذا يكذب الرئيس الأمريكي ،
على شعب سورية؟
ثمّة أسباب عدّة ، من أبرزها :
- السياسة
الدولية قائمة على المصالح ،
وهذه متغيّرة ، متقلّبة ،
بطبيعتها ! ممّا يقتضي تقلباً في
المواقف ، ويقتضي ، بالتالي ،
إخلافاً بالمواعيد التي يضرّ
إنجازها بالمصالح الأمريكية ،
أو يفوّت على أمريكا مصالح
جديدة ، هي أفضل من المصلحة
المتحقّقة ، من إنجاز الوعود
القديمة ، أو الراهنة !
- الرئيس
الأمريكي الحالي ، نفسه ، كذّاب
! بل مدمن كذب ، يتحرّى الكذب ،
ويبحث عنه ، ويخترعه ، ويلفقه ،
ويضع له أطراً وقواعد ، ووثائق
وبحوثاً ، ودراسات تفصيلية ،
منمّقة مركّزة (موثّقة !).. وحربه
على العراق ، أثبتت أن لديه
إبداعاً مميزاً في هذا المجال ،
من خلال الأسباب التي ابتكرها ،
وحشدها ، ليقنع الشعب الأمريكي
بضرورة غزو العراق !
- حِرص
الرئيس الأمريكي ، على الإمساك
بخيوط عدّة ، وأوراق عدّة ، يلعب
بها ، ويناور بها ، ويضغط بهذا
الطرف على ذاك ، ويخوّف هذا
الفريق من ذاك ، ويلوّح لهذا
الحليف ، بأن لديه حليفا آخر
بديلاً، يمكن أن يحقّق له
مصالحه ، إذا عجزالأول ، أو
تلكّأ ، عن تحقيق المصالح
الأمريكية ، كما تريدها الإدارة
الأمريكية ! والإمساكُ بالخيوط
، أو الأوراق ، يمنحه ، بالطبع ،
فرصة احتكار اللعب ، بالوقت ،
وبالبشر، وبالدول ، والأوطان !
ويجعل أنظار الأطراف كلها ،
معلّقة به ، وبقراره ،
وبتصريحاته ، وتصريحات أعضاء
إدارته.. تحلّل ، وتركّب ، وتبني
آمالاً ومواقف، قائمة على الظنّ
والتخمين ، والأمال الغامضة ،
ومخادعة النفس .. في كثير من
الأحيان ! ( نقول : هذا مايريده هو
! أمّا مواقف الآخرين ، منه ، ومن
تصريحاته ، وتصريحات أعضاء
إدارته .. فتختلف من جهة إلى أخرى
، ومن طرف إلى آخر! وكثيراً
ماتختلف الجهات والأطراف ، فيما
بينها ، بين معوّل على الموقف
الأمريكي تعويلاً تاماً ، وبين
مهوّن من جدّية هذا الموقف
وصدقه ، مشكّك به وبأصحابه !
ولكل منهم حججه ، وطرائقه في
النظر إلى الأمور، وفي حساب
المعادلات السياسية ، المحلية
والدولية !).
• المعارضات
السورية : ( المخوّلة الأولى ـ
شعبياً ـ بصناعة السياسات ،
التي تحرّر البلاد والعباد ، من
نير الاستبداد !) ليست كلها سواء
..! فمنها الصغيرة والكبيرة ،
ومنها القديمة المتمرّسة
والجديدة قليلة التجربة ، ومنها
ذات الوزن الشعبي الكبير وضعيفة
الوزن ، ومنها التنظيمات
والأحزاب ، ومنها الشخصيات
المستقلة ، ومنها أشخاص ذوو
تجربة سياسية ، وآخرون ذوو ماض
سياسي ، وآخرون ذوو أفكار
ونظريات ، وآخرون ذوو أقلام ،
تكتب في الصحف ومواقع الإنترنت
، وآخرون ذوو ألسنة تمرّست في
الحديث عبر الفضائيات ..!
فهل هؤلاء ، كلهم ، سواء ، من حيث
قيمة الكلمة ، وجدّية الوعد
الذي يَعدون الشعب به، ونتيجة
الإخلاف بالوعد ، والإحساس
بالمسؤولية عن الوعد ، وعن
الإخلال به !؟ بالطبع لا !
فماذا
إذن !؟ إن الناس في سورية ، عبر
تجاربهم الطويلة مع الساسة ،
سواء أكانوا حكاماً أم محكومين
.. تكوّنت لديهم ملكة قويّة ،
للتمييز بين أصحاب الوعود من
هؤلاء الساسة ! وصاروا يتعاملون
معهم ، ومع وعودهم ، على ضوء
ماتشكّل عن شخصية كل منهم ،
وقيمته الفعلية على أرض الواقع
؛ من حيث صدقه ، وقدرته على
تنفيذ ما يَعد به، وإدراكه
لأبعاد الوعد الذي يَعد به ،
وبتكاليفهِ على الأرض !
ومن التجارب الطريفة ، التي
يتذكّرها أبناء بعض المحافظات
السورية ، عن بعض العاملين في
العمل العامّ ، أن بعض هؤلاء
العاملين ، كانوا يضعون في
برامجهم الانتخابية ، للإدارة
المحلية في المدن والقرى.. هدفاً
بارزاً ، هو: تحرير فلسطين !
فبأيّة جدّية ، يمكن أن يتعامل
الناس ، مع هذه الوعود ، ومع
أصحابها !؟
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|