ــ
كيف
ســقط تشاوشسكو !!؟
الدكتور
خالد الاحمد*
في عام (1973م) ساهمت
للمرة الأولى في حياتي في تصحيح
الشهادة الثانوية ( مادة
الفلسفة ) ، في مركز حماة ، وكنا
لجنة مكونة من أربعة مصححين ،
كنت أصغرهم سناً ، وكان كبيرنا
الأســتاذ محمد حيدر أمين فرع
حزب البعث قبيل الحركة
التصحيحية (1970)
، الذي أعادته الحركة التصحيحية
مدرساً كما كان لأنه من أتباع
صلاح جديد ، أو قل من البعثيين
الشرفاء الذين لم يستطع الأسد
شراءهم ؛ ليكونوا أزلاماً لـه
كما فعل الكثيرون ... في ذلك
العام شكلت لجنتنا من قبل إدارة
مركز التصحيح ، وانسجمنا في
العمل غاية الانسجام ، وفي
العام التالي ، أمسك الأستاذ
حيدر بيدي وبزميل آخر كان معنا
وذهب إلى إدارة المركز وطلب أن
نكون معـه ، وفعلاً قضيت معه
فترتين (73، 74) ثم أعرت إلى
الجزائر ، وانقطعت معرفتي بـه ،
وتمنيت لو لم تنقطع...
وخلال دقائق الاستراحة كان
الأستاذ حيدر يحدثنا عن رحلاته
الرسمية في أوربا الشرقية ،
حديثاً ممتعاً وهادفاً ، استفدت
منه كثيراً ، ومماقاله لنا أن
تشاشسكو كان يعامل وزراءه ، كما
يعامل الضابط جنوده ، قال كنت
ترى الوزير يقف باستعداد عندما
يتكلم معه تشاشسكو ، تماماً
كالجندي عندما يتكلم مع الضابط
، ويقف الوزراء أمامه كما يقف
الجنود أمام الضابط داخل
الكتيبة ....
نيكولاي تشاشسكو
من طغاة العالم :
نيكولاي تشاوشسكو
من كبار الطغاة في العالم ، كان
يحكم رومانيا حكماً فردياً
ديكتاتورياً ، حتى إذا سافر من
البلد تسلمت زوجته مقاليد
الأمور ، أما إذا سافرت معه ،
فيتسلم ولده زمام الأمور ...
هكذا ببساطة رومانيا كلها
في ( زجاجة ) بيد نيكولاي وزوجته
وولده ....
هذا المستبد
الديكتاتور انهار حكمـه
بمايشـبه الأسطورة ، وبشكل
لايصدقه العقل ، ولكن الله على
كل شيء قدير ، ألم يسلط الله
عزوجل طيراً أبابيل على جيش
إبرهـة الجبار الذي جاء ليهدم
الكعبة !! ألم يسلط الله
الذبابـة على النمرود !!! ألـم
ينتهي الطغاة العظام بأسباب
تبدو لنا صغيرة جداً ...هكذا سقط
الديكتاتور الكبير نيكولاي
تشاشسكو ...
ثـورة الياســمين
:
تجرأت مجموعة من
العاملين في التلفزيون
الروماني بعرض صور لجثث أموات ،
على أنهم قتلوا بيد مخابرات
تشاشسكو ، وقد صدق الشعب بسهولة
لأنـه تعود على هذه المجازر
التي ينفذها أزلام تشاشسكو
....وتعبأ الشعور الوطني في
رومانيـا بشكل كبير ...ويلاحظ
هنا أن الانطلاقة كانت من وسائل
الإعلام .....
1- حشد أزلام تشاشسكو الجماهير كي تتظاهر
معلنة التأييـد لبطل المسيرة ،
والزعيم الأوحد ، والقائد
الملهم ، قائد المسيرة .....
وامتلأت الساحات العامة
بالجماهير الذين سيقوا للتظاهر
تأييـداً للديكتاتور كما هي
العادة .... وفجأة تشجعت مجموعة
قليلة من عمال أحد المصانع ،
وتفاهمت على الهتاف ضد تشاشسكو
في الشارع ، عندما يساقون
للتظاهر والهتاف ، وفعلاً سارت
هذه المجموعة ، حتى صارت في وسط
الساحة العامة ، فبدأت تهتف ضد
تشاشسكو ، وكررت : فليسقط
تشاشسكو الطاغوت ، فليسقط
الديكتاتور المستبد ، وخلال
دقائق معدودة كانت أصداء الهتاف
تـتردد في الساحات عالياً بسقوط
الديكتاتور تشاشسكو .... ( وفي علم
الاجتمـــاع أن الحشد ( التجمهر
) يقلل التفكير ، والناس في
التجمهر يتصرفون بالتقليد ،
وتسيطر عليهم العواطف ،
والحماسة عاطفة
ويقل مستوى التفكير العميق )
...
2- وهكذا انتقل التظاهر من مدينة إلى أخرى
حتى عـم رومانيا ، وسكنت
الجماهير في الساحات العامة
تهتف ضد الطاغية المجرم تشاشسكو
... وسمي ذلك بثورة الياسمين ....
ويلاحظ هنا دور الشعب في
التظاهر ، والشعب معبأ بما فعله
الديكتاتور خلال عقود مضت ، ثم
جاءت مشاهد من التلفزيون فجرت
الشرارة الأولى ...كما يلاحظ
تراخي وحدات الأمن التي كلت
وملت من ذبح الجماهير ،
واعتقالها ، ويلاحظ أهم من ذلك
كله ، حضور وسائل الإعلام
العالمية التي جعلت من المتعذر
على وحدات الأمن الرومانية أن
تفعل كما اعتادت على فعله خلال
عقود مضت .... ويلاحظ أهم من ذلك
كله أن الغطاء العالمي السياسي
سحب عن نظام تشاشسكو ، وذلك
عندما بدأت منظومة الدول
الشيوعية تنهار واحدة بعد
الأخرى ....
3- أخيراً وصلت طائرة عمودية من القوات
المسلحة ، فيها مجموعة من
الضباط الوطنيين المخلصين
لوطنهم ، نزلت هذه الطائرة فوق
قصر الديكتاتور، ودخل الضباط
المسلحون إلى القصر ، واقتادوا
نيكولاي وزوجته إلى الاعتقال في
إحدى القطعات العسكرية .... وهناك
بدأوا يحاكمونه ميدانياً على
جرائمة البشعة التي ألحقها
بالشعب الروماني .... وأذكر من
يومها ماتناقلته وسائل الإعلام
عن الحوار الذي دار بين تشاشسكو
وزوجته ...
قالت له : كيف تسمح لهولاء
الضباط الوقحين أن يتكلموا معك
بهذه الطريقة !!؟
فأجابها نيكولاي
تشاشسكو ـ وقد أدرك الواقع
المـر ـ قال لها : من الجميل أن
نموت معاً ...
وبعد دقائق أطلقت
النيران على نيكولاي تشاشسكو
وزوجتـه ، وانتهت ثورة الياسمين
التي حررت رومانيا من ديكتاتور
قل أن يوجد مثله في العالم ....
ويلاحظ أن الحركة
التنفيذية الفعالة جاءت من
الجيش والقوات المسلحة ، وأي
جيش مهما حاول الديكتاتور
تخريبه ، وتحويله إلى أزلام
مرتزقـة للنظام ، سوف تبقى فيه
أعداد كبيرة من الوطنيين
المخلصين لوطنهم ....من هؤلاء هذه
المجموعة من الضباط الذين خلصوا
رومانيا من الطاغية تشاشسكو ...
ومن البدهي أن جيشنا العربي
السوري فيه آلاف من الوطنيين
المخلصين لوطنهم ولشعبهم ،
ينتظرون ســاعة الصـفر كي
ينقضوا على الطاغية الديكتاتور
، ويقدموه للمحكمة القضائية
العادلة ، كي يقتص منه الشعب
السوري واللبناني والفلسطيني
.... وأحسب ذلك غير بعيد ... والله
أعلم ....
*باحث
في التربية السياسية
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|