ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 29/07/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

فن صناعة التمسك بالحكم ...

السلطة الفلسطينية أنموذجا

الطاهر إبراهيم*

يعجب المواطن العربي من ازدياد عدد السياسيين العرب المختصين في فن الخطابة بدون أن يكون لخطابهم أي صدقية. بعض هؤلاء يطيل الخطاب –مكتوبا ومرتجلا بعضه- لعدة ساعات. ولو غربل المواطن الخطاب لوجد أكثره "زيوان" لا قمح فيه. كما يعجب المواطن من مقدرة هؤلاء على زخرفة الكلام وتلوينه بالرتوش ليظهر كأنه الحقيقة أو بعضها، مع أنه كغثاء السيل، ليس فيه فعالية فيما يأخذون أو يدعون.

أكثر هؤلاء السياسيين فضلوا ركوب الذلول في سعيهم للوصول للمناصب، بعد أن عجزوا عن ركوب الطريق الشاق الصعب الذي يتطلّب منهم أن يعطوا ثم يعطوا ثم أن لا يأخذوا شيئا، بل ربما دفعوا أرواحهم قبل أن يصلوا. لذلك فإن محترفي السياسة اختصروا الطريق ، فأخذوا ثم أخذوا ثم أخذوا ثم لا يضرهم بعد ذلك ألا يتركوا لمن خلفهم شيئا. حتى إذا ما مات أحدهم وسار في موكب التشييع والعزاء مئات الألوف من المشيعين، لم يكن بينهم من يقول بقلبه: "يرحمه الله"، وإن تلفظ بها لسانه.

لقد بذل البعض الكثيرَ من جهدهم ليمسكوا بالمناصب حتى تماهوا فيها. واحترفوا الخطابة ومهنة الكلام، وعرفوا ماذا يقولون وماذا عليهم ألا يقولوه. ولو أنهم بذلوا نصف هذا الجهد فيما ينفع وتركوا غيرهم يبذل، لكان خيرا لهم وللآخرين. لكنهم أرادوا كل شيء ومنعوا أن ينال غيرهم شيئا مهما كان ضئيلا. ولا يقتصر فن التمسك بالمناصب على الرؤساء فحسب ، بل نهج نهجَهم قيادات وسطى أرادت أن تتدرب على صناعة الزعامة، وكأن الزعامة لا تنال إلا بتعلم فن الكلام والخطابة.

هذه الصناعة لم تقف عند حد التزلف للحكام والتماهي مع ما يطلبون، بل عليهم أن يوطنوا أنفسهم إذا ما انتهت مهمة فريق منهم وقرر الرئيس الاستغناء عن خدماتهم، أن يشتموا من سقط على الطريق، وأن يشمتوا بهم ويطالبوا بالتحقيق معهم ومحاكمتهم إذا لزم الأمر. بل يقولون في من سقط على الطريق ما لم يقله مالك في الخمر بعد أن استحق غضب الرئيس . بل وإذا اقتضى الأمر أن يغرسوا سكاكينهم بأجساد من سقطوا في الساحة فعلوا.

السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة كانت تربة خصبة لنمو مثل هذه الصناعة بعدما أقرت أن لامجال إلا للمفاوضات ويجب إنهاء كل أشكال المقاومة كشرط فرضته إسرائيل، وإلا فلا سلطة. حتى سمعنا "محمود عباس" يصف هجوما بالصواريخ على مستوطنة إسرائيلية أنه "عمل حقير". ووفق هذا الأساس صاغ أرباب الكلام خطاباتهم.

وهكذا رأينا "نبيل عمرو" قد فرد ريشه معلنا –بلسان عربي مبين- أن الحساب سيطال كل من أخطأ وكل من فرّط، وأنه يجب إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية على أساس مهني لا على أساس فصائلي. وقد تناسى أن الخلاف مع حماس الذي أدى لفصل غزة عن الضفة، كان بسبب طغيان قادة تلك الأجهزة الذين كانوا يشكلون دولة داخل السلطة.

وبدلا من الاعتراف بالخطأ وأن حماس كانت على حق عندما طالبت بتسريح هؤلاء ومنهم "محمد دحلان" و"رشيد أبو شباك" وآخرون الذين أفسدوا واستحقوا الإقالة والمحاسبة، رأينا "عمرو" يطالب بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق مع حماس، وكأنها هي التي دفعت رموز الفساد ليشيطوا في دماء الفلسطينيين ولينهبوا أموال المساعدات التي تأتي من المانحين ولا يصل  منها إلى المستقين إلا بالقطارة.

استطرادا، فقد تخرّج من "منظمة التحرير الفلسطينية" عدد وافر من الخطباء وأرباب القلم، ولا نسميهم، فالكل يعرف من هم (إلا من رحم ربك من الذين بذلوا حياتهم في جهاد اليهود بالسلاح واللسان مثل "أبو جهاد" الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في تونس)، لا ليقفوا في وجه العدو الإسرائيلي، بل ليسخّروا أقلامهم وألسنتهم في شتم إخوانهم، بعد أن عرفوا أن المناصب لا تنال إلا عن هذا الطريق. وهكذا أصبحت السلطة الفلسطينية مدرسة لتخريج الخطباء، واستحق هؤلاء الجهابذة أن ينالوا شهادات في فن صناعة الكلام.

*كاتب سوري

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ