ــ
سورية
في الولاية الثانية إلى أين؟ (2)
(
بشار أسد وبناء النظام البديل )
د.نصر
حسن
حرص بشار أسد في
بداية ولايته الأولى على تجديد
قيادات الأجهزة الأمنية والجيش
بالشكل الذي يضمن ولائها المطلق
له, ومعظمها من العائلة أو
المقربين لها, من اللذين
تراكمت لديهم ثروات هائلة من
نهب الثروة الوطنية وشبكات
الفساد , وتجنب الصدام مع
الجهاز السياسي والإقتصادي
البيروقراطي الضخم الذي يطبعه
الفساد والتخلف الذي تركه له
والده , أي أبقى هيكل النظام
القديم لكن دون سلطة حقيقية
وعمد إلى تأسيس نظام بديل من
المقربين إليه أشبه بشبكة شخصية
له يجمعها الولاء والنهم الشديد
للفساد والنهب تحت لافتة
الإصلاح الإقتصادي الذي تبناه
والذي عبر عنه " اقتصاد السوق
الإجتماعي " مخدراً الوضع
الداخلي ومتجاوزاً كل الأزمات
الأساسية التي يعاني منها
النظام ككل , والذي انعكس على
مستوى الشعب معاناةً وفقراً
وبطالةً وفساداً سرطانياً في
بنية الدول والمجتمع .
وسعى بشار أسد إلى
تكوين هذا النظام البديل بتوسيع
الحلقة الداخلية الشخصية
الخاصة به في أجهزة الدولة عبر
مجموعة غير رسمية من المستشارين
والأكاديميين اللذين يشكلون
إدارة مطبخ القرار الإقتصادي
لبشار أسد واستخدم هذه الشبكة
على نشر فهمه ومقاربته للإصلاح
الإقتصادي ,وأيضاً استخدم هذه
الشبكة لتحقيق التوازن في نفوذ
الحرس القديم وتأمين مصدر جديد
له في صناعة القرار السياسي ,
ومثلت تلك الشبكة غير الرسمية
مايسمى مجموعة المستشارين
الثمانية عشرة,وهي من
الأكاديميين ورجال الأعمال ,
ومهمتها تقديم الدراسات
والنصائح لبشار أسد حول المسائل
الإقتصادية وإعادة هيكلة
الإصلاح الإقتصادي باتجاه
السوق , والكثير من أعضاء هذه
المجموعة عملوا في الخارج ولهم
علاقات بمركز الأعمال السوري
الأوروبي الذي يرعاه الإتحاد
الأوروبي على خلفية مبادرة
السلام بين سورية وإسرائيل في
مدريد ويهدف إلى إدماج سورية في
منطقة التجارة الحرة الأوروبية
- المتوسطية مع حلول عام 2010,
وخلصت هذا المجموعة إلى تقديم
نصائح لبشار أسد حول إجراءات
الإصلاح الإقتصادي والخصخصة
والحاجة إلى بنوك خاصة وفتح باب
المنافسة وكل مايتطلبه اقتصاد
السوق , ( ومنهم الدكتور عارف
دليلة الذي أعاده بشار أسد إلى
السجن نتيجة نقده للفساد وتقديم
رؤية حقيقية للإصلاح الإقتصادي)
.
ولكن رغبة بشار أسد
المواربة التي بدأها بالإصلاح
الإقتصادي عبر تلك المجموعة
الفنية والتي يتمتع بعضها
بتطلعات إصلاحية اصطدمت بواقع
النظام السياسي القائم وتحللت
فيه وباتت جزءاً من فساده , إذ لم
يدرك بشار أسد أن الأزمة في
سورية لايحلها ترقيع إقتصادي
يتجاهل الواقع ويقفز إلى تبني
صيغ ومفاهيم عصرية لهيكل
إقتصادي قديم ومنهار,إذ لاتوجد
الأرضية السياسية والإقتصادية
والإدارية الضرورية لتبني منهج
" إقتصاد السوق الإجتماعي "ولا
الآلية التي يتم بواسطتها تطبيق
ذلك ,ولا الكادر الفني الذي
يتحمل وينفذ ذلك , ولا الفضاء
السياسي التعددي الحرالذي سوف
يكون الحاضنة لنمو هذا المفهوم
الحديث , عمليا ً وهذا معروف
للبسطاء والخبراء : أن سورية
دولة يحكمها نظام شمولي مركزي
في كل شيء ,نظام شاخ سياسيا ً
واقتصاديا ً وإداريا ً, واستشرى
الفساد في نسيج الدولة والمجتمع
بشكل مخيف ,وبالتالي فإن تبني
هذا المفهوم العصري يعني : إما
رغبة ً حالمة ًلبعض المخلصين ,و
إما قصورا ًفكريا ً وسياسيا ًعن
فهم واقع سورية اليوم ,وإما
تجاهلا ً للأزمة ورغبة ً بتشويه
الحقائق ,وتغليفا ً جميلا
ًوحديثا ً لبنية مهترئة و قديمة
, إنه خلطاً للحابل بالنابل,وخلط
الإقتصاد بالسياسة بالوهم
بآمال الفقراء , وإشارة متعددة
الألوان لتضليل الجميع.
لأن هذا المفهوم
الحديث وباختصارشديد ,يتم
تطبيقه في دول متطورة ومستقرة
سياسيا ًوإقتصاديا ودستوريا
ًوإنسانيا ً أولا ً,ويتطلب حداً
أدنى سليما ً من البنية التحتية
العامة التي تمكن من تطبيقه على
أرض الواقع ثانيا ً, ومرتبط
بقدرة الدولة المادية على
التحكم المرن بالإقتصاد
وتوجيهه بالإتجاه الذي يحقق
النمو الإقتصادي ويمنع
الإحتكارثالثا ً ,ويحتاج إلى
بناء ديموقراطي يضمن المراقبة
والمحاسبة حفاظا ًعلى تحقيق
العدالة الإجتماعية ومبدأ"الرفاه
للجميع " وليس الرفاه للقلة
والظلم والشقاء للجميع رابعا ً ,
وأن تكون الدولة قادرة إقتصاديا
ًعلى تبني قانون الضمان
الإجتماعي الشامل (حماية الطفل ,الأمومة
, الصحة ,البطالة , الشيخوخة )الذي
يحفظ وبشكل حقيقي الكرامة
الإنسانية للفرد وفي كل الظروف
خامسا وأخيراًً.
ورجوعا ً إلى واقع
سورية وواقع النظام المركزي
الشمولي ونظام بشار أسد البديل
هذا , الذي تحول إلى سفراء
وأبواق إعلامية ووسطاء "سلام
" لبشار أسد على المستوى
الدولي , نرى بوضوح شديد أن
الوضع الإقتصادي الحالي وبعد
سبع سنوات من الإصلاح والتصليح
والترقيع قد وصل حافة الإنهيار ,
الإنهيار الذي يمثله سرقة
القطاع العام وخدمات الدولة
وتجييرها لخدمة مافيا النظام
الإقتصادية الفاسدة والمرتبطة
ببشار أسد شخصياً والمالكة لكل
مفاصل الإقتصاد الوطني , والتي
تتحكم بلقمة المواطن وعمله
وحريته بشكل مهين , وأبرز
نتائجها هو التدهور الخطير في
الحالة المعاشية وغلاء الأسعار
وضعف الرواتب ( معدل دخل الفرد
تقريباً 1100 سنوياً) وفقدان
الحاجات والخدمات الأساسية (
بنية تحتية , صحة ,ماء , كهرباء ) ,وطغيان
المحسوبية وانعدام مبدأ تكافؤ
الفرص, باختصار الإقتصاد السوري
كما حياة المواطن السوري
محتكرين من قبل العائلة الحاكمة
وأصدقائها الفاسدين ,وهم عملياً
الذين يتحكمون بالإقتصاد
الوطني والقطاع العام والخاص
والتجارة الداخلية والخارجية ,وبمحصلته
العامة أنتج الفقر والبطالة
والفساد والفوضى الإقتصادية
الإجتماعية التي تضرب أطنابها
في البلاد طولاً وعرضاً.
خلاصة القول : إن
تبني مفهوم إقتصادي حديث لبنية
إقتصادية منهارة أساسها نهب
ثروة الوطن وإذلال المواطن في
ظل نظام فردي تصادر الحرية
وتقمع الكلمة والرأي الآخر ,
وتغلق نوافذ الحرية والإتصال مع
العالم المعاصر, ويقصى رموز
وأدوات الإصلاح الفعليين ,
وتحتكر وسائل الإعلام ,وتحجب
الحقيقة عن الشعب , هو كلام
لفظي شكلي جميل, لكن لامعنى
له في واقع الشعب البائس الذي
يعمل في الليل والنهار راكضاً
وراء لقمة الخبز الشريفة ,لأن
الأساس الضروري لتطبيقه , وهو
وجود القانون وحكم المؤسسات
والكادر النزيه وفضاء
ديموقراطي وحرية المنافسة
وإعلام حر وآلية للمراقبة
والمحاسبة تضبط عملية تطبيق هذا
المفهوم ...هذا الأساس مفقود ,
وسيبقى مفقود , مادام القانون
والعدل والمساواة والحرية
والديموقراطية نهجٌ مفقود ,
ومادام " النظام البديل "
فردي والطغيان والتضليل
والفساد حاضرٌ وموجود , ومادام
الصوت والكادرالوطني الصادق
الكفوء محاصرٌ ومطرود .....سيبقى
المواطن السوري رهن الطيش
والإرتجال والوعود....!. يتبع
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|