محاكمة
من ؟
علي
العبد الله*
مثل أمام محكمة جنايات دمشق في
الأسبوع الماضي ثلاثة من معتقلي
إعلان بيروت – دمشق هم الأساتذة
أنور البني (يوم21 /1/2007) وميشيل
كيلو ومحمود عيسى(يوم23/1/2007)، وقد
أثار استمرار اعتقالهم
ومحاكمتهم بتهم كبيرة استغراب
وأسئلة المتابعين والمهتمين.
ماذا حوا إعلان بيروت – دمشق حتى
يعتقل هؤلاء المثقفون وتوجه لهم
هذه التهم الكبيرة والتي تترتب
عليها أحكاما طويلة ؟.
وهل المقصود محاكمتهم أم محاكمة
الإعلان؟ .
إعلان بيروت – دمشق،الذي تشاور
وتحاور وأتفق على صيغته
النهائية مثقفون سوريون
ولبنانيون ونشر على المواطنين
السوريين واللبنانيين من أجل
التوقيع عليه، انطوى على قيم
وطنية وقومية وديمقراطية
وإنسانية نبيلة،وهذا دفع عددا
من المتابعين السوريين والعرب
والأجانب إلى طرح أسئلة حول
مبررات قرار السلطة السورية في
اعتقال ومحاكمة عدد من الموقعين
عليه ،أسئلة من نوع :
هل لان السلطة ضد إصلاح العلاقات
السورية اللبنانية ، أم لأنها
ضد الحديث عن الوصاية والإلحاق
والاستتباع ؟.
هل لان الإعلان طالب باحترام
وتنمية الحريات العامة والخاصة
وحقوق الإنسان وبناء دولة الحق
والقانون والمؤسسات
والانتخابات الحرة والنزيهة
وتداول السلطة ووحدة الدولة
وبسط سلطتها على كامل ترابها
الوطني ؟.
هل لأنه اعتبر أن سيادة نظم
ديمقراطية في البلدين يشكل أفضل
ضمانة لقيام ورسوخ علاقات
متكافئة وسليمة بينهما، وطالب
بحق الشعبين في أن يختارا،
وبكامل الحرية، النظام
الاقتصادي والاجتماعي والسياسي
الذي يتلاءم وتطلعاتهما من دون
أي إكراه؟.
هل لأنه طالب بتحرير الاقتصاد في
كلا البلدين من النهب المنظَّم
لثروة البلدين ومواردهما الذي
كانت تمارسه، وما تزال، مافيات
مشتركة مستفيدة من مواقع حماية
وانتفاع في سلطة البلدين ،لما
فيه خير الشعبين؟.
هل لأنه طالب الحكومة السورية
باتخاذ الإجراء الفوري لإطلاق
سراح جميع المساجين والمعتقلين
اللبنانيين في السجون
والمعتقلات السورية والكشف
النهائي عن مصير المفقودين؟.
هل لأنه أدان الاغتيال السياسي
ودعا إلى محاسبة المحرِّضين
والمنظِّمين والمنفِّذين في
جريمة اغتيال الرئيس رفيق
الحريري ورفاقه وفي الجرائم
الأخرى وتحميلهم المسؤولية
الجزائية والسياسية على
جرائمهم وإنزال العقوبات التي
يستحقونها أمام القضاء الدولي
والرأي العام؟.
أم لأنه تمسك بحق سورية في
استعادة كامل أراضيها المحتلة
في الجولان وحق لبنان في
استعادة أرضه التي لا تزال
محتلَّة في مزارع شبعا وتلال
كفرشوبا بكافة الوسائل المتاحة
بعد الإعلان الرسمي السوري عن
لبنانيتها تحت مظلة الشرعية
الدولية، و تمسك بحق الشعب
الفلسطيني في إقامة دولته
المستقلة وعاصمتها القدس وبما
يضمن لفلسطينيي الشتات حق
العودة إلى وطنهم التزاماً
بالمواثيق وتنفيذاً للقرارات
الدولية؟.
أم لأنه ربط العمل المشترك
لتصحيح العلاقات بين البلدين
وتحقيق استوائها على مقام
الندية والثقة والاحترام
المتبادل بمراجعة مجمل
الاتفاقات والمعاهدات الموقعة
بين سلطات البلدين، اختتاماً
لمرحلة منقضية وافتتاحاً لأخرى
تقوم على التكافؤ والتعاون
والمصالح المشتركة؟.
أم لأن هؤلاء المثقفين ردوا على
العوامل الضاغطة من أجل
المباعدة بين السوريين
واللبنانيين بالإصرار على
الحوار والتضامن والعمل
المشترك من أجل التصحيح الجذري
للعلاقات بين البلدين والشعبين
وفقاً لرؤية وطنية مستقبلية
مشتركة؟.
أم ماذا ؟.
وهل أريد محاكمة مضمون إعلان
بيروت – دمشق أم محاكمة مثقفين
سوريين مارسوا حقهم الدستوري في
نقد وتقويم سياسات سلطة أدخلت
البلاد والعباد في عنق زجاجة ؟.
وقد لفت عدد من المتابعين
والمعلقين إلى إن السلطة
السورية قد قبلت قرارات دولية
وطرحت،لفك العزلة العربية
والدولية عنها، حلولا سياسية
سقفها أدنى من سقف الإعلان ،
وانعكاسها على مصالح البلاد
سلبي من جهة ولم تحقق المرجو
منها – كسر العزلة - من
جهة ثانية، وإن الأحداث
والتطورات التي وقعت منذ صدور
الإعلان قد أكدت صحة وصوابية
الإعلان حيث ظهر،دون لبس،أنه
الخيار الأمثل والأكثر عقلانية
لحل العقد والاستعصاءات التي
سممت العلاقات السورية
اللبنانية، وأنه يصلح لأن يكون
مثالا يحتذى في حل المشكلات
المستعصية بين الدول العربية.
*كاتب سوري.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|