ــ
كيف
سيلعب بشار أسد في الشوط الثاني
؟!.
د.نصر
حسن
رأى البعض أن بشار
أسد سيكون " غورباتشوف "
سورية , في " بريسترويكا "
الإصلاح مع أدائه القسم
الدستوري في 17 تموز 2000 واستلامه
السلطة ,وتأرجح الكثير من
المراقيبين والمفكرين
والمهتمين بمستقبل سورية بين
بين , وفاتهم أن بشار أسد ورث
عربة صعبة القيادة,وسلطة معقدة
البنية, في ظروف داخلية
وإقليمية فقدت مرتكزاتها
التقليدية ,وغلب عليها
إنهيارأهم ركائزها الدولية
التي بنى عليها الديكتاتورالأب
توازناته ,وهي انهيارالإتحاد
السوفياتي والمنظومة
الإشتراكية التي كان النظام
السوري يتأرجح ويتمرجح على
حبالها ,وفي تماثل البنية
والأداء والإنغلاق والقمع ,تكمن
بعض مقدمات تماثل النتيجة,مع
الفرق بين عتلات السلطة
الشيوعية,وعتلات السلطة
الأسدية شديدة الخصوصية
سياسياً وأهلياً, بمعنى أن أي
لعب فيها سيؤدي إلى انهيارها ,
وهذا وضع على طاولة بشار أسد
مقدماً على أنه ثابتاً في
سياسته القادمة ,وبالتالي كانت
وعود الإصلاح التي استهل بها
وراثته ,حملةً أو مدخلاً لفظياً
جديداً ,ووعوداً عرقوبيةً ,أشبه
بذر الرماد في العيون لحجب
الرؤيا وتخدير الرأي العام في
سورية ,وتحييد الموقف
الخارجي لفترة انتقالية
ضرورية للوريث لترتيب عربة
السلطة السورية على حجمه الجديد
, وقيادتها في الإتجاه السابق
الذي رسمه الديكتاتور الأب .
وتعددت المواقف حول
مستقبل الوضع السوري, مابين
متفائل ومتشائم ومتفرج ومصفق ,
كنا في صف آخر لايرى جديداً
ويبتعد عن المقاربة الوصفية
للأمور , وفي عداد الذين لم
يجدوا أية فرصة لإنتقال سورية
إلى مرحلة أفضل, منطلقين من
طبيعة السلطة التي بناها
الديكتاتور الأب بالحديد
والنارعبر أكثر من ثلاثة عقود
ودورها وتراكماتها , وحجم
تركتها السياسية والإجتماعية
والاقتصادية الثقيلة في سورية ,
إذ فيها تكمن الخيارات السياسية
الجوهرية للرئيس الوريث
,واستخدمت كعذراً أقبح من ذنب ,
مع الإقرار بصعوبة الإصلاح ولكن
ليس استحالته , بخصوص سلطة
بناها الأب على القمع والإستبداد
وإقامة نظام مركزي شخصي إلى
أبعد الحدود ,والفساد الذي أغرق
سورية فيه ,وسيطرعلى عتلات
السلطة وتحكم في حركتها وسرعتها
واتجاهها بقسوة وبراعة ,وبنى
دولة الشرطة السرية المغلقة
بنيوياً وتنظيمياً وسياسياً ,
وربطها طائفياً وتحولت
بالضرورة إلى سلطة مغلقة شبه
عصية على الإصلاح , تلك هي بعض
إرث الرئيس الجديد والذي ليس
جديداً , تعامل معه بمنطق القبول
والحفاظ عليه , دون توفر إرادة
صادقة للإصلاح .
كنا مع الذين رأوا
أن العهد الجديد مرتبط عضوياً
بقديمه , وأسير طبيعته وموازين
قواه المادية التي تتحكم بآلية
السلطة على كافة المستويات , ومع
قصور البعض وتهافت البعض الآخر
والإصطفاف في طابور المنظرين
والمطبلين للنظام الإصلاحي
الجديد , والخدمة المجانية له
حيناً والمأجورة حيناً آخر
والخائفة من التغيير في معظم
الأحيان , عملوا على رفع الحجارة
من طريقه وتبديد الحرج الداخلي
الذي بناه الشعب على
"شبوبية الرئيس المتنور"
الجديد ووعوده الحداثية التي
كانت أشبه بعكازة استند عليها
في مرحلة انتقالية ,وبسرعة
تغيرت الأولويات وضاعت آمال
الإصلاح والمصلحين , ووضع
النظام سورية قيد الإقامة
الجبرية بين حرس قديم وحرس جديد
,وظروف إقليمية ودولية عجز عن
التعامل الكفوء معها , ومع تقدير
أن الرئيس الجديد لم يكن له أي
دور في بناءالسلطة وسلبياتها
التي ورثها بوزن قائم , وهذا في
أحد جوانبه وفر فرصة للتهرب من
جرائم والده , أضاعها أيضاً وتمت
طغطيتها بالتلفيق واختلاق
الأعذاروالعقبات, واستمرت آلة
النفاق في نفخ البراءة
المفقودة والصياح بالنظرة
التحديثية اللفظية والإصلاحات
المنشودة ,ورسموا صورة الرئيس
الجديد على أنه العبٌارة
الوطنية والسياسية السلمية
التي تنقل سورية المنهكة إلى
شاطئ الإصلاح والإنفتاح
والأمان ,وفتح صفحة بيضاء
جديدة في تاريخ سورية الحديث
المثقل بالعنف والسواد .
وسورية الآن على
أبواب القسم الثاني بتفاؤل وهمي
طغى على سبع سنوات سابقة ,بدده
عجز النظام عن الإصلاح , وصمت
دعاة الإصلاح واصطفافهم مع
النظام في التبرير والتنظير
المرتبك والمتهالك للعجز ,وعزفه
على موسيقى الظروف الإقليمية
ونفخ دوره في حل عقد وتعقيدات
المنطقة , اليوم تتكرر الصورة
مرةً أخرى بوضوح أكثر, توحي
أن سورية على حافة مرحلة
مبهمة , محدداتها الطيش
والإرتجال والقصور على فهم
المرحلة الجديدة داخلياً
وخارجياً , ففي سبع سنوات مضت
من حكم بشار أسد , كانت مليئة
بالأخطاء الستراتيجية في
سياسته الداخلية والإقليمية
وخاصةً على المستوى الداخلي
والعلاقة مع لبنان ,تلك العلاقة
التي صممها الأب بإحكام لتكون
أهم ركيزة استراتيجية
لإستمراره وقوة دوره على
المستوى الإقليمي والدولي وفي
العلاقة مع أمريكا تحديداً ,
أضاعها أيضاً وعجز النظام
الجديد على مقاربة الوضع
اللبناني " بعقلانية "
النظام السابقة القاسية
المحسوبة وفقد قدرته من السيطرة
على لبنان , إذ لم يتمكن من إيجاد
صيغة مشتركة يتوافق عليها
اللبنانيون وتضمن له دوره
باحتواء جميع الأطراف , فلجأ إلى
التعامل التكتيكي المرتجل
بالتدخل الخاطئ ودعم طرف على
حساب أطراف وبغطاء دولي متحرك
هذه المرة , أدت بمحصلتها إلى
هروبه من لبنان , واستمرار تدخله
بتصديع الإستقرار الداخلي فيه
,وحدوث اغتيالات بدءاًُ من
الراحل رفيق الحريري إلى وليد
عيدو إلى تفجير الوضع اللبناني
برمته على أمل إعادة سيناريو
الثمانينات على حامل الإرهاب من
جديد , متجاهلاً أن سر ذلك الدور
كان ضمن توازناته , وأنه
توافق عربي دولي على أدائه
في لبنان , في حين أن التوافق
الحالي العربي الدولي هو عكسه ,
هو توافق على خروجه من لبنان
وعدم التدخل بشؤونه , أي انتهاء
خدمته فيه,وعليه فقد النظام
أهم ركيزة استراتيجية له , وهذا
سبب كل تخلخله وخلله الحالي .
هل ننتظر في الشوط
الثاني أداءً أفضل ؟ وإصلاحاً
متأخراً لم يأت في الشوط الأول ؟
وهل النظام بوضعه الحالي
وتركيبته المتخلخلة ,التي أصبح
القمع والفساد وتسول "
السلام" عنوانها , قادر على
الإستمرار وسط حرائق المنطقة
وأعاصيرها ؟ أغلب الظن أن قليل
من الأجوبة تكمن في القسم
الجديد في 17 تموز 2007 القادم ,
وأكثرها يبقى طي مجهول
النظام وطيشه , وضبابية الموقف
العربي والدولي منه , وضعف دعاة
التغيير....., لايغامر أحد بتحديد
, كيف سيلعب بشار أسد في الشوط
الثاني ؟!..لازال التخبط
والإرتجال والفوضى وحالة
الطوارئ ساريي المفعول ,
مضافاً لها صراع خفي داخلي على
تسابق الهروب بسلام قبل فوات
الأوان !... سورية كما المنطقة
بعضها على كف النظام , وكلاهما
على كف عفريت... !.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|