ــ
جبهة
الخلاص الوطني ...ومؤتمر
النقلة النوعية !
د.نصر
حسن
لعل تأسيس جبهة
الخلاص الوطني في آذار 2006 أثار
الكثير من الأسئلة على مستوى
الداخل والخارج على حد سواء ,
بعضها توضيحي وبعضها الآخر
تشكيكي , وبعضهم راقب بحذر وشك ,وبعضهم
بتعجب وحيرة ,وبعضهم ساوره
القلق على نظام ومصالح ,و بعضهم
تنفس الصعداء بميلاد حركة
معارضة تجمع أطراف كانت متباعدة
ومتحاربة ولايعترف كلاً منها
بالآخر ,العلاقة بين بعثي
وشيوعي وبين علماني وإسلامي
وبين محافظ وليبرالي وبين عربي
وكردي وكل تلك التصنيفات التي
طبعت العمل السياسي في سورية
خلال الأربعين سنة الماضية ,وبمحصلته
العامة أنتج الإستبداد الذي
يطبق على حياة الشعب السوري
بشكل مميت ,وأكثر من ذلك هناك من
طرح الأسئلة المواربة التي تغذي
حالة الشك والإنتقائية
والوصاية على العمل الوطني ,
لماذا الآن ولماذا بتلك
المكونات ولماذا من هذا المكان
والكثير من الماءات التي تحمل
نغمة النظام وأجهزته والدائرين
في فلكه أو الخائفين من التغيير
, أو العاجزين الذين تجمدوا في
قوالب نظرية ومواقف سياسية
تجاوزتها المرحلة , واستمر
الكثير من السائلين بتكرار نفس
الأسئلة في مناسبات دورية غلب
عليها رغبة السجال ووضع العصي
في دواليب حركة جبهة الخلاص على
كافة المستويات الداخلية
والعربية والدولية .
في الواقع قبل ظهور
جبهة الخلاص الوطني كانت ساحة
المعارضة شبه خالية من تيار
معارض له موقف جذري واضح من
النظام ويحمل رؤى سياسية معرفة
حول مستقبل سورية ,والجبهة في
مكوناتها الأساسية , التيار
القومي والإخوان المسلمين
والحركة الكردية والأطراف
اليسارية والتظيمات الأهلية
والشخصيات المستقلة عملت سواءً
على انفراد أو بتلاقي في
تحالفات جمعتهم في السنوات
الماضية للعمل ضد النظام
القمعي في سورية ,لكن بشكل
غير مؤثر في موازين القوى بين
النظام وبينها , لأنها كانت بهذا
الشكل أو ذاك خاضعة للظروف
الإقليمية العربية ومحكومة
بسقفها من حيث الموقف من قضية
التغيير في سورية ,وبالتالي
كانت تتمتع بهامش قليل من حرية
الحركة والتعبير عن مشروعها
المستقل في التغييير ,وكانت
مقارباتها في معظمها أقرب
إلى إدارة أزمة مستمرة مع
النظام أكثر منها فعل تغييري
متسق ومستمر ومتصاعد , والآن
تلتقي تلك الأطراف بحرية
واختيارية ضمن وعاء ديموقراطي
يسمح بتفاعل البرامج والآراء
على قاعدة المساواة
والديموقراطية والمسؤولية
الوطنية للخروج من الحالة
الخطيرة الذي يعيشها الشعب
وتجنيب سورية نتائج سياسة
النظام التي أخلت بأسس
الإستقرار الداخلي وثوابت
السيادة والإستقلال.
وجاءت جبهة الخلاص
الوطني لتبدأ مرحلة جديدة في
حركة المعارضة السورية ولانريد
أن ندخل في حوار (داخل وخارج )
لأن هذه المقاربة غير صحيحة
وقصيرة النظر ,إذ ما من تنظيم أو
طرف في الخارج إلا وله امتداد في
الداخل والعكس صحيح , وبالتالي
هي في محصلتها العامة معارضة
سورية وطنية لها أطراف موزعة
مابين الداخل والخارج , والعمل
المركزي التي قامت به جبهة
الخلاص هو تقديم مشروع وطني
سياسي واضح المعالم الفكرية
والوطنية والسياسية ويناقض
كلياً مشروع النظام السوري
ويطرح مشروع الجبهة لأول مرة
أجوبة على الكثير من الأسئلة
الشائكة التي تتعلق بماضي
الأطراف الوطنية مع بعضها
وبماضي العلاقة بين الأطراف
السياسية المتناقضة وبماضي
العلاقة التكوينية الدينية
والإجتماعية والثقافية
والعرقية للمجتمع السوري
وخاصةً مسألة المواطنين
الأكراد , وتبنت حل الموضوع بشكل
مؤسسي على قاعدة مطلب تحقيق
الدولة المدنية بعيداً عن
الشعارات والوعود التي لم تعط
الثقة والأمان لا لمواطن كردي
ولا لعربي ولالبعض التكوينات
الوطنية في الماضي , لوجود ظلم
وتهميش وإلغاء وتجريد من الحقوق
صمت عليه كل أطراف العمل
السياسي في سورية سابقاً ,الأمر
الذي خلف تصدعا ً في الوحدة
الداخلية وخللاً خطيراً في
التوازن الإجتماعي والأهلي في
سورية في ظروف إقليمية
معروفة الأبعاد والتداخلات .
أجابت جبهة الخلاص
الوطني على الكثير من الأسئلة
المطروحة الأساسية والمتعلقة
بالموقف من النظام وآلية
التغيير وشكله والنظر إلى
مستقبل سورية بعد التغيير ضمن
عملية تفاعل بهذا الكم العريض
من المكونات السياسية
والإجتماعية والأهلية وبأجواء
ديموقراطية لايؤثر عليها سوى
بعض العوامل الذاتية المرتبطة
بحداثة التجربة والإمكانيات
المتاحة واستحقاق التغيير في
ظروف إقليمية متسارعة التدهور
والتفكك والفوضى , و لم يغب عن
أطراف الجبهة أن التوافق على
مجموعة ضخمة من الأهداف يحتاج
إلى وقت للصراحة والحوار والعمل
على المساحة المشتركة وهي
الأكبر في برامج الأطراف كلها
وتوسيعها , وهذا عمل مؤسسي يهدف
إلى صياغة وطنية جديدة وتعشيق
الإمكانيات باتجاه محور حركة
واحد هو التغيير في سورية , ولم
يغب عن بال أطرافها أن لكل منها
برنامجه الخاص ,والجبهة هي ليست
حاصل جمع أو رصف ميكانيكي
للبرامج بقدر ما أسست لحالة
جديدة من التفاعل الموضوعي
والعقلاني على طريق إنتاج جبهة
جديدة وجدية في مقاربة موضوع
التغيير في سورية , وهي ليست
بديلاً عن أي طرف والعمل الوطني
وماتعيشه سورية من مآسي وأزمات
يحتاج جهود الجميع لمساعدة
الشعب السوري للخلاص من نظام
ليس له وصف سياسي وإجتماعي
وقانوني , نظام يعبث بالبلاد
ومصالحها وكرامة العباد
وحقوقها بشكل مخيف.
لاشك أن هناك بعض
الأسئلة التي تطرحها حركية
العمل السياسي المباشرة التي
تقوم به الجبهة
لتطويربنيتها الداخلية وأدائها
السياسي , بما يعطيها فعالية
أكثر ومرونة أكبر في تحقيق
مشروعها الوطني للتغيير ,وهي
بدون شك تعمل وسط ظروف داخلية
لايسمح فيها النظام حتى بذكر اسم
الجبهة لامدحاً ولاذماً ,وبعد
علاقات ماضية بين أطرافها
غلب عليها التشتت والإختلاف
والتناقض والقطيعة وفي حاضنة
داخلية استبدادية تحاصرها
الأجهزة الأمنية والممارسات
القمعية , وبالتالي تؤثر على
قدرتها في تعبئة الرأي العام
والفعل السريع باتجاه التغيير ,
ضمن هذه العوامل والشروط
الذاتية والخارجية المربكة
والملتبسة محلياً ودولياً تشق
جبهة الخلاص طريقها بثبات ووضوح
وجرأة على المستويين الداخلي
والخارجي وتعمل على كافة
المحاور العربية والدولية لرفع
مستوى الحوار الذي يؤدي إلى كسب
الفهم والدعم لقضايا الشعب
السوري ومطالبه المشروعة في
الحرية والعدالة والمساواة
واحترام حقوق الإنسان في سورية ,فهل
ستكون قادرة على زيادة مسك
الخيوط الأساسية للتحكم في مسار
الأحداث وتفعيل عملها باتجاه
التغيير الديموقراطي وبالطرق
الشرعية الممكنة ؟, مطلوب من
جبهة الخلاص في مؤتمرها القادم
تقديم بعض الإجابات الصريحة
والواضحة والعملية على جميع
الأسئلة التي يطرحها الواقع
السوري والشعب السوري ...حتى
يكون بحق مؤتمر النقلة النوعية
في مسيرتها نحو تحقيق التغيير
الوطني الديموقراطي في سورية ,
الإنتقال من دولة القمع واللغو
والفساد والتمييز ,إلى تأسيس
دولة ديموقراطية , دولة
المواطنة والقانون والمؤسسات
يتساوى فيها الجميع بالحقوق
والواجبات.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|