ــ
انتخابات
المتن الشمالي بين الجميل وعون
...
أبعاد
ودلالات
الطاهر
إبراهيم*
لا يستطيع المراقب إلا أن يرى
بوادر مبارزة حامية الوطيس،
توشك أن تجري جولاتها على حلبة
"المتن"، ولابد أنه سيجد
نفسه مهتما بما يمكن أن تسفر عنه
هذه المنازلة. قد نجرؤ ونقول أن
لا تكون هناك مبارزة في الدائرة
الثانية من بيروت، إذ تبدو أن
النتيجة محسومة لصالح مرشح تيار
"المستقبل"، لكن
الانتخابات في المتن شيء آخر.
وحتى نقارب نتيجة المنازلة قبل
إجرائها، علينا استحضار ما
يمتاز به فرسان المعركة، وقراءة
النوازع النفسية الداخلية التي
تحكم الناخبين. أعترف ابتداء
أني لا أملك الكثير عن النوعية
التي يتكون منها ناخبو تلك
الدائرة، ومع ذلك سأسدد وأقارب.
أستطيع أن أتوقع نتيجة المبارزة
لو أنها تمت يوم عاد "عون"
من منفاه، يحمل داخل حناياه
كماً كبيرا من آلام الاغتراب
القسري، –والشرقيون كثيرا ما
يتعاطفون مع الضحية- ومن ذكريات
مؤلمة لخروجه من السفارة
الفرنسية في بيروت تحت جنح
الظلام في حوامة لاجئا سياسيا
إلى فرنسا. كنت سأقول –مطمئنا-
أن المعركة ستكون محسومة لصالح
الجنرال، لا غضا من قدر الرئيس
الجميل، بل لأن الجو كان مهيئا
لتقبل مواقف الجنرال، فقد كان
يمثل رفض المجتمع المسيحي
للوجود السوري، والناخبون
المسيحيون يتطلعون لرمز يلتفون
من حوله ضد ذلك الوجود، وكان عون
–في ذلك الوقت- يمثل ذلك الرمز
إلى حد بعيد.
الآن فقد تبدلت المواقع إلى حد
كبير. وإذا كان مقربون من
الجنرال ما يزالون يلتفون حوله
،لأن النكوص يعني لهم خسارة لن
يستطيعوا تعويضها لو انحازوا
للطرف الآخر. الناخبون
المسيحيون –على وجه الخصوص-
أصيبوا بخيبة أمل عندما انحاز
عون إلى جانب "نصر الله"
الذي لا يجدون أي تمايز بينه
وبين سورية التي دعموا الجنرال
انتصارا له ضدها يوم أخرج من
بيروت بعد حرب شرسة بين قواته
والجيش السوري في عام 1992. لا بل
إن جمهور الناخبين وجدوا أن "الجميّل"
أصبح الآن يمثل الأجندة التي
انتصروا على أساسها للجنرال في
الانتخابات النيابية التي جرت
قبل عامين من الآن.
ما قاله "نصر الله" في
مقابلته الأخيرة مع قناة "الجزيرة"،
بأنه يملك صواريخ قد تغطي كل
إسرائيل، -وهي على كل حال ليست
مساحة كبيرة- ربما كان له مفعول
عكسي على حليفه الجنرال، لأن
أكثرية اللبنانيين يعتبرونه
كلاما موجها للداخل اللبناني
أكثر منه لإسرائيل، وبالتالي
فإن هذا ربما أثار خوف
المسيحيين اللبنانيين، وربما
سيتخلون عن "عون"، لأن نجاح
مرشحه في المتن سيصب في قوة نصر
الله، الذي لوّح لهم "بالعصا
من تحت العبا".
على جانب آخر فإن كثيرا من
الناخبين المسيحيين الذين لا
يحسبون على أي من الطرفين، سوف
يجدون أنفسهم مدفوعين للتصويت
للرئيس الجميل، تضامنا وجدانيا
معه في مأساته في فقده ابنه
المغدور "بيار الجميل". ولا
يختلف في ذلك الناخبون الآخرون
غير المسيحيين في دائرة المتن.
هناك بعض اللبنانيين يعتقدون أن
الجنرال "عون" يقامر
ويغامر في هذه المعركة الجزئية
إذا استمر فيها إلى النهاية.
وسيعتبرها كثيرون استفتاء بينه
وبين "الجميل"، وأنه لو
خسرها فإنه سيصاب بنكسة قاسية
في سعيه للترشح إلى رئاسة
الجمهورية. إن الكثير من
اللبنانيين يعتقدون أن الجنرال
سوف لن يستمر في معركة المتن،
وإنه لا بد أن يطلب من مرشحه أن
ينسحب قبل إجراء الانتخابات حتى
لو لم يقبض ثمن ذلك.
على أن الجنرال سجل خسارة مبكرة
بتراجعه عن مواقفه السابقة،
لأنه قبل الدخول في الانتخابات
بعدما أقرتها حكومة "فؤاد
السنيورة"، التي كان يعتبرها
الجنرال "عون" حكومة فاقدة
للشرعية.
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|