ــ
رداً
على خطاب القسم
محمد
مأمون الحمصي*
قال
تعالى: (( لا تحسبنّ الذين
يفرحونَ بما أوتوا ويحبون أنَ
يُحمَدوا بما لم يفعلوا فلا
تحسبنّهم بمفازةٍ من العذاب
ولهم عذابٌ أليم)). صدق الله
العظيم.
أيها
الشعب السوري العظيم:
سمعتُ خطاب القسم الذي
ألقاه “الرئيس” المجدد لنفس
قسراً لرئاسة الجمهورية، ووجدت
أن من واجبي أن أوضح الحقائق
ببعض البراهين والوقائع والحجج
التي أملكها، وإنني أدعو الله
ألا أكتب أو أعبر بحقدٍ من خلال
الجراح والآلام التي تعرضت لها
مثل كثيرين من السوريين.
إن مقدمة الخطاب قد حملت
جملاً إنشائية كثيرة ومنمقة
لكنها بعيدة عن الحقيقة والواقع
الأليم. وهي تقع بين سوأتين:
السوأة الأولى إفتقاد المُقسم
للمعرفة بواقع سورية وآلامها،
السوأة الثانية إستخفاف
المُقسم بعقول وأحاسيس الناس.
الصمود
والإستقرار:السؤال هنا من زج
بسورية بمغامرات وقرارات جلبت
الويلات؟ من فرض على الشعب
اللبناني رئيسا قسرياً؟ من هو
المتهم الأول في اغتيال الرئيس
الشهيد رفيق الحريري ورفاقه؟ من
المسؤول عن القرار 1559 ؟ من هو
المسؤول عن خروج الجيش السوري
بذلك الشكل....؟ من أعطى حماية
وحصانة لكبار ضباط الاستخبارات
والذين خربوا سمعة وكرامة الجيش
والشعب بفسادهم العلني
واختلاساتهم المروعة؟
أليست
الفوضى العارمة في المنطقة من
مسؤوليته؟ أليس هو أهم مؤسس
وداعم لها.
البلد
السليم المعافى: هل من المعقول
أن بلداً يسيطر عليه ألف فرعٍ
ومفرزة للمخابرات وهى في كل
مدينة وقرية وشارع هو سليمٌ
معافى؟ هل الرعب والبطش والخوف
هو عافية؟
الصراحة:
أما كلامه عن بناء العلاقة
على أساس من الصراحة؛ مثيرٌ
للدهشة والاستغراب... ألم يُحكَم
كبار المفكرين والمثقفين
السوريين بأحكام قاسية
لإبدائهم آرائهم بجزء من
الصراحة؟ وبشكل سلمي وفي قضايا
وطنهم. ألم يعبر بعض طلاب
الجامعات عن تطلعهم إلى الحرية
المسؤولة فماذا كان مصيرهم؟
السجن لمدد طويلة دمرت مستقبلهم
وملأت قلوب أسرهم بالحرقة.
التطوير
والتنمية:عمد المجدد لنفسه إلى
اتخاذ إجراءات سخّر بها هذا "التطوير"
لخدمة العائلة فسلب بها الموارد
الهامة كالنفط والخلوي
والمناطق الحرة والبنك العقاري
ومدينة المعرض ، وبهذا ازدادت
هموم الشعب وازداد فقره، ما أدى
لتقلص الطبقة الوسطى لصالح
الطبقة الفقيرة، وهذا هو مفهوم
التطور في سنوات الولاية الأولى.
الوضع
المعاشي: لقد أصبحت معاناة
الشعب السوري والزيادة في
أعبائه والإنهاك للموظفين
وصغار الكسبة وأصحاب الدخل
المحدود واضحة، وما تؤكده
تقارير الأمم المتحدة أن 25% من
الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر.
أما
الزيادات المزعومة فقد أصبحت
بلاءً مرعباً لأن أياً منها
رافقها ارتفاع أسعار الكهرباء،
الماء، المواد االتموينية
المعاشية الأساسية ـوالتي وصلت
الضرائب عليها إلى 35% ـ،
الأدوية، المحروقات، الإسمنت،
يفوق حجم الزيادة عدة مرات.أما
الضرائب التصاعدية المفروضة
على المواد الغذائية هي أكبر من
مثيلاتها في الدول المجاورة
بشكل ملحوظ. فلو اقتطعت الدولة
راتب الموظف أو العامل سداداً
لنفقات الكهرباء والماء والنقل
والطبابة والتدفئة لما بقي له
من هذا الراتب ما يأكل به، مما
دفع الشريحة الكبرى من العاملين
في الدولة إلى عمل إضافي لا يكفي
بدوره سداداً لثمن ثلاث وجبات
"فلافل" لعائلة من ستة
أشخاص.
الأحداث
المأساوية: إن هذه الأحداث
نتيجة خطة مبرمجة من قبل النظام.
ثبت أن تصنيعها ورعايتها
وتصديرها من فعله. فالحدود التي
يدّعي عدم السيطرة عليها؛ جعلها
منافذ للانتحاريين والسيارات
المفخخة والأحزمة الناسفة إلى
العراق ولبنان.ولقد كان
التلفزيون السوري راعيا أول
للإرهاب، ومحرضا أولاً لشبابنا
عليه. إن خيار الفوضى وحمام الدم
في المنطقة، هو خياركم (أيها “الرئيس”)
من أجل التصدي لرياح التغيير
التي شعرتم بخطرها.
مطالب
المجتمع الدولي: إن حد يث رأس
النظام عن مطالب مستمرة للمجتمع
الدولي يتركز في مطلب واحد، هو
عدم التدخل بشؤون الدول
المجاورة وعدم تصدير الأسلحة
والإرهابيين وعدم تأجيج
الغرائز والعنف الطائفي؛ وذلك
لما فيه من خطر على الاستقرار
الدولي. ولم نسمع يوماً أن
المجتمع الدولي يريد ثروات
سورية و سيادتها. أما رد “الرئيس”
على اللقاء مع مسؤول غربي
يحمل مطالباً إلى النظام
لتنفيذها كدولة عظمى ردٌ محق؛
وعلى مجلس الأمن ـ في حال خصص
مقعداً دائما للإرهاب ـ أن يكون
من نصيب النظام السوري فهو
الأجدر به.
القرارات
الدولية: إن
استهزاء “الرئيس” بقرارات
الشرعية الدولية، وبالذات
المدرجة منها تحت البند السابع،
وادعائه أن مجلس الأمن لم يبقَ
إلا أن يصدر قرارات تمنع دعم
الفقراء السوريين لأنه دعمٌ
للإرهاب، لا يتماشى مع تمسكه
بالقرارات الدولية والتي
يعتبرها نزيهة والتي تخص سورية
وفلسطين و إسرائيل ، وهذا ما
يبين التناقض في خطابه،
وإفتقاده للمصداقية واصطفافه
ضد القرارات المعادية للإرهاب.
اللقاءات
السرية والمفاوضات:ظهر في خطاب
"“الرئيس”" اللّينْ تجاه
إسرائيل وظهر تنكُرهُ لكل
المباحثات واللقاءات السرية
التي أجريت بأمره وأصبحت واضحة
أمام العالم، ذلك في محاولة منه
لاستعادة الثقة بعد أن انكشفت
أخبار هذه المفاوضات. لقد أراد
خلط الأوراق وادعى أنه لن يُقدم
على أي خطوة قبل الرجوع إلى
الشعب، هذا ما لم ولن يحصل.
التطوير
الإداري بكوادر جديدة وللمرحلة
القادمة:
إننا سنعطي أكثر من مثال على
أن التطوير المذكور فاقد
للمصداقية ومؤدٍ لعكس مفهومه.
فنبيل
الخطيب الذي شغل منصب رئيس
محكمة الأمن الاقتصادي، وأصدر
أقسى الأحكام بتاريخ القضاء
السوري، وعقد أكبر صفقات
الفساد؛ كآفأه النظام بتكريمه
في الولاية السابقة وزيراً
للعدل، ليساهم أكثر في تخريب
القضاء.
جاء التطوير الإداري الآخر
بتعيينه في أهم مؤسسة دستورية
وهي مجلس الشعب.
إن التطوير الإداري كما
أراده “الرئيس” ويعمل عليه،
يحمل في طياته سموم الفرقة
والتمايز بين أبناء الوطن
الواحد لأنه يعطي أولوية لفئة
على حساب باقي الفئات وذلك في
الجيش وأجهزة الدولة الأمنية
والإدارية بكافة أشكالها.
مكافحة
الفساد: إن كلام “الرئيس” عن
مكافحة الفساد وعن خلو الطبقات
العليا في السلطة من الفاسدين
يكاد يكون أكثر النقاط كذبا
وتضليلا، في محاولة فاشلة منه
للضحك على عقول السوريين الذين
ما فتئوا يسمعون عن ملفات
وإمتيازات عائلته. أما كلامه عن
أن التربية السيئة للمواطنين هي
السبب في إنتاج الفساد
والمفسدين فهو كلام مرفوض،
فالشعب السوري لم يكن فاسداً
يوماً، بل إن وصول هذه الطغمة
الفاسدة إلى الحكم، ممن سهّل
الفساد وروّجه وضيّق الخناق على
الشرفاء الرافضين الدخول إلى
هذه الدائرة، إضافة إلى التغييب
المتعمد للمحاسبة ـ بالرغم من
وجود نص قانوني بها: من أين لك
هذا قانون 1958ـ هو من عزز الفساد،
وعزز مواقع الفاسدين والمفسدين
(الفاسد المناسب في المكان
المناسب).وحديثه عن إشراك
الإعلام في الحملة ضد الفساد
كذبة كبرى،
فمن منع الإعلام من لعب هذا
الدور، ومن أصدر الأوامر بإغلاق
صحيفة المبكي لنشرها تقريرا عن
اختلاسات محافظ حمص إياد غزال(عجز
بمبلغ 55 مليون ليرة في إحدى
المشاريع، ومكآفأة لصحيفة
أجنبية بمبلغ 60 ألف دولار
لإجرائها مقابلة معه)، من حاول
رشوة الصحيفة (المبكي) بحجم كبير
من إعلانات المحافظة لئلا تنشر
التقرير، ومن استخدم المخابرات
في ترهيبها ومداهمة مكتبها
عندما رفضت، من منع صحيفة المال
من التداول لأسباب مشابهة (نقد
الفساد والفاسدين والمفسدين)،
جميع الخطوات السابقة على سبيل
المثال لا الحصر تدخل ضمن خطة “الرئيس”
في مكافحة الفساد ومحاسبة
الفاسدين والمفسدين.
اللغة
العربية: إن الحرص على اللغة
العربية حديثٌ مكشوف الأهداف
والنوايا، فالتغني بالقومية
العربية واللغة العربية وحتى
يكون حقيقا لا بد له من أساس في
السلوك والبرامج. وهو لا ينطبق
على رئيس وقف وشتم وحقّر القادة
العرب، وأطلق حملة إعلامية
بمختلف الوسائل وأبرزها
المواقع الإلكترونية
الإستخباراتية؛ لتحريض الشعوب
العربية على قادتها، وكذلك لا
ينطبق على رئيسٍ شغل كثيراً من
وقته في شرخ الصف العربي.
لماذا لم يذكر “الرئيس” في
خطابه كلمة واحدة عن حلفه
الإستراتيجي مع إيران؟؟إن هذا
الحلف وبرنامجه يتم خلافاً
لرغبة الشعب ومصالحه، ويشكل
عبئاً عليه وعلى سورية، وعلى
حساب الأشقاء العرب.فالمعلم
الذي يقوم بأهم دور تربوي يعيش
تحت خط الفقر، ويعمل بعد دوامه
سائق تاكسي وما شابه من أعمال
ليسد رمق أسرته.
إن
الإشارة لأهمية التعليم واللغة
العربية لوزير التربية، كانت
إشارة خاطئة والأولى أن توجه
إلى وزير المالية لإعطاء
المعلمين حقوقهم المسلوبة حتى
يتم بناء الأجيال بشكل عربي
سليم.
المشاركة
السياسية:أكد المجدد لنفسه، أن
هناك مشاركةً سياسيةً وتوسيعاً
للديمقراطية، وما أبطل هذا
الحديث: أن الشعب السوري ليشارك
سياسياً يكفي رئيسه أن يضم إلى
أحزاب "الجبهة الوطنية
التقدمية" التي أثبتت فشلها
على مدار 37 عاما، أن يضم إليها،
فئة منشقة عن حزب لا يزيد عدد
أعضائها عن عشرات الأشخاص.
وكدليلٍ على زيف المشاركة
السياسية تم إغلاق الصحيفة
الوحيدة الناقدة بإعتدال "الدومري".إن
عشرين مليون سوري غير مسموحٍ
لهم أن
يشاركوا سياسيا حتى ولو بصحيفة
واحدة ناقدة تمثل توجهاً
سياسياً معارضاً!!.
إن المستقبل الواعد
للمشاركة السياسية برهن عليه “الرئيس”
بالأحكام التي صدرت على د.كمال
اللبواني، د.عارف دليلة،
والمفكر ميشيل كيلو، والمحامي
أنور البني، والناشط الحقوقي
محمود عيسى، والأستاذ رياض
درار، والأستاذ فائق المير،
والمهندس نزار رستناوي،
والأستاذ حبيب صالح،
والمعتقلين من الأخوة الأكراد،
وطلاب وشباب الحرية: طارق
الغوراني، وماهر إسبر، أيهم
صقر، علام فاخوري، دياب سرية،
حسام ملحم، عمر العبد الله، وما
صدر وما يزال من أحكام جائرة بحق
الآلاف من سجناء الرأي والضمير
في سورية، ويبرهن عليه أيضاً
تعاظم قوائم الممنوعين من السفر
خلال ولايته الأولى لحدٍ لم
يسبق له مثيل، لتطال إضافةً إلى
السياسيين، المحامين والنشطاء
والمدافعين عن حقوق الإنسان،
منهم وعلى سبيل المثال المحامي
والقاضي السابق هيثم المالح،
المحامي حبيب عيسى، والمحامية
الناشطة رزان زيتونة، والمحامي
خليل معتوق، والمحامي فيصل بدر.
التطوير
الإقتصادي: إن التطوير المزعوم
قد سخّره النظام لمصلحة
العائلة، ونشير هنا إلى الطريقة
التي أخرج فيها شريك عربي مصري
من مشروع الهاتف الخليوي، بعد
أن ابتلعت العائلة أمواله، ولم
تُعدَ إليه إلا بتدخل من الرئيس
المصري.
ـ
إن سعي الإقتصاديّ الصناعيّ
الأول النائب السابق رياض سيف
الحثيث لتطوير الإقتصاد الوطني
الحر، الذي نال أهم جوائز
الجودة الدولية؛ واجهه النظام
بتدمير مشروعه والعمل على
إفلاسه وسوقه إلى السجن خمس
سنوات، ومنعه بعدها من السفر
حتى للعلاج.
ـ
إن القانون 24 فرض عقوبة السجن
على كل من يخرج أموالا من سورية
مهما كانت الأسباب ولو للعلاج
الصحي؛ إن هذه العقوبة الجزائية
أصبحت منسوخة من قوانين دول
العالم الإقتصادية.
القضية
الكردية:
واضح
من خلال الخطاب أنه يعترف
بالمأساة الكبيرة والظلم الذين
لحقا بالكورد وخلال سنوات طويلة
وبعد أن أعطاهم شهادة في
الوطنية؛ واضح زيف هذا الإعتراف.
كيف يقبل على نفسه أن يقول
أمام العالم وفي أهم مؤسسة
دستورية أنه قد قابل شرائح
كثيرة في القامشلي وسمع همومهم،
ومرت خمس سنوات ولا يزال يعطي
الوعود اللفظية فقط.
أما المكتومون فقد بشّر
بأنه لا علاقة له بهم، أين كانت
الدولة حين دخلوا ـ كما يدعي ـ
وأقاموا وأنجبوا عبر عشرات
السنين، هل الحل عنده أن ينقلوا
إلى كوكب آخر؟؟.
التشريعات:
إن
إصدار التشريعات وعدم تطبيقها
دليلٌ أكيد أن البلاد تعيش في
حالة فوصى وضياع وتؤكد أن
الدستور قد أصبح معطلاً.
إن
أي مشروع قانون يصدر عن مجلس
الشعب واجب التنفيذ حين صدوره،
وأي خرق أو عرقلة تطاله العقوبة
الجزائية.
إن المثل الذي إستخدمه حول
شق الطريق والعقبات هو دليل على
أن مجلس "الشعب" خرج عن
إختصاصه في بناء دولة القانون
إلى شق طرقات قابلة للإصلاح كل
يوم وإلى عدم التطبيق.
أيها
الشعب العظيم، عرباً وأكراداً،
أتقدم منكم ببالغ الإعتذار
والأسف على ردي بالحجة
والبراهين، وإنني أعلم أنكم
قادرون وستعيدون بناء سورية
بعزيمة جبارة بعد أن يعود الوطن
المسلوب قسراً إلى أهله مهما
كانت الصعاب والجراح.
*نائب
سوري سابق
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|