ــ
من
جرائم النظام الأسدي :
قصة
إبراهيم النجار
الدكتور
خالد الاحمد*
يقول المحامي علي
صدر الدين البيانوني أن الإخوان
المسلمين سيؤسسون حزباً
سياسياً في سوريا ؛ عندما تسمح
الحكومة بحرية الأحزاب ، وسيكون
من نظام هذا الحزب أن يقبل في
عضويته كل مواطن سوري ، مهما كان
عرقه ، أو دينه ، أو مذهبه ،
مادام يوافق على مايطرحه ذلك
الحزب وهو إقامة نظام سياسي
ديموقراطي في سوريا ، لايقصي
أحداً من أبناء سوريا ، وتكون
مرجعيته الإسلام .
كما لفت نظري أن
جبهة العمل الإسلامي في الأردن
، تقبل المواطنين المسيحيين
الأردنيين ، وقد نجح أحد هؤلاء
المسيحيين في انتخابات الجبهة
وأسند له مهمة قيادية ، ومنذ
سنوات أعرف أن حزب الرفاه
الإسلامي التركي يقبل
المواطنين الأتراك المسيحيين ،
كما يقبل أي مواطن تركي ... وبعض
المسيحيين الأتراك اليوم
يؤيدون حزب العدالة والتنمية
التركي ، وهو حزب ديموقراطي ذو
مرجعية إسلامية ...
هذه الأنباء
السـارة ، ذكرتني بأن المخابرات
السورية ، أدخلت مسيحياً سورياً
في جماعة الإخوان المسلمين ،
منذ ثلاثين سنة ، كما قرأت ذلك
من خلال قصة قصيرة قرأتها في عقد
الثمانينات ، في مجلة المجتمع ،
عنوانها ( إبراهيم النجار ) ، وها
أنا أسردها من ذاكرتي :
*
* *
في الثالثة صباحاً
، من فجر يوم من أيام النصف
الأول من عقد الثمانينات ، صعد
رجال المخابرات العسكرية ، سلم
إحدى العمارات في دمشق ، ودقوا
جرس الشقة اليمنى في الدور
الثالث ، ففتح الباب المواطن
السوري المسيحي إبراهيم النجار
... وكما هي العادة كمموا فمـه
بأيديهم الغليظة ، وسحبوه على
سلم العمارة ، حتى ( كوموه ) في
سيارتهم ، التي راحت تنهب شوارع
دمشق الفارغة إلى فرع فلسطين ...
وبعد أن غادرت دورية الأمن
العسكري المكان خرج مواطن آخر
من نفس العمارة ، ومن الدور
الثالث نفسه ، لكن من الشقة
المواجهة لشقة المواطن (
إبراهيم النجار ) ، خرج هذا
المواطن بعد أن حلق لحيته ،
وغادر دمشق ، وتمكن من الوصول
إلى بغداد عبر البادية السورية
، ولم يعد إلى دمشق حتى اليوم ...
وهناك في فرع
فلسطين بدأت حفلة الاستقبال : (
قبل أن يعرفوا اسم المواطن
) :
يقول إبراهيم
النجار بعد أن فك الله أسـره : (
في البدء وضعوني في دولاب (تاير )
وضربوني مائة مرة على الأقل ،
على قدمي ، وفي الأخير تورمت
قدماي ، وسالت منهما الدماء
لدرجة لم أعد أسـتطع المشـي ،
لذا كانوا (يسحلوني ) على الأرض
لإكمال التحقيق .
أحدهم ضربني بعنف
على ظهري وعمودي الفقري مباشرة
، ثم أطلقوا التيار الكهربائي
في جسمي ، حتى فقدت رشدي ، وغبت
عن الوعي عدة مرات ، فيلقون
بالماء على وجهي ، ويكررون
التيار الكهربائي ... ولم يقدموا
لي طعاماً لمدة أربعة أيام قـط .
ومرة ربطوني بالمقلوب إلى
السلالم ، رأسي إلى أسفل وجسمي
إلى أعلى وبدأوا يركلوني بشدة
ويضربونني بالسوط ، ورفسوني على
وجهي بالحذاء العسكري حتى سالت
الدماء من وجهي ، وغطت فمي و
أنفي وتجلطلت الدماء فوق أنفي
ويداي مربوطتان، فصرت أتنفس
بصعوبة .
واستمر حالي هذا
أكثر من أسبوع ، ( قبل أن أسأل عن
اسمي ) وكان لباسي الثياب
الداخلية التي أخذوني بها من
بيتي ، والتي صار لونها أسوداً
من (سحلي على الأرض ) ، ولم يكن
عندي حتى بطانية أنام فوقها أو
تحتها . حتى اقتربت من الموت ) .
وبعد ذلك أحضروني
إلى التحقيق :
ودون أن يسأل
المحقق عن اسمي ، وهويتي قال :
-
من تعرف من الإخوان
المسلمين يا عرص !!! والله نعرف
عنك كل شيء ، وتكلم أفضل لك ، قل
لنا من تعرف من الإخوان
المسلمين !!؟
-
قال إبراهيم النجار ( بصوت
خافت متقطع وكأنه يلفظ أنفاسه ) :
سيدي أنا مسيحي ...
-
قهقـه الضابط بغضب ، وقال
للعسكري أبي صخر : خـذه اضربـه
حتى يبطل التمثيل والكذب ، هل
تظن تضحك علينا يا مجرم !!؟
اضـربه حتى ينسى هالكذبـة ،
ولما يقول الصحيح هاته لي ...
ويقول إبراهيم
النجار :
وبدأ الضرب من غير
رحمة ومن غير عد .. فإشارة
الانتهاء لدى الوحوش أولئك أن
تنفتح بطن الرجل وتسيل منها
الدماء . فإذا تم ذلك فكوا القيد
عن الرجلين وأخرجوا المعتقل من
الدولاب وأمروه أن يفتح كفيه
ليتلقى هدية أخرى . وتنهال على
الراحات سياط من الجلد العريض
سمعنا أنها صنعت من حزام مروحة
الدبابات ! حتى إذا حل بالأيدي
مثل الذي حل من قبل بالأرجل
وتأكد الجلادون أن الدم الآن
يسيل أمروا ضحيتهم بالانبطاح .
ولا يكون المسكين بحاجة لسماع
الأمر لأنه منهار ومُنْتَهٍ
بذاته ، فيستقبل الأرض لا حول له
ولا قوة .. وتلحق به السياط
والعصي تأكل الآن ظهره وجنبيه :
خمسون .. مائة .. وربما مائتا جلدة
قبل أن يتوقف الزبانية .
ويدخل الحفل مرحلته
الأخيرة ، فيقفز أحدهم فوق ظهر
الضحية ويلحقه ثان فيقلبه ويعلو
صدره .. ويأخذ كلاهما يعفسانه
ويركلانه ويمسحان به نعالهما
العسكرية الغليظة .. حتى تتكسر
الضلوع وتتهتك بقايا الجلد
السليم . وتكون الدائرة قد مرت
على الدفعة كلها ، وسالت دماء
الإخوة جميعاً ونال كل واحد
منهم نصيباً من العذاب غير
موصوف . ولكم فُقِدَ في حفل
الاستقبال ذاك من إخوة وماتوا
من غير أن يأبه أحد . ولكم خرج من
هذا الجحيم من خرج كسيراً أو
صاحب عاهة من غير أن يزيد ذلك
الزبانية إلا سروراً وغروراً .
وفطن ( أبو صخر )
بالضحية فقال له :
-
هل تعترف !!!؟
-
أومأ المواطن إبراهيم
النجار بالإيجاب ، فأخذه إلى
المحقق ، الذي وجد عنده ورقة كتب
فيها : أعترف أنني منظم في جماعة
الإخوان المسلمين ، وقد أسندت
لي عدة مهام قمت بها ، وسوف
أتعاون مع الأمن في كشف أسماء
أفراد هذه العصابة المجرمـة ...
قرأ إبراهيم النجـار ، ثم
تناول القلم من المحقق ، ووقـع ،
بينما تهللت أسارير المحقق ،
وأودع إبراهيم في زنزانة خاصة
ينتظر ترحيله إلى تدمـر ...
*
*
*
وخلال شـهر أو
يزيـد تحركت الكنيسـة ، ووصلت
إلى المسؤول عن فرع فلسطين ،
وأخبرته بماجرى ، وطلبت مقابلة
المواطن المسيحي ( إبراهيم
النجار ) ...وبعد جهـد ، وتدخل من
الجهات العليا ... أحضر المواطن
إبراهيم النجار إلى مدير فرع
فلسطين ، فرأى ( الخوري ) عنده ،
وقد فجعـه المنظر المخيف
لإبراهيم ...
-
يا إبراهيم ، هل أنت مسيحي !!؟
-
قلت لكم ، ولم تصدقوني .
-
كيف توقع أنك منتسب للإخوان
المسلمين !!؟
-
كي تطبقوا علي المرسوم ( 49 )
وأموت فأخلص من حفلات التعذيب،
وهي أصعب من الموت بكثير ...
-
من هو جارك في العمارة ؟
-
مدرس اسمه ( إبراهيم حداد ) ،
يسكن في الشقة المواجهة لنا ...
-
سوف لن يفلت من أيدينا ،
وسوف يدخل الزنزانة التي دخلتها
...
ثم
توجـه للخوري وقال :
-
أستاذ ، لانستطيع إخراجه
الآن بهذه الحالة ، سوف يبقى
عندنا أسبوعاً ، ثم ننقله إلى
أحد المشافي أسبوعاً آخر ،
وهناك يستطيع أهله مقابلته ...ثم
نفرج عنه ...لكن شريطة أن لايذكر
ذلك لأحـد ....
وإلا ...!!! فقد عرف ....
*باحث
في التربية السياسية
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|