ــ
بعد
عام من مؤتمرها الأول .....
جبهة
الخلاص الوطني إلى أين؟
الطاهر
إبراهيم*
الإعلان عن تشكيل جبهة الخلاص
الوطني من بروكسل في 17 آذار عام
2006 ، طرح أكثر من علامة استفهام،
ليس لأنها ضمت مكونات كانت
متنافرة إلى عهد قريب، وتصنف في
خانات العداء الأيديولوجي في ما
بينها، فحسب، بل لقد كان السؤال
هو كيف يمكن أن تتفق هذه
المكونات على بلورة الهدف الذي
تسعى إليه الجبهة، وكل منها
ينظر من زاوية مختلفة إلى ما
سيكون عليه الأمر في سورية إذا
حصل التغيير؟
وقد تم تذليل التساؤل الثاني
بسهولة في صياغة مشروع البيان
الختامي للمؤتمر التأسيسي الذي
انعقد في لندن في حزيران عام 2006.
أما علامات الاستفهام الأخرى
التي تتعلق بتباينات أعضاء
الجبهة من حيث الانتماء
الأيديولوجي، فقد تركت ليذللها
المشاركون، من خلال
لقاءات الأمانة العامة
للجبهة التي تمثل هيئة الرئاسة
فيها، التي توالت بعد المؤتمر
التأسيسي الأول. وإذا كانت
العقبات التي أشرنا إليها آنفا
تركت للزمن ليحلها، أو لتتفاعل
فتشكل تحديات أمام جبهة الخلاص،
فإن عقبات أخرى برزت، بعضها كان
محسوبا، وبعضها الآخر لم يكن
يعتقد أنها ستشكل تحديا ملموسا.
فعلى صعيد الإخوان المسلمين،
الذين يعتبرون المكون الأساسي
في الجبهة، بما يملكون من تنظيم
هرمي عريق، خاضت قيادة الحركة
معركة التحدي على محاور ثلاث:
تمثل المحور الأول في إقناع
أفراد الإخوان بمسوغات هذا
التحالف الذي عقد مع رمز من رموز
الحرس القديم للنظام وهو عبد
الحليم خدام، بما يمثل من خلفية
ذهنية للإخواني الذي عاصر
بدايات حكم حزب البعث في
الستينيات، وبصورة أقل كوادر
الإخوان المسلمين الشابة الذين
تفتحت ثقافاتهم على صورة عالم
عاش نصف قرن في استقطاب متنافر
بدأ الآن يتقارب في عولمة هدفها
الأول استثمار خيرات العالم
الثالث، فلمَ لايتقارب أبناء
الوطن الواحد حتى لو اختلفت
انتماءاتهم؟ وقد ساهم في تذليل
هذا البعد أن الجماعة أصدرت
ميثاقا للشرف في أيار عام 2001
،أوضحت فيه رؤيتها لسورية
المستقبل بحيث يكون الحكم فيها
ديمقراطيا، تعدديا، وتداوليا
عبر صناديق الاقتراع، ما يعني
القبول بالآخر كشريك في الحكم.
أما التحدي الثاني فقد تمثل في
رفض بعض الشخصيات السورية
المعارضة التي شاركت في قوى
"إعلان دمشق" للتحالف مع
خدام، بينما سكتت معظم أحزاب
معارضة الداخل من قوى إعلان
دمشق ولم تفصح عن موقفها
-انتظارا للوقت المناسب- كي لا
تستعدي عليها النظام بعد أن
أظهر سخطه الشديد على التحالف
بين خدام والإخوان المسلمين.
أما التحدي الثالث، فقد تمثل في
اعتراض كثير من المثقفين
المؤيدين للإخوان داخل سورية
على التحالف مع خدام بسبب
الخلفية التي يحملونها عن خدام
الذي لا يتذكر عنه السوريون سوى
صورة نائب الرئيس الذي كان جزءا
من الحكم الذي يعارضونه. وستبقى
هذه الحيثية تنتظر إعلام
الإخوان المسلمين ليتعامل مع
هذه القضية التي كانت أول تحدٍ
لهم في الداخل بعد إصدار
"مشروعهم السياسي لسورية
المستقبل". استطرادا يبقى
إعلام الإخوان المسلمين دون
المستوى المأمول في التصدي
لكثير من المستجدات التي
تواجهه.
أما التحديات التي واجهت الطرف
الثاني في جبهة الخلاص المتمثل
بنائب الرئيس السوري السابق
الأستاذ عبد الحليم خدام فقد
كانت من نوع آخر. فبسبب دخوله
التحالف مع الإخوان تعرض
لانتقاد رموز حكومية في بلدان
عربية كانت تربطه بهم صداقات،
ومنهم من عانت بلدانهم من
مجموعات القاعدة. وقد رد
"خدام": بأن حضور جماعة
الإخوان المسلمين مؤثر حتى وهم
في المنفى. وهم يمثلون الاعتدال
في سورية. وإن القفز فوقهم أو
تهميشهم سوف يدفع بالمتطرفين
إلى الواجهة، وسيكون أنصار
"بن لادن" البديلَ عنهم إذا
ما همشوا.
ولم يَسْلَم "خدام" من كلام
بعثيين قدامى منشقين عن النظام،
انتقدوا الإخوان المسلمين
لأنهم تحالفوا معه. حتى أن أحدهم
أرسل للإخوان يذكّرهم بماضي
خدام، كأنه يظن أنهم يجهلون هذا
الماضي. وذيّل الرسالة باسمه
ومناصبه الحكومية والحزبية يوم
كان مسئولا، ما يعني أنه ينتقد
"الخدام" على أمر كان هو
مشاركا فيه.ومع عدم الانتقاص من
باقي المشاركين في جبهة الخلاص،
وباستثناء العرب الأمريكيين
الذين نشطوا في التحرك الجبهوي،
كان بعض الأعضاء المؤسسين أقلّ
حضورا، أو لم يكن لهم نشاط يذكر.
وإذا كان الإخوان المسلمون قد
حرصوا على أن تتفهم واشنطن
واقعَهم الجديد الذي شرحوه في
مشروعهم الحضاري، إلا أنهم ما
كانوا على استعداد لبناء أي
علاقة مستقبلية معها على حساب
ثوابتهم. غير أنهم بعد مشاركتهم
في جبهة الخلاص، فقد تولى
شريكهم فيها الأستاذ
"خدام" التسويق للجبهة
أوروبيا، وفتح ناشطون عرب
أمريكيون قنوات اتصال مع
مسئولين في وزارة الخارجية
الأمريكية وتوصلوا لنتائج طيبة
في التعريف بأهداف جبهة الخلاص.
هل نستطيع أن نقول أن جبهة الخلاص
أصبحت –على الساحة الإقليمية-
رقما صعبا، له قيمته التي يحسب
حسابها؟ أم أنه من المبكر
الحديث عن هكذا أمر؟
يبقى أن نقول أن واشنطن ما زالت
ترفض–كإدارة- التعامل
مع الجبهة. ربما لدفعها لتقديم
تنازلات في مواقفها من قضايا
المنطقة الملتهبة، وربما
انتظارا أن تبادر الجبهة فتطلب
من
واشنطن المساعدة في تغيير
النظام. ما نعرفه أن جماعة
الإخوان المسلمين، المكون
الهام في الجبهة، ترفض التغيير
على الطريقة العراقية. وصرحت
مرارا أنها ترفض الاستقواء
بالأجنبي على الوطن.
ماأوردته آنفا لا يشكل رؤية خاصة
بل قراءة عن قرب. وقد يتطلب
الأمر ظهور مستجدات لمعرفة هل
تصمد الجبهة أمام التحديات
والمغريات؟ ولعل مؤتمرها
الثاني الذي تتهيأ جبهة الخلاص
لعقده قريبا، وما سيتمخض عنه
المؤتمر في البيان الختامي وما
سيقال في المؤتمر الصحفي، قد
يجعلنا نستطيع القراءة بشكل
أفضل.
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|