نصر
الله ... وديموقراطية الإطارات
المحروقة!
الطاهر
إبراهيم*
يوم الثلاثاء 23 كانون ثاني
الجاري يوم أسود طويل تصاعد فيه
لهيب الإطارات المحترقة
ودخانها، عاشته بيروت وعاشه
البيروتيون معها على وقع أعمال
البلطجة والشغب. كما أن أدوات
التخريب والمخلفات البيتونية
التي أحضرتها سيارات المعارضة
من بقايا تدمير ما خلفته حرب
تموز–آب، لإقفال شوارع بيروت
ومنع الناس من الذهاب إلى
أعمالهم التي هي موارد أرزاق
معظمهم، أشعرت البيروتيين وكأن
"نصر الله" يقول لهم: إن لم
تتعظوا فإن بيروت ستغدو أنقاضا
كهذه التي
رأيتموها في شوارعها!.
يرى المراقب هذه المناظر المؤسفة
الكئيبة، ويسمع من "نصر
الله" أسبابه لقصر الإضراب
على يوم الثلاثاء فقط، فتأخذه
الحيرة والعجب من نصر الله وهو
يعلن أن الشعب اللبناني لا
يستطيع أن يتحمل الإضراب لأكثر
من يوم واحد لأنه سيجوع، بسبب
اعتماد موارد أرزاق أكثرهم على
الأعمال اليومية التي
يزاولونها في كسب معيشتهم. ومع
أن خسارة دخل اليوم الواحد على
المواطن اللبناني ليست بالشيء
الهين، إلا أنها ليست كل شيء.
ويسمع المراقب خطاب "نصرَ
الله"، يوم الأربعاء 24 كانون
الثاني الجاري عن أحداث يوم
الثلاثاء الأسود فيزداد عجبه.
فهو يقسّم فعاليات الاحتجاج
إلى، أولا: الإضراب عن العمل وهو
ما فعله مليون ونصف المليون
مواطن -حسب إحصاء "السيد"
وهو رقم يساوي نصف أعداد
اللبنانيين أويزيد- من أنصار
المعارضة الذين توقفوا عن العمل
وشلوا مرافق بيروت رغم كل
الإغراءات التي قامت بها
المؤسسات والشركات -حسب زعمه- من
الإعلان عن تنزيلات مغرية جدا
بقصد دفع الناس للتسوق من
متاجرها لإفشال الإضراب. الشق
الآخر من الاحتجاج فيتمثل
بإغلاق شوارع بيروت لمنع
الآخرين -ممن لا يدين بالطاعة
لحزبه وحلفائه- من الذهاب إلى
أماكن أعمالهم وأسواقهم.
ونتوقف هنا مع نصر الله، وهو رجل
دين شيعي، المفروض أنه يعرف
الحدود التي ينبغي أن يقف عندها
المسلم، بحيث لا يؤذي الآخرين.
فأي دين هذا الذي يعطيه الحق لكي
يؤذي الآخرين في موارد رزقهم؟
هذا إذا سلمنا أن أنصاره توقفوا
عن العمل برضا وتسليم.
حقيقة ما حدث أن القضية لم تكن
توقفا طوعيا عن العمل ،كما زعم
سماحته، بل إن ذلك تم بالإكراه.
فقد كان إغلاق الشوارع هو
العامل الحاسم في وقف العمل في
معظم الدوائر التي ظهر فيها أن
التوقف كان ناجحاً. ولولا إغلاق
الشوارع ومنع مرور السيارات
فيها، لفشل الإضراب فشلا ذريعا
ولافتضح زيف الادعاء الأجوف.
فأين هي إذن تلك الديمقراطية
التي
يعزف نصر الله على أوتارها، إلا
أن تكون ديمقراطية الإطارات
المحروقة!؟
ونبقى مع حديث سماحته الذي لا
تنقضي عجائبه، ولا تنتهي
غرائبه، عندما يتهم الأكثرية
الحاكمة المتسلطة -كما يزعم-
بأنها تمتلك ميليشيات مسلحة،
وأن هذه الميليشيا نزلت إلى
الشوارع لمنع المضربين بالقوة!
إن آخر من يحق له أن يتكلم عن
الميليشيات في لبنان هو "نصر
الله"، والجميع يعرف لماذا.
وآخر من يحق له أن يتكلم عمن
يمنعون الناس بالقوة هو "نصر
الله" الذي أَفْلَتَ أنصارَه
وأنصارَ "الجنرال" في
الشوارع ليمنعوا دبيب النمل
فيها.حتى الذين يريدون شراء خبز
أولادهم حُجِروا ومُنِعوا من
الذهاب إلى الأفران، خوفا أن
ينالهم الأذى والضرب من فتوات
"سماحته" وبلطجية
"الجنرال".
ولا ننسى أن نعرّج على تنديده
بالفتاوى التي أطلقها علماء
مسلمون، وهو يقصد هنا الشيخ
"محمد رشيد قباني" عندما
حذر من الذهاب في الإضراب إلى حد
إلحاق الأذى بالحكومة في لبنان.
وكأن "سماحته" يعتقد أنه
لايحق لأحد أن يتكلم باسم الدين
إلا الذين نالوا "النصر
الإلهي" في آب من العام
الماضي. بل إنه اتهم بعض قوى 14
آذار بأنهم لايعرفون الدين
أصلا، بحسب جملة أفلتت منه
أثناء حماسته وهياجه في الخطاب.
أما أن يقف بعض رموز حزب الله
أمام كمرات الفضائيات يبررون
هذه الأعمال التي ما أنزل الله
بها من سلطان ولا يقرها عقل ولا
دين فذلك لا يعارض الدين، وهي
عندهم من الحلال، ولو فعلها
إنسان في غير هذه الأحوال
لاقتيد إلى السجن وحوكم بجريمة
التخريب والإساءة إلى الوطن.
أما ما يقوله فضيلة المفتي من
التحذير من مغبة الذهاب بعيدا
وراء أهواء تجار الأجندات
الوافدة من خارج لبنان، فهو
حرام.
المغالطات التي حفل بها خطاب
"نصر الله" في يوم الأربعاء
24 كانون ثاني أكثر من أن تعد.
والحدود التي تجاوزها في حديثه
يصعب حصرها. ما نعرفه نحن أن
"سماحته" يعيش في مأزق صنعه
لنفسه وبنفسه. فلم يعد هناك عدو
إسرائيلي في تماس معه يهاجم
جنوده، ويصنع لنفسه نصر إلهيا
تلو نصر إلهي آخر، بعدما جره على
نفسه في الصيف الماضي، ما أرغمه
على النزوح شمالا بعيدا عن خطوط
التماس مع العدو الإسرائيلي.
ولا يسعنا إلا أن نردد مع المثل:
"على نفسها جنت براقش".
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|