ــ
الأصنام
الناطقة !
عبد
الله عيسى السلامة
قال الشاعر عمر أبو ريشة:
أمّتيْ .. كمْ صَنـمٍ
مَجّدتِه
لمْ يكنْ يَحمِلُ طُهرَ
الصَنمِ!
فلمَ افترضَ أن الصنمَ طاهر
!؟
والجواب واضح وبسيط ، وهو أن
الشاعر قاسَ الصنم ( الحجرَ) ،
على غيره من المخلوقات التي
تمجّد ويسبَّح بحمدها ، فاكتشَف
مايلي:
1- الصنم
( الحجر ) الذي يَعبده عَبيده ،
يَحظى من قِبل هؤلاء العبيد
بالعناية والرعاية .. فهم
يغسلونه ، وينظّفونه من الغبار
والأدران ، ليبقى جديراً
بعبادتهم وتقديسهم..وهذه نظافة
مادية واضحة ، وهي أيسر
النظافات ..!
2- الصنم
( الحجر) بريء مما ينسَب إليه من
أيّ قول أو فعل ـ بحكم طبيعته ـ :
وعلى سبيل المثال:
الصنم
(الحجر) لا يَزعم أنه إله ـ
كما تفعل الأصنام الأخرى ـ
لأنه ، ببساطة، عاجز عن ذلك ..!
وهذا الزعم ـ وجوداً وعدماً ـ هو
الذي يحدّد الفرق في الطهارة
الأخرى ( المعنوية ) ، بين صنم
طاهر وصنم غيرطاهر .. ومن ذلك:
• الصنم
(الحجر) لايستطيع أن يقول للناس :
( أنا ربّـكم الأعلى ) أو (ماعلِمتُ
لكمْ مِن إلهٍ غَـيْري ) ! لماذا !؟
لأنه لا ينطق .
• الصنم
(الحجر) لايستطيع أن يَسنّ في
بلاده ، قوانين تَـفرض على
الناس التصديقَ والاقتناع
والتسليم ، بأنه ( فعّال لِما
يُريد ) لأنه مطلَق الصلاحيات ،
وأنه ( لا يُسأل عمّا يَـفعل)
لأنه فوق المساءلة والمحاسبة
والنقد والشك ، مهما قال أو فعل
، ومهما قال أزلامه للناس ، أو
فعلوا بهم ، لأن هؤلاء الأزلام
يستمدّون حصانتهم وقداستهم ، من
حصانة إلههم الصنم وقداسته ..!
• الصنم
الحجر لايستطيع أن يقتل الناس ،
أو يعذّبهم ، أو يَقذف بهم إلى
السجون والمنافي ، بلا جريرة أو
ذنب ، إلاّ الاشتباه بأنهم
يخالفونه الرأي ، أو يَشكّون في
صدق ألوهيته..! ثم يَطلب منهم ـ
مع ذلك ـ أن
يصفّقوا له ، ويسبّحوا بحمده،
ويَصفوه بالعدالة والنزاهة ،
والاستقامة والحكمة ، والبِرّ
والرحمة ، وأرقى صفات الكمال
الأخرى..!
• الصنم
الحجر لايستطيع أن ينهَب أموال
الأمّة ، ويَسرقها ، ويبني بها
القصور والجنان ، ويترك أبناء
شعبه يتضوّرون جوعاً ، أو
يغادرون بلادهم بحثاًعن لقمة
العيش لهم ولأطفالهم .. ثم يَطلب
منهم أن يردّدوا ، صباحَ مساءَ ،
بأنه مثال للشرف والأمانة ،
والخلق القويم..!
• الصنم
الحجر لايستطيع أن يَخنع لأعداء
أمّته الأجانب ، ويحقّق مصالحهم
على حساب وطنه وشعبه ، لقاءَ أن
يُبقوه على كرسي الحكم في بلاده
.. ثم يطلب من أبناء شعبه ، أن
يهتفوا بحياته ، صباحَ مساءَ ،
بصفتِه قائداً بطلاً ، صامداً
في وجه المخطّطات الأجنبية
المعادية لشعبه وأمته ، وأنه
الوحيد المؤهّـل لقيادة الأمة ،
نحو النصر والتحرير الشامل ، من
سائر أنواع الاستعمار
والتبعيّة ، ويعيد إليها
أمجادها السالفة ، يوم كانت
سيّدة الدنيا ومنارة العالم..!
فهل كان الشاعر ، ببيته ذاك
، يظهِر حبّه واحترامَه لأصنام
الحجر، أم كرهَه واحتقاره
لأصنام البشَر..!؟
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|